القوات متعددة الجنسيات في سيناء.. آن أوان التغيير

القوات متعددة الجنسيات في سيناء.. آن أوان التغيير

_66281_61

بعد مرور أكثر من ثلاثة عقود، صمتت فيها طبول الحرب، في شبه جزيرة سيناء، بدأت قوات حفظ السلام والتي يقودها الأميركيون تشعر بوطأة أحداث جديدة تستلزم احتياطات جديدة مرهقة في الغالب. ويدور حديث في الكواليس بشأن تفويض القوة الدولية، رغم أن الدول المشاركة في القوة لا تصرح بذلك في العلن، في فترة تشهد تعاونا أمنيا وثيقا بدرجة لم تحدث من قبل بين مصر وإسرائيل.

مع ذلك، أكّد، الدبلوماسي الأميركي ديفيد ساترفيلد، مدير قوة حفظ السلام متعددة الجنسيات في سيناء خلال لقاء في إسرائيل، قائلا:“سنواصل هذه المهمة الحيوية… سنفعل كل شيء للحفاظ عليها”.

وأيّد هذا التصريح، دبلوماسي، رفض الكشف عن اسمه، حين قال “ليس معنى أنك وضعت كاشفا للدخان قبل عقود ولم ينشب حريق أبدا أن عليك أن تتخلص منه”، مستخدما تشبيها شائعا بين مسؤولين من القوة ومن مصر وإسرائيل. وأضاف قائلا “من يعرف متى يمكن أن يندلع حريق؟ من يعلم ماذا سيصبح عليه السيسي غدا أو بعد عام؟”، مشيرا إلى الثقة التي تقوّضت بعد حادث سقوط الطائرة الروسية، في 31 أكتوبر الماضي، واتجاه بعض أصابع الاتهام إلى المتشدّدين في سيناء.

وتملك الولايات المتحدة تحديد قرار مصير هذه القوات باعتبار أنها الراعي الأول لها، وهي كما وصفها الباحث الأميركي ديفيد شينكر “قلب المنظمة وروحها”، فبين ثنايا القوة الخاصة المؤلفة من كتيبة مشاة، ووحدة الخدمات اللوجيستية التي توفر الطائرات وتقوم بالعمليات الجوية، وغيرهما من الوحدات والمهمات، تساهم الولايات المتحدة بما يقرب من 700 شخص للقوة متعددة الجنسيات والمراقبين، وتغطّي واشنطن أيضا ما يقرب من ثلث الميزانية السنوية للمنظمة التي تبلغ 86 مليون دولار، وهي التي تبنّت إطلاقها. فبعد توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية “كامب ديفيد”، اتفق الطرفان بموجب الاتفاقية على إنشاء قوات دولية تقوم بمراقبة السلام في سيناء، لكن لم تلق هذه الدعوة موافقة كل الأعضاء في مجلس الأمن، واعترضت على ذلك الصين وروسيا، فتبنّت الولايات المتحدة مهمة إنشاء “القوة متعددة الجنسيات والمراقبين في سيناء” (MFO).

ونصت المادة السادسة، في فقرتها الثامنة من الملحق الأول في معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل على أن “يتفق الطرفان على الدول التي تشكل منها قوات، ومراقبي الأمم المتحدة، وسيتم ذلك من الدول غير ذات العضوية الدائمة بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وفي حالة عدم الوصول إلى اتفاق بين الطرفين في ما يتعلق بأحكام الفقرة الثامنة من المادة السادسة من الملحق الأول، فإنهما يتعهدان بقبول أو تأييد ما تقترحه الولايات المتحدة الأميركية، بشأن تشكيل قوات الأمم المتحدة والمراقبين”.

بناء على ذلك تم تشكيل قوات حفظ سلام في سيناء، تتخذ من العاصمة الإيطالية روما مقرا رئيسيا لها، ولها مكاتب اتصال في كل من مصر وإسرائيل وشبكة تضم 35 برج مراقبة ونقطة تفتيش ومركز مراقبة على طول الشريط الممتد على طول شرقي سيناء، وتعهدت الولايات المتحدة بدفع ثلث ميزانية هذه القوة التي تتشكل من حوالي 1680 عسكريا من الولايات المتحدة و11 دولة أخرى. وتوظّف حوالي 400 مصري. ورغم أنها تتركز قرب الحدود مع إسرائيل فإنها تغطي نظريا مساحة تزيد عن عشرة آلاف كيلومتر مربع.

رحيل الوحدة الأميركية لا يؤدي إلى انهيار القوات فحسب بل سيؤكد تقليص التزام واشنطن لحلفائها في المنطقة

دور أهم

مع تصاعد التوتر الأمني، تؤكد قوة حفظ السلام أن دورها ربما بات أهم من ذي قبل لضمان تعريف الجانب الإسرائيلي، بالتعزيزات المصرية وموافقته عليها. وفي الأجزاء الشمالية الشرقية من سيناء والتي كانت يوما خاضعة لقواعد صارمة في ما يتعلق بمحدودية التسليح، تجلب مصر الآن وبموافقة إسرائيل قوات ودبابات ومقاتلات وطائرات هليكوبتر لقتال المسلّحين؛ بل إن بعض السكان يعتقدون أن إسرائيل تساعد أحيانا في ضربات جوية ودوريات في أجواء سيناء وهو أمر لم يؤكده أي من الطرفين.

وفي تصريحات صحفية، قال دبلوماسيون، طلبوا عدم نشر أسمائهم، إن “القوة الدولية محلّ ترحاب من جانب مصر وإسرائيل رغم أن أسباب كل منهما قد تختلف. فمصر ترى القوة الدولية جزءا من علاقة سلمية مع إسرائيل؛ وهذه العلاقة ليست على هوى كثير من المصريين لكنها تجلب لهم معونات دفاع أميركية قدرها 1.3 مليار دولار سنويا وتخفف من ثقل نزع تسلح مفروض من الخارج على أرض مصرية ذات سيادة”.

وبالنسبة إلى الإسرائيليين تمثّل القوة الدولية مصدر تطمين استراتيجيا؛ ففي حين أن العلاقة جيدة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي فإنهم لا يلبثون يتذكرون أنه قبل عامين فقط أطاح بنظام إسلامي منتخب كان معاديا لإسرائيل الماثلة على الحدود. وحتى لو كان الجانب الإسرائيلي مطمئنّا على مستوى القيادة السياسية، يبقى الجانب الشعبي العاطفي يلعب دورا كبيرا، في صياغة العلاقات الإسرائيلية المصرية، والعربية عموما، كما يعتبر محفّزا رئيسيا لانضمام الشباب للجماعات الجهادية الناشطة في المنطقة.

الوضع القائم

يحذّر الباحث ديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، من أن رحيل الوحدة الأميركية لا يؤدي حتما إلى انهيار القوة متعددة الجنسيات فحسب، بل سيؤكد تقليص التزام واشنطن لحلفائها في المنطقة الأمر الذي سيوفر نصرا معنويا وعملياتيا لتنظيم الدولة الإسلامية في الوقت غير المناسب. وستعارض مصر وإسرائيل هذا القرار، وستتعاونان على الأرجح لوضع حد له.

وليست هذه المرة الأولى التي تفكر فيها الولايات المتحدة في سحب قواتها من سيناء. ففي التسعينات، طرحت وزارة الدفاع الأميركية مبادرة لسحب الوحدة، ولكنها أُلغيت من قبل وزارة الخارجية في وقت لاحق. وفي الآونة الأخيرة، في عام 2002 خلال الأيام الأولى من “الحرب العالمية على الإرهاب”، سعى البنتاغون أثناء فترة إدارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى تقليل المزيد من القوى البشرية العاملة. وكان رد الفعل المصري والإسرائيلي شديدا لدرجة أنه تم تقليص عدد أفراد الوحدة الأميركية بنسبة تقل عن 20 في المئة.

وقال عدة دبلوماسيين إن رضا الجانبين المصري والإسرائيلي بالوضع القائم بالنسبة إلى القوة متعددة الجنسيات يعني أنهما عازفان عن قبول تغييرات اقترحتها القوة وبعض الدول المساهمة فيها لخفض الميزانيات أو الحد من المخاطر التي يواجهها أفراد القوة. وكثر مثل هذا الحديث بعد إصابة أربعة أميركيين من قوات حفظ السلام واثنين من فيجي في انفجار عبوة ناسفة في سبتمبر الماضي، رغم أن هذه الأقاويل كانت تتردد بقوة بالفعل بعد أن كتبت صحيفة نيويورك تايمز في مقال افتتاحي في 11 أغسطس الماضي تقول “آن أوان إعادة تقييم” القوة الدولية نظرا لأن مهمتها “يعفو عليها الدهر يوما بعد يوم”.

وفي شهادته أمام الكونغرس الأميركي، في شهر يوليو الماضي، قال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق، إن البنتاغون زود مؤخرا القوات العاملة في سيناء برادارات مضادة للهاون ومعدات اتصالات متقدمة، للتعامل مع التهديدات التي تواجهها، متوقعا “تفاقم التهديدات”.

وقال دبلوماسي، من دولة تشارك في قوات حفظ السلام في سيناء، إن القوة سعت إلى إبعاد العاملين غير الأساسيين عن المواقع المعرّضة لهجمات المتشددين والاستعانة بتكنولوجيا المراقبة عن بعد في بعض النقاط النائية التي يوجد فيها أفراد من القوة. وسيكون هذا بمثابة تعديل جوهري للقوة الدولية التي لا يسمح لها تفويضها بحمل أجهزة أكثر تطورا من النظارات المقربة وتحصي بشكل مباشر أعداد القوات المصرية ومعداتها.

وأضاف “نحن بحاجة لإدراك أن فكرة نشر هذه المهمة نبعت في مناخ أبسط”، مشيرا إلى السنوات الأولى حين كانت الحدود المصرية الإسرائيلية عبارة عن خط في الرمال وكان نشاط سيناء السري الوحيد هو التهريب وكان أفراد القوة الدولية ينعمون بالتنزه والاسترخاء في منتجعات البحر الأحمر.

وبعد أن كانوا يتحركون في سيارات عادية بات أفراد القوة يستخدمون الآن عربات دفع رباعي مدرعة ويتوجهون إلى مواقع التفتيش في قوافل وليس في سيارة منفردة. وحين يرصدون جسما مريبا يتوقفون ويستدعون خبراء مفرقعات من المصريين.

وأوضح المتحدّث أنه إذا اجتمعت الآراء على مراجعة مهمة القوة فإن عدد أفرادها “لن يتغير على الأرجح وإن كان التغيير قد يطرأ على تكوينها وتوزيعه”. وأضاف أن مصر وإسرائيل “مترددتان إزاء أي إشارة قد تبدو وكأنها تراجع أو سحب أو تقليص للالتزام”.

في تقدير بعض الخبراء أن قوات حفظ السلام الدولية بسيناء، ليست مجهزة جيدا للتعامل مع التهديدات المتنامية في سيناء، لكن مصر وإسرائيل تنظران إلى القوات الأميركية تحديدا، على أنها ضمان مهم للأمن والاستقرار بين البلدين؛ وأكّد ذلك الدبلوماسي، الذي تشارك بلاده في قوات حفظ السلام، حين قال “بالإمكان تفهم بواعث القلق لكن بمجرد أن نتكلم -ونحن نفعل ذلك- تطمئنان”.

وفي ظل الوضع الأمني الراهن، وحيث أن هناك خمس دول فاشلة في الشرق الأوسط واثنتين آخريين معرضتان للخطر، وفي الوقت الذي يُحرز تنظيم الدولة الإسلامية تقدّما، يرى ديفيد شينكر أن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية واحدة من آخر ما تبقى من إنجازات سياسة واشنطن الإقليمية. ونظرا لهشاشة هذا السلام، فإن التزام الولايات المتحدة المستمر عبر وجود القوة متعددة الجنسيات والمراقبين لضمان استمرار اتفاقيات كامب ديفيد هو الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى.

دان وليامز

صحيفة العرب اللندنية