حذف المرجعية الإسلامية من الدستور يثير جدلا في تونس

حذف المرجعية الإسلامية من الدستور يثير جدلا في تونس

تونس – أثارت تصريحات رئيس الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة بتونس الصادق بلعيد، رجح فيها الذهاب نحو إزالة نصّ “الإسلام دين الدولة” من الدستور القادم الذي تعد له هيئته بتكليف من الرئيس قيس سعيد، جدلا واسعا في البلاد.

وبينما اعتبر مؤيدون لتصريحات بلعيد أن الدولة كيان معنوي يدير شؤون كل المواطنين على اختلاف أديانهم، رأى آخرون أن هيئة بلعيد غير مؤهلة بوضع دستور جديد ولا بحذف المرجعية الدينية للدولة، بينما قال آخرون إن التصريحات ستثير حالة من التصادم بين مشروع الرئيس سعيّد وطائفة واسعة من التونسيين.

وعينت الهيئة بمرسوم رئاسي نشر في العشرين من مايو الماضي في الصحيفة الرسمية ويقضي بتشكيل “الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة”، ولجنتين استشاريتين وأخرى للحوار الوطني.

رابح خرايفي: حذف دين الدولة من الدستور لا يعني إلغاء دين التونسيين
وجاء في المادة 12 من المرسوم “تتكون اللجنة الاستشارية القانونية من عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية والسياسية بالجمهورية التونسية، ويتولى رئاستها أكبرهم سنا يتم تعيينهم بأمر رئاسي”.

وبحسب المرسوم، ترأس الهيئة الوطنية الاستشارية أستاذ القانون الصادق بلعيد، الذي ينسق بين لجنتين استشاريتين الأولى اقتصادية واجتماعية والثانية قانونية، على أن ترفع “لجنة الحوار الوطني” المقترحات النّهائية للرئيس سعيد بهدف “تأسيس جمهورية جديدة”.

ووفق المرسوم، يترأس اللجنة الاستشارية للشؤون الاقتصادية والاجتماعية عميد المحامين الأسبق إبراهيم بودربالة، وتضم 4 ممثلين لمنظمات عمالية وطنية هي الاتحاد العام التونسي للشغل، واتحاد الصناعة والتجارة، واتحاد المرأة، واتحاد الفلاحين، وممثل خامس عن الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان (غير حكومية).

ومهمة اللجنة الاستشارية القانونية، وفق المرسوم “إعداد دستور يستجيب لتطلعات الشعب ويضمن مبادئ العدل والحرية في ظل نظام ديمقراطي حقيقي”.

وتضم لجنة الحوار الوطني أعضاء من اللجنتين الاستشاريتين، ودورها “التأليف بين المقترحات التي تتقدم بها كل لجنة بهدف تأسيس جمهورية جديدة تجسيما للتطلعات الشعبية المشروعة للشعب التّونسي في ثورة السابع عشر من ديسمبر 2010 وأكدها في الاستشارة الوطنية (الاستفتاء)”.

وأفاد المرسوم بأن التقرير النهائي لـ”الهيئة الوطنية الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” سيُقدم لرئيس الجمهورية في أجل أقصاه العشرين من يونيو الجاري، أي قبل موعد استفتاء الخامس والعشرين من يوليو القادم.

وينصّ الفصل الأول من دستور تونس 2014 على أن “تونس دولة حرّة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها” وهو نفس النص الذي تمت المحافظة عليه منذ دستور عام 1959.

ورجح بلعيد إمكانية “محو الفصل الأول من الدستور التونسي في صيغته الحالية”.وفي إجابة عن سؤال حول التوجه نحو حذف عبارة “الإسلام دينها” من الدستور الجديد، قال بلعيد خلال حوار بثه التلفزيون الرسمي “الدولة كيان معنوي وهياكل لا روح ولا دين لها، والقول إن تونس دولة دينها الإسلام لا معنى له”.

واعتبر أن “فترة حكم الإسلاميين في تونس، ويقصد حركة النهضة، بعد الثورة (2011) والذين كانوا يقدمون أنفسهم للتونسيين على أنهم يمثلون الإسلام، كانت فترة خراب على كل المستويات سياسيا واقتصاديا وأمنيا ما أوصل تونس إلى الهوة”.

سامي براهم: ما يطرحه الصادق بلعيد يكرس التطرف العنيف
وأضاف أن “الإسلام السياسي هو استعمال للدين لمصالح غير دينية”، وتابع “على التونسيين أن ينظروا إلى الماضي القريب حتى يدركوا الضرر الذي لحق بهذه البلاد”.

ولم يتم بعد الكشف عن كامل مسودة الدستور، ومن المنتظر أن تقدم “الهيئة الاستشارية من أجل جمهورية جديدة” مشروع الدستور وتعرضه على الرئيس سعيد في العشرين من يونيو ليتولى بدوره عرضه على الشعب في الثلاثين من ذات الشهر.

ويرى الأكاديمي والباحث في القانون الدستوري والنيابي رابح خرايفي أن “الفصل الأول من الدستور جاء في سياق تاريخي معين، ذلك أن الدولة التونسية عند استقلالها أرادت تثبيت مرجعية الإسلام كدين للدولة”.

وقال الخرايفي “في عام 2014 تم اقتراح حذف هذا الفصل من الدستور من المعارضة المتمثلة في الكتلة الديمقراطية آنذاك، لكن حصلت تحركات احتجاجية رافضة لهذا التوجه فتم الإبقاء على الفصل الأول لتهدئة الشارع”.

وأضاف “من الناحية العلمية فإن الدولة لا دين لها، وهي كيان معنوي تدير شؤون جميع مواطنيها مهما كانت دياناتهم، وتحمي كل الأديان على قدم المساواة”.

واستدرك الخرايفي “صحيح أنه سوسيولوجيا غالبية الشعب التونسي مسلم لكن حذف دين الدولة من الدستور لا يعني إلغاء دين التونسيين”. وتابع أن “الجدل الحاصل حول هذا الأمر هو تعبئة شعبية من بعض الأطراف (لم يسمها) للتصويت ضد الدستور الجديد الذي يتم الإعداد له”.

وحول ما إذا كان التوجه نحو إرساء دستور علماني، أكد أن “دستور تونس القادم سيكون اقتصاديا اجتماعيا وليس علمانيا ولا سياسيا، فالأولوية ستكون للاقتصاد والمعرفة، ولن يكون دستورا لا أيديولوجيا ولا دينيا ولا علمانيا”.

وفي المقابل قال الأكاديمي والباحث في الجامعة التونسية سامي براهم إن “المرجعية الدينية للدولة أمر حسم منذ الاستقلال (1956) ومنذ الثورة، ولا توجد أي جهة مخولة لإعادة النظر في هذا الفصل غير مجلس تأسيسي جديد أو برلمان”.

واعتبر براهم أن “الهيئة الاستشارية التي يرأسها بلعيد غير مؤهلة قانونيا ودستوريا وسياسيا وأخلاقيا للبت في الأمر”. وأضاف “إما أن تكون للدولة مرجعية دينية وتكون الدولة راعية للشأن الديني أو لا يكون لها ذلك ويكون الشأن الديني شأنا مجتمعيا، وهنا يكمن الخطر”.

فريد العليبي: إثارة القضية ستجعل مشروع سعيّد في تصادم مع الشعب
ورأى براهم أن “ما يقترحه بلعيد يكرس التطرف العنيف والإرهاب أي عندما تصبح الدولة غير معنية بالشأن الديني، فهذا يعطي المجال للجماعات المتطرفة لتنتعش وتترعرع وتستقطب الناس”.

وأشار إلى أن “بلعيد تحدث عن الفصل الأول من الدستور لوسيلة إعلام فرنسية لدغدغة مشاعر فرنسا العلمانية اللائكية التي تقوم بمعركة ضد الإسلام السياسي وأساسا اليمين المتطرف في فرنسا”.

واعتبر براهم أن “ما قام به بلعيد هو نوع من استجداء تعاطف النخبة السياسية في فرنسا وأصحاب القرار السياسي فيها، وهذا أمر مهين ومعيب بحق شخص مكلف بكتابة دستور وبحق الدولة”.

وقبل أيام، أكد بلعيد في تصريح لوكالة “فرانس برس” أن “التوجه لحذف مرجعية الإسلام من الدستور الجديد الهدف منه محاربة الأحزاب السياسية على غرار النهضة التي كانت أكبر كتلة برلمانية (53 مقعدا من أصل 217) قبل قرار حلّ البرلمان من قبل سعيّد”.

وشدد براهم على أن “الدستور الذي يتم الإعداد له من قبل الهيئة الاستشارية هو دستور انقلابي صيغ بشكل تعسفي على إرادة التونسيين، والهيئة جهة ليست لها أي مشروعية أو قيمة اعتبارية لصياغة الدستور”. وزاد “إذا أجمع التونسيون على أن يكون دستورا علمانيا فليكن ذلك، لكن أن يكون علمانيا رغم إرادة الشعب فهذا يعتبر تعسفا”.

وقال المحلل السياسي فريد العليبي إن “ما جاء من تصريحات على لسان بلعيد هو إثارة لنعرة الهوية مجددا لأغراض سياسية، وهذا الخلاف لا يمثل أولويات التونسيين المتمثلة في الاقتصاد والتشغيل”.

وأضاف أن “هذه القضية (الهوية الدينية) ليست جوهرية بالنظر إلى أن تونس ليست بلدا يتضمن طوائف أو أديانا مختلفة، وإنما هي بلد منسجم دينيا ومذهبيا وغالبيته مسلمة، وإثارة هذا الأمر ربما تؤدي إلى توترات سياسية”.

واعتبر أن بلعيد “غير قادر على فهم المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي في تونس، ويتصرف وكأنه يصفي الحسابات مع الإسلام السياسي”. وأردف العليبي أن “إثارة القضية ستجعل مشروع رئيس الجمهورية في تصادم مع الشعب”.

العرب