رغم العملية التي جرت في تل أبيب والإخطارات الكثيرة، تواصل إسرائيل محاولة إدارة سياسة تفاوتية ومركبة أمام الساحة الفلسطينية. محاربة الإرهاب من جانب، وفي الجانب الآخر عدم المس بالاقتصاد الفلسطيني واستمرار تشغيل أكثر من 100 ألف فلسطيني في إسرائيل، وكذا الامتناع عن إلغاء التسهيلات لرمضان.
حتى قبل حدوث العملية في تل أبيب، كانت في القيادة السياسية – الأمنية أصوات اعتقدت بوجوب تغيير هذه السياسة. وهذه تغلبت في نهاية الأسبوع بتوصية من جهاز الأمن، وسينعقد الكابينت اليوم ومن غير المتوقع أن يقرر تغييراً مهماً في الميل. القرار المتوقع هذا سينال انتقادات عديدة إذا ما وقعت عملية أخرى من الضفة؛ ولتقليص الخطر، عزز الجيش الإسرائيلي نشاطه في مجال التماس الذي انكشف مرة أخرى كنقطة ضعف تستدعي جواباً.
القفز بين الألغام
أدت العملية أيضاً إلى قرار بإدخال قوات كبيرة أمس إلى مخيم اللاجئين في جنين. وكان الهدف الرسمي إجراء مسح لبيت المخرب الذي نفذ العملية تمهيداً لهدمه واعتقال أقربائه للتحقيق، ولكن كان لهذا النشاط سبب إضافي، علني ولكن غير معلن: الإيضاح للفلسطينيين بأن إسرائيل لا تتردد في العمل في عش الدبابير الأكبر في الضفة حتى في وضح النهار، وتحذيرهم من أنه إذا استمر الإرهاب والعنف من المخيم، فإن إسرائيل كفيلة بأن تقرر العمل فيه بكثافة أكبر بكثير.
حملة مصغرة كهذه (“سور واقٍ” باسمها المغسول) موجود على جدول الأعمال منذ أشهر طويلة، منذ عاد الشمال بعامة وجنين بخاصة ليكون بؤرة الإرهاب الأساسية والأكثر إقلاقاً في الضفة. حتى الآن، امتنعت إسرائيل عن ذلك لأسباب مختلفة، بدءاً بالأمل في أن تعمل أجهزة الأمن الفلسطينية على استعادة السيطرة بنفسها، وحتى محاولة الامتناع عن احتكاك واسع عشية شهر رمضان؛ في نهاية الأسبوع كثرت الأصوات التي تعتقد بأن الظروف نضجت لعمل غايته تجفيف جبهة الإرهاب، مع التشديد على اعتقال مطلوبين وجمع أسلحة.
القلق الأساس هو من التأثير المحتمل لمثل هذه الحملة على باقي مناطق الضفة، وكذا على غزة وشرقي القدس اللتين بقيتا في هذه الأثناء هادئتين حتى في نهاية يوم الجمعة الأول من رمضان. هذه معضلة دائمة، ولكن على إسرائيل ألا تذعر نفسها. ومثل عشية حملة “السور الواقي” الأصلية قبل عشرين سنة، فإن ساحة فزع زائد تتبين في الغالب كمبالغ فيها، والسؤال الذي ينبغي أن يصدح في غرف المداولات هو ليس “ماذا سيحصل إذا حدث هذا” (أن تكون حملة واسعة في جنين)، بل “ماذا سيحصل إذا لم”.
حتى يوم أمس، كان يخيل أن إسرائيل ستسعى لمواصلة القفز بين الألغام دون أن تصاب. هذا تحد مركب أيضاً على خلفية عدد عال من الإخطارات بالعمليات، والذي ازداد جداً، أكثر من أي وقت مضى، بعد عملية أخرى نجحت، وعليه فالاستثمار الزائد في الدفاع، في كل الجبهات. في أثناء عيد الفصح اليهودي، وإن كان سيعلن عن إغلاق عام على “المناطق” [الضفة الغربية] مثلما في كل سنة وكجزء من الاتفاقات مع الفلسطينيين، ولكن ربما لن يكون كافياً؛ فإسرائيل مليئة بالماكثين الفلسطينيين غير القانونيين، وعلى أي حال تجد صعوبة في أن تسد المداخل تماماً، وستكون مطالبة باستثمار أموال كثيرة كي تجعل مجال التماس مرة أخرى عائقاً ناجعاً ويؤدي مهامه.
هروب مثير للحفيظة
جهد آخر يبذل الآن في العثور على الوسائل القتالية لدى جهات جنائية وإرهابية، في الضفة وفي نطاق إسرائيل. العمليات الثلاث الأخيرة شكلت ميل إرهاب جديداً – قديماً: فلئن كانت الانتفاضة الثانية تميزت بالعمليات الانتحارية، وموجة عمليات الأفراد في 2015 – 2016 بعمليات السكاكين والدهس، فإن الموجة الحالية تتميز بعمليات إطلاق النار من البنادق والمسدسات الموجودة بوفرة على جانبي الخط الأخضر. بعد أن تخبو الموجة لن تتمكن إسرائيل بعد ذلك من الامتناع عن أعمال مكثفة للعثور على هذا السلاح وجمعه، والذي يصبح تهديداً مهماً يستوجب عملاً واسعاً ومنسقاً.
لقد تعرضت وسائل الإعلام الإلكترونية لانتقاد حاد، بعضه مبرر على خلفية كشف القوات وإطلاق الشائعات، ولكن ليس فيه ما يحرر الجهات المسؤولة من مسؤوليتها. بقيادة الشرطة، أرسل أول أمس ثلاثة ناطقين بلسان جهاز الأمن (الشرطة والجيش والشاباك) كتاباً لعموم وسائل الإعلام، وفيه سلسلة أخطاء عن شكل التغطية ومطالبة باستخلاص النتائج. كان هذا هروباً مثيراً للحفيظة من المسؤولية وأساساً من جانب الشرطة، التي لم تؤد مهامها الخمس مساء؛ فلو أغلقت الميدان، كما ينبغي، ولو قدمت معلومات مصداقة وأمينة، لأعفي الجمهور من الصور والشائعات التي رافقت بعض البث.
لمن اعتقد أنه يمكن التحكم بالمعلومات أو بالشبكات الاجتماعية في العام 2022، نوصيه أن يصحو؛ فللجمهور حق في المعرفة، وللجهات المهنية واجب توفير المعلومات، ولكن بالتحفظات الواجبة المتعلقة بالأمن أمن المعلومات، لكن هذا لم يحصل (وألحق ضرراً) يوم الخميس مساء، وهذا يبرز غياب مسؤولين لجهاز الأمن عن الشاشات في الأسابيع الأخيرة. في أوقات الأزمة، يبحث الجمهور عن المعلومات وعن أحد ما يبث فيه الأمن؛ يجدر بالناطقين المختلفين أن يعودوا إلى هذه المهنية، قبل أن يبحثوا عن مذنبين.
كدرس من العملية، المطلوب إعادة النظر في مشاركة الجنود في الجهود الشرطية داخل المدن. فمشهد المقاتلين من الوحدات الخاصة ممن يركضون في شوارع تل أبيب مع أسلحتهم الممشوقة لم ترق لمسؤولين كبار في الجيش الإسرائيلي ممن انتقدوا الإدارة الفوضوية للحدث من جانب الشرطة. سيطرح الموضوع مرة أخرى للبحث في الأيام القادمة، وسيسعى الجيش الإسرائيلي لمعرفة شكل مشاركة الجنود في الأعمال الشرطية مستقبلاً بشكل منظم أكثر.
بقلم: يوآف ليمور
القدس العربي