جفاف بحيرة الصحراء في العراق “كارثة بيئية” لم تكترث لها الحكومات المتعاقبة منذ 2003

جفاف بحيرة الصحراء في العراق “كارثة بيئية” لم تكترث لها الحكومات المتعاقبة منذ 2003

 

الباحثة شذى خليل*

جفاف بحيرة ساوة تعكس خطورة الجفاف الذي يعصف بالعراق.
بحيرة ساوة، هي واحدة من أكثر البحيرات شهرة في العراق، ووجهة سياحية شهيرة تجذب الزوار من مدينة السماوة القريبة وجميع أنحاء البلاد، لكن سنوات من الإهمال حولت المنتجع إلى صحراء، تمامًا مثل العديد من الوجهات السياحية والتاريخية الأخرى في العراق ، تبلغ مساحتها خمسة كيلومترات مربعة.
وتعد البحيرة من البحيرات الفريدة لما تتصف به من ارتفاع في نسبة ملوحة مياهها مقارنة بباقي البحيرات والأنهار في العراق، حيث تبلغ نسبة ملوحة مياه البحيرة 1500 بالمليون، وهي نسبة عالية جدا إذ أنها أعلى ملوحة من مياه الخليج العربي بـ1.5 مرة.
تتميز البحيرة بتكوينها الفريد والظواهر الطبيعية التي صاحبتها؛ فهي تتميز عن البحيرات الأخرى بأمور عدة، منها عدم وجود أنهار أو مجرى مائي سطحي يغذيها، بل تعتمد على العيون وما يتدفق من مياه جوفية من تحت البحيرة التي ترشح إليها من نهر الفرات القريب منها، وذلك عبر الصدوع والشقوق التي في أسفلها. وترتفع البحيرة عن مستوى سطح البحر بخمسة أمتار، وهذا ما يحول دون رؤيتها إلا من مسافات قريبة جدا.
وهي عبارة عن كتلة كبيرة مغلقة من المياه المالحة، تقع في الصحراء بين بغداد والبصرة، في محافظة المثنى العراقية بالقرب من نهر الفرات، على بعد حوالي 23 كيلو مترًا إلى الغرب من مدينة السماوة.
البعض يطلق على بحيرة ساوة لقب “لؤلؤة الجنوب” لجمالها وتكوينها الفريد. إنها محاطة بجرف من الكثبان الرملية المكدسة ، مما يوفر سداً طبيعياً يحافظ على المياه فوق مستوى سطح الأرض، وبما أن البحيرة ليس لها صلة مؤكدة بالنهر أو البحر، فقد كان مصدر مياهها لغزا للباحثين لعدة قرون.
وهناك من يعتقد أن البحيرة مرتبطة بالبحر الأحمر أو بحيرات أخرى بعيدة، بينما يعتقد البعض أن مياه البحيرة تأتي من أمطار حوض الدمام أو من الصحراء الغربية. وهناك آراء كثيرة مختلفة، لكن الأرجح أن مياه البحيرة تأتي من المياه الجوفية في هذا الموقع، حسب قول الدكتور علي حسين، رئيس مركز البحوث والدراسات في جامعة السماوة.
الدراسات أثبتت أن من مكونات البحيرة المائية، الصوديوم والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنيسيوم والكبريت والكلور والكربونات، وهي العناصر الأساسية التي تتكون منها مياه بحيرة ساوة، كما أثبتت الدراسات فائدتها في علاج الكثير من الأمراض الجلدية.
إن هناك أربعة أنواع من الأسماك الصغيرة تنمو إلى حجم معين 15 سم أو 20 سم. الغرض من الأسماك والكائنات المائية في البحيرة هو إطعام الطيور المهاجرة، ولكن الأسماك نفسها ليست صالحة للاستهلاك البشري بسبب نسبة الدهون العالية.
وعلى عكس الحياة المائية الفقيرة، تزخر البحيرة بأنواع الطيور المائية، حيث تصل أنواع الطيور إلى 25 نوعا، ومن أهمها البط والهدهد العراقي، كما تعيش العديد من اللبائن في الحزام الصحراوي الذي يحيط بالبحيرة، منها الثعالب والضباع، بالإضافة إلى أنواع من الزواحف، أهمها ثعبان الماء.
بداية النهاية لبحرية ساوة:
تعرضت البحرة للسرقة والتخريب بعد حرب الخليج الأولى في عام 1990، وتكررت العملية في عام 2003 ، وفقدت البحيرة وجودها ، بسبب إهمال وزارة السياحة والآثار العراقية في إدارة المشاريع السياحية في محافظة الديوانية .
خبير الأرصاد العراقي صادق عطية قال إن المياه في بحيرة ساوة بدأت بالانحسار التدريجي حتى جفافها تماما، والسبب حسب المختصين يعود إلى حركة الصفائح التكتونية بمرور الزمن مما تسبب في جفاف الأنهار تحت المياه الجوفية المغذية للبحيرة، وإنشاء معامل غرب البحيرة تسببت في جفاف الآبار المغذية لها.
أحد أسباب الجفاف هو “استخدام الضخ المكثف للمياه الجوفية من موقع يقع جنوب البحيرة لتغذية ممالح السماوة التي يستخرج منها كلوريد الصوديوم، بالإضافة إلى استخدام الآبار غير القانونية في الزراعة، فضلا عن سوء التخطيط وسوء إدارة السياسة المائية وعدم اهتمام الحكومة بكل التحذيرات المحلية والخارجية.
ومن أسباب الجفاف أيضا التغير المناخي الذي أصاب العالم، والعراق من أكثر البلدان تأثرا به، وتغير الصفائح الزلزالية التي غيّرت المجرى الطبيعي لها تحت الأرض، فضلا عن قيام العشرات من الفلاحين وأصحاب المصانع والمعامل بإنشاء الآبار الارتوازية التي أسرفت في استخدام المياه الجوفية؛ مما أسهم في انخفاض الكميات الواصلة إليها بشكل كبير جدا.
وأشار مصدر حكومي إلى أنه تم حفر أكثر من ألف بئر بشكل غير قانوني للزراعة في المنطقة، مشيرا إلى أن مصانع الأسمنت والملح المجاورة “استنزفت كميات كبيرة من المياه الجوفية التي تغذي البحيرة”.
وللحد من استخدام طبقات المياه الجوفية، وبعد ثلاث سنوات من الجفاف، ستحتاج المنطقة الآن إلى عدة مواسم من الأمطار الغزيرة، في بلد يعاني من التصحر ويعتبر واحدًا من أكثر خمسة مواسم عرضة لتغير المناخ.
في الختام يرى الخبراء أن عودة الحياة للبحيرة لا يمكن أن تتم إلا من خلال جهات عالمية تملك أجهزة متخصصة في هذا المجال، فضلا عن توفر الأموال اللازمة لهذا العمل. والعراق ليس لديه أي إمكانية حاليا.
وعبّر عراقيون عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي عن صدمتهم وحزنهم لما شاهدوه من صور لبحيرة ساوة، في حين حذر مراقبون ومتخصصون من خطورة الجفاف الذي يعصف بالعراق.

وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا

مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية