الباحثة شذى خليل*
واصلت أسعار النفط ارتفاعها، وسط استمرار الاضطرابات في شرق أوروبا، وإعلان الرئيس الأميركي جو بايدن حظر الولايات المتحدة استيراد النفط الروسي، إلا أن تصريحه بعدم إلزام أوروبا بهذا القرار قلص من حدة ارتفاع الأسعار، لما لها من تداعيات خطرة ليس فقط على روسيا وإنما على العالم أجمع.
حيث سجلت العقود الآجلة لخام برنت تسليم مايو 2022، بنسبة 2.71% لتصل إلى 131.45 دولارا للبرميل، فيما ارتفعت العقود الآجلة للخام الأميركي تسليم أبريل بنسبة 2.13% لتصل 126.34 دولارا للبرميل، وقال بايدن إن فرض حظر أميركي على واردات الطاقة الروسية من الضغوط على موسكو كرد على غزوها أوكرانيا.
أزمة الأوضاع السياسية والعسكرية تنعكس بشكل كبير وفعال على الوضع الاقتصادي العالمي، فمنذ بداية الأزمة بين روسيا وأوكرانيا أخذت أسعار النفط في الارتفاع حتى تجاوزت 131 دولارا للبرميل، وتزامن مع ارتفاع أسعار الذهب الذي تجاوز لفترة وجيزة عتبة الألفي دولار للأونصة.
ما زالت التوترات الجارية شرق أوروبا تلقي بظلال سلبية على الأسواق العالمية، إذ تسجل أسعار السلع الرئيسة بقيادة النفط والغاز والقمح ارتفاعات متتالية، في وقت يتجه فيه الاقتصاد العالمي نحو موجة تضخم اعتبارا من مارس/آذار الجاري.
وتوقع كبير الاقتصاديين في بنك أوف أميركا إيثان هاريس أنه “إذا أوقف الغرب معظم صادرات الطاقة الروسية فسيكون ذلك صدمة كبيرة للأسواق العالمية”.
وقدر هاريس أن فقدان الأسواق 5 ملايين برميل من النفط الروسي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط إلى الضعفين، أي إلى 200 دولار للبرميل، وانخفاض النمو الاقتصادي على مستوى العالم.
تعد روسيا ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم بمتوسط يومي 10.2 ملايين برميل يوميا، أما إيران فهي ثالث أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك، في الظروف الطبيعية، بمتوسط يومي 3.86 ملايين برميل، لكن هذا الملف مثّل سيفا بحدين؛ فمن جهة يمثل فرض عقوبات على قطاع النفط والغاز الروسي صفعة لموسكو التي تشكل صادراتها من النفط والغاز إلى أوروبا رافدا رئيسا لاقتصادها. ومن جهة أخرى، قد تعني هذه الخطوة أن يجد الاتحاد الأوروبي نفسه في موقف حرج نظرا لاعتماده على الغاز والنفط الروسي بشكل كبير، إذ تزود روسيا أوروبا بنحو 40٪ من الغاز. وتعتمد ألمانيا، أكبر اقتصاد في الكتلة، على روسيا للحصول على ما يقرب من 50٪ من غازها الطبيعي، ويبقى الغرب مترددًا في فرض عقوبات كبيرة على قطاع الطاقة في روسيا بسبب كيفية تأثيره على الاقتصاد العالمي، لكنه يقترب الآن من القيام بذلك حيث تعمل أوروبا على تنويع مصادر الطاقة لديها.
ويقول خبير النفط والغاز الدكتور ممدوح سلامة، إن الاتحاد الأوروبي يعتمد بنسبة تزيد عن 40 في المئة على الغاز الروسي، في حين تصل صادرات النفط الروسي إلى الاتحاد إلى نحو 27 في المئة من إجمالي إمدادات النفط الواردة إليه، وهو الأمر الذي “يعطي روسيا قوة كبيرة في سوق الغاز والنفط في الاتحاد الأوروبي”.
وقد تركز كثير من الجدل حول طبيعة العقوبات الأوروبية على قطاع الطاقة الروسي حول أنبوب الغاز “نورد ستريم 2″، وهو مشروع خط أنابيب جديد لنقل الغاز الطبيعي بطول 1200 كيلو متر، يمتد من غربي روسيا إلى ألمانيا تحت بحر البلطيق، حيث اكتملت أعمال البناء في الخط، الذي تحملت شركات روسية وأوروبية تكلفة إنشائه، في سبتمبر/ أيلول 2021، لكنه لم يدخل الخدمة بعد بانتظار الحصول على الترخيص النهائي من هيئة تنظيم الطاقة الألمانية. ومن المتوقع أن يوفر الخط حال تشغيله 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا.
البنك الدولي من جهته أكد أن استمرار ارتفاع أسعار النفط الناجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يقلص نمو الاقتصادات النامية الكبيرة المستوردة للخام، مثل الصين وإندونيسيا وجنوب إفريقيا وتركيا، بواقع نقطة مئوية كاملة.
إن هذه الحرب ستوجه المزيد من انتكاسات النمو للأسواق الناشئة المتراجعة بالفعل على مسار التعافي من جائحة كوفيد-19 والتي تجد صعوبة في مواجهة مجموعة من أوجه عدم اليقين، من الديون إلى التضخم، وأدت الحرب إلى تفاقم حالة عدم اليقين بطرق ستتردد صداها في جميع أنحاء العالم، وتضر بالأشخاص الأكثر ضعفا في الأماكن الأكثر هشاشة.
إن زيادة أسعار النفط 10% ستستمر لسنوات عدة ويمكن أن تخفض النمو في الاقتصادات النامية المستوردة للسلع الأساسية بمقدار عُشر نقطة مئوية، وتضاعفت أسعار النفط خلال الأشهر الستة الماضية.
قال الخبير النفطي كامل الحرمي، إن مقاطعة الولايات المتحدة الأميركية للنفط الروسي لا يمثل الشيء الكثير لأن أميركا تستورد 6% من إجمالي وارداتها النفطية من روسيا، وأن الولايات المتحدة تعتمد على استيراد النفط من كندا بنسبة 60%، وبعض الكميات من منطقة الخليج العربي.
هناك طرق يمكن أن تلجأ إليها روسيا لتصريف إنتاجها في الأسواق عبر خلطه بنفوط أخرى، أو تزيد من تكرير النفط الروسي في المصافي الهندية أو الصينية وهذه بالطبع عملية صعبة.
ومن المهم جدا معرفة انه لا توجد لدى دول منظمة أوبك وحلفاؤها طاقات فائضة يمكن أن تسد العجز الناتج عن حظر النفط الروسي بمقدار 4 إلى 5 ملايين برميل يوميا.
وتقرأ التوقعات أن ارتفاع الأسعار إلى 300 دولار للبرميل سيؤدي إلى تحطيم الطلب العالمي، في ظل توقعات بأن تبدأ الحكومات في خفض الرسوم والضرائب على كاهل المستهلك النهائي للبنزين كأحد الحلول المطروحة.
ختاما تشكل الواردات الروسية 45% من واردات الطاقة في الاتحاد الأوروبي خلال الأشهر الـ10 الأولى من عام 2021. وإن اجتياز نصف شتاء دون واردات روسية مدعومًا من بعض مخزونات الغاز ليس بالسهل، لكن يبين مدى مقاومة تلك البلدان للأزمات وقياس مدى قوة اقتصادها، لكن السيطرة على الاقتصاد الأوروبي لعدة سنوات دون الغاز الروسي تمثل تحديًا مختلفًا، نبقى بحالة ترقب في قراءة الأوضاع المقلقة لسوق الطاقة وتداعياتها على اقتصاديات البلدان المتقدمة فكيف هي الدول النامية والفقيرة؟.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية