احتضنت العاصمة القطرية الدوحة جولة أولى من المحادثات غير المباشرة بين واشنطن وطهران ضمن مساعي إحياء الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني، وعلى سبيل تخطي المشكلات التي يمكن أن تنجم عن توقف جولات التفاوض الأصلية في جنيف. ورغم أن جولات الدوحة سوف تقتصر على الطرفين الأمريكي والإيراني ولن تشارك فيها بقية الأطراف من مجموعة «4+1» التي كانت في الأصل وراء ترتيبات إبرام الاتفاق الأمّ، فإنّ قسطاً كبيراً من الجدّية يكتنف جولات العاصمة القطرية بدليل حضور كبير المفاوضين الإيرانيين علي باقري وكذلك المبعوث الأمريكي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي.
ولم يعد خافياً أن عوائق إحياء الاتفاق باتت رهناً بتذليل الخلافات المستعصية بين واشنطن وطهران، وليس جوهرياً بين الوفد الإيراني المفاوض والوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك رغم أن إيران اعتمدت منذ أشهر سياسة إدراج الرسائل السياسية عبر إجراءات تقنية من قبيل تركيب مجموعات جديدة من أجهزة الطرد المركزي المتطورة، أو تفكيك أجهزة التصوير والتحقق المرتبطة بالوكالة، أو التلويح برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 90%. ولم تكن زيارة مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى طهران سوى إشارة واضحة بأن أوروبا حريصة على إحياء الاتفاق القديم، خاصة في ظلّ المستجدات الدولية التي أعقبت الاجتياح الروسي في أوكرانيا وأشباح أزمات الطاقة والغذاء.
ليس خافياً أيضاً أن الخلاف الراهن بين واشنطن وطهران كان قد ابتدأ مع قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب انسحاب بلاده من «خطة العمل الشاملة المشتركة» لعام 2015، وفرض عقوبات هائلة غير مسبوقة ألحقت الأذى البالغ بالاقتصاد الإيراني وأصابت بالشلل قطاعات نفطية وتجارية وصناعية كبرى، إلى جانب تشجيع عمليات الاستخبارات الإسرائيلية في تخريب المنشآت النووية واغتيال علماء الذرة في إيران. ومن غير المنطقي ألا تعمد طهران إلى ربط العقوبات الأمريكية بمساعي إحياء الاتفاق القديم، بل والذهاب أبعد في طرح مطالب مثل إزالة الحرس الثوري الإيراني من لوائح الإرهاب التي تعتمدها الإدارة الأمريكية.
ومن نافل القول إن دولة الاحتلال الإسرائيلي تمارس على واشنطن ضغوطاً كبيرة وحثيثة لعرقلة التوصل إلى أي اتفاق جديد مع طهران، والجهود الإسرائيلية لم تفشل تماماً في هذا المضمار، بحيث بات تسييس جولات جنيف بمثابة تحصيل حاصل لا ينحصر في الولايات المتحدة وحدها، بل يحدث اليوم أن الطرف الروسي لا يوفّر جهداً من أجل ربط أدنى التفاصيل التقنية بمسائل سياسية لا علاقة مباشرة تجمعها مع ملفات البرنامج النووي الإيراني. وفي المقابل لا يخفي بعض النافذين المتشددين في إيران رفضهم للاتفاق القديم أو استئنافه أو إحيائه، وما كانوا يعلنونه من اعتراضات أيام الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني يواصلون إعلانه اليوم مع رئاسة إبراهيم رئيسي رغم انتمائه إلى تيارات التشدد المحافظة، ولم يكن مفاجئاً أن صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد الأعلى علي خامنئي اعتبرت جولات الدوحة بمثابة «فخّ أمريكي»، متناسية أن التوصل إلى اتفاق يمكن أن يردّ إلى الشعب الإيراني 170 مليون دولار يخسرها يومياً من ثروته النفطية نتيجة العقوبات الأمريكية.
القدس العربي