حرب بين أوكرانيا وروسيا.. فرصة لمنتجي النفط والغاز في الخليج وشمال أفريقيا

حرب بين أوكرانيا وروسيا.. فرصة لمنتجي النفط والغاز في الخليج وشمال أفريقيا

تزيد أسعار النفط والغاز الحالية من اختلال التوازن القائم بين العرض والطلب في سوق المحروقات وتتفاقم تحت وقعها الأزمة الجيوسياسية الشاملة. وبلغ سعر خام برنت بالفعل أعلى مستوياته في سبع سنوات وقد يصل مرة أخرى إلى حدود 150 دولارا للبرميل.

ومع ذلك يجدر بنا أن نقف ونقيم الآفاق قصيرة وطويلة الأجل للنفط والغاز على حد السواء.

وقبيل الغزو الروسي لأوكرانيا كنا نتحدث عن استمرار المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بالخصوص في “الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط التي ولدتها الأزمة”. وإثر الغزو “ارتفع” سعر خام برنت إلى أكثر من 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ سنة 2014. وعلى الرغم من أن الأزمة لا تزال عاملا مهما يدعم الأسعار الحالية (بالنسبة إلى الغاز أكثر من النفط) فشل برنت حتى الآن في إغلاق التداول فوق 100 دولار. كما لم يكن هناك أي تأثير سلبي حتى الآن على تدفق النفط أو الغاز. ومع ذلك، وفي الساعة السابعة بتوقيت غرينتش بعد إعلان فلاديمير بوتين وضع الردع النووي الروسي في حالة تأهب قصوى وفرض الغرب المزيد من العقوبات ضد نظامه النفطي، ارتفع السعر إلى 103.01 دولار.

من غير المستبعد أن نشهد بحلول نهاية شهر مارس عودة خام برنت إلى نحو 90 دولارا للبرميل أو ربما أقل

ولا يمكن أن نتأكد من حجم الأزمة أو امتدادها الزمني. ولا نعرف على وجه اليقين ما إذا كانت روسيا تستطيع التغلب على المقاومة الأوكرانية -وإذا كان الأمر كذلك، فكم من الوقت ستستغرق؟- وما إذا كانت البنية التحتية ذات الصلة بالطاقة في أوكرانيا ستلحق بها أضرار جسيمة بسبب النزاع، وما إذا كان الرئيس بوتين سيردّ على العقوبات الغربية بإيقاف إمدادات الغاز بالكامل إلى أوروبا أو خفضها (جدير بالذكر أن كلا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يتجنبان فرض عقوبات قد تشمل صادرات الغاز الروسية مباشرة وعلى الفور). ومع ذلك فإنه من الممكن، في رأيي، أن نشهد بحلول نهاية شهر مارس عودة برنت إلى نحو 90 دولارا للبرميل أو ربما أقل.

وعلى الرغم من أن واشنطن تمارس ضغوطا محتملة على الرياض وأبوظبي من أجل زيادة أكبر في إنتاج أوبك+ للمساعدة في تخفيض الأسعار، إلا أنه من المستبعد أن توافق المنظمة، عندما تجتمع اليوم (الثاني من مارس)، على الترفيع في الإنتاج بأكثر من 400 ألف برميل في اليوم. والسبب الثاني هو أن روسيا، التي تكافح بالفعل من أجل الوفاء بحصتها، من غير المرجح أن تدعم تغيير المسار. ولأسباب محددة أشك في أن الرياض مستعدة علنا (حتى الآن) للانفصال عن موسكو.

ويمكن أن أذكر إيران ثالثا. فبالنسبة إلى طهران يبدو السماح لها بالعودة إلى أسواق النفط حيث يقترب سعر خام برنت من 100 دولار جزرة جذابة بالفعل. وعلى الرغم من أن زيادة الإنتاج مرة أخرى ستستغرق وقتا، إلا أن لدى إيران مخزونا يتراوح بين 60 و70 مليون برميل يمكن ضخها في الأسواق بسرعة (والتي يجب أن تبدو وكأنها جزرة لا تقل أهمية بالنسبة إلى إدارة بايدن). ولا تزال هناك جزرة أكبر معروضة، أي التعاون الدولي الذي يستغل ثاني أكبر احتياطيات من الغاز الطبيعي في العالم (بعد روسيا) بأكثر من 30 تريليون متر مكعب. وبغض النظر عن كيفية تطور الأحداث في أوكرانيا، يبدو الآن أنه من المحتم أن تتطلع أوروبا إلى التخلص بسرعة من الاعتماد على الطاقة الروسية، مع كون الغاز الطبيعي المسال مكونا حيويا في هذه العملية. ويمكن أن تستفيد إيران بشكل كبير مما قد يكون “فوزا كبيرا” ليس فقط لطهران وأوروبا وإنما للصين أيضا، شريطة التغلب على العقبات السياسية بدءا من إحياء خطة العمل الشاملة والمشتركة.

ليست إيران، بالطبع، موردا مثاليا. وبصرف النظر عن طبيعة النظام في طهران، هناك احتمال أن يعود دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 2025 وسحب الولايات المتحدة مرة أخرى من خطة العمل الشاملة والمشتركة، فضلا عن اتخاذ خطوات ستكون لها عواقب أكبر على أوروبا. ومع ذلك، فإن جل مشاريع منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تهدف إلى استبدال روسيا كمورد للغاز تواجه تحديات سياسية. وتجدر الإشارة إلى أن معارضة تركيا لمشروع خط أنابيب شرق البحر المتوسط ​​الذي أطلق في 2020 واتفاقها البحري مع ليبيا يؤكدان على الأقل بعض الصعوبات التي تواجه استغلال احتياطات الغاز في حوض الشام البحري (تقدر بـ2 إلى 3.5 تريليون متر مكعب).

كما نحتاج إلى تقييم ما تعنيه الأزمة لإزالة الكربون من الاقتصاد العالمي. وتصفها فاينانشيال تايمز (بشكل مبالغ فيه إلى حد ما) في تحليل الخامس والعشرين من فبراير بأنها “صدمة الطاقة” المتعلقة بأوكرانيا مع إمكانية إخراج أهداف الصفر الصافي عن مسارها. فهل أن فاينانشيال تايمز على حق في الادعاء بأن “المخاوف من التضخم وأمن الطاقة تبدو مقدرا لها أن تتفوق على سياسات المناخ؟” أو هل ستخلق الأزمة “فرصة للسياسيين لتسريع خططهم للطاقة الخضراء” بمجرد أن يهدأ الارتجاج الحالي؟

وبالنسبة إلى أوروبا قد يعتمد الكثير مرة أخرى على منتجي المحروقات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة إذا ظل اللاعبون الرئيسيون في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما ألمانيا، ملتزمين بالهيدروجين كمكون رئيسي في إزالة الكربون. وفي البداية، من المحتمل أن يكون هذا حول “الهيدروجين الأزرق”، مما يعني مرة أخرى أن هناك حاجة ملحة إلى مزودين غير روسيا. ثم إن التوجه نحو “الهيدروجين الأخضر” -أي استخدام الكهرباء المولدة المتجددة لفصل الهيدروجين عن الماء عن طريق التحليل الكهربائي- سيعود أيضا بالفائدة على البلدان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التي تتمتع بإمكانية الوصول إلى المياه الوفيرة والطاقة الشمسية (والرياح في بعض الحالات). غير أن هذا لا يعني إنكار بعض التحفظات بشأن الهيدروجين. ولكن، وفي ظل الوضع الحالي، لا يمكنني استبعاد احتمال أن تدعم الأزمة الأوكرانية بشكل كبير منتجي الغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بالإضافة إلى علاقات الطاقة طويلة الأجل بين أوروبا والمنطقة، حيث يشكل الهيدروجين مكونا رئيسيا.

العرب