تضاعف الأزمة المتفجرة بين مالي وكوت ديفوار بسبب الجنود الإيفواريين الضغوط على البعثة الأممية، التي وجدت نفسها متهمة في قضية جنود يرى الماليون أنهم ربما كانوا يخططون لاغتيال رئيس البلاد، وتستغلها سلطات باماكو لتحقيق أهداف سياسية ولفرض قرارات مجحفة من بينها تقييد رحلات تناوب الوحدات الأممية المنضوية في البعثة.
باماكو – تصاعدت الأزمة بين مالي وكوت ديفوار لتمتد إلى الأمم المتحدة على خلفية قرار باماكو طرد مسؤول رفيع في البعثة الأممية “مينوسما”، وتهديد أبيدجان بطرد الماليين من بلادها.
الأزمة التي انفجرت في يوليو الماضي، بعد اعتقال السلطات المالية 49 جنديا إيفواريا بمطار بماكو جاؤوا على متن طائرة مدنية، ثم حجزوا أسلحة على متن طائرة ثانية تابعة لنفس الشركة، بحسب إعلام محلي.
ونفت السلطات الإيفوارية في بادئ الأمر ارتباطهم بها، ولم تعترف بهم إلا بعد يومين من ذلك. كما نفت الأمم المتحدة عمل الجنود الإيفواريين لديها، أو أنهم جاؤوا لحماية الكتيبة الألمانية التابعة لها، مثلما ادعى بعضهم، رغم إقرارها بوجود عقد منذ 2019.
لكن الحكومة المالية لفتت إلى أن الجنود الإيفواريين قدموا لدى استجوابهم أربع روايات مختلفة لسبب وجودهم على أراضيها، تتمثل في “مهمة سرية، وتناوب في إطار مينوسما، وحماية القاعدة اللوجستية لشركة خدمات الطيران الساحلية، وحماية الكتيبة الألمانية”.
قضية الجنود الإيفواريين فرصة لباماكو للضغط على حكومة الرئيس حسن واتارا لتحصيل أكبر مكاسب سياسية
وهذا التضارب في المعلومات دفع السلطات المالية إلى تصنيفهم مرتزقة، في رد ضمني على اتهام الدول الغربية لها بالاستعانة بمرتزقة فاغنر الروس. لكن في الثاني عشر من يوليو أقرت السلطات الإيفوارية بأن الجنود التسعة والأربعين يتبعون لها، وأنهم موجودون في إطار “عمليات الدعم اللوجستي” لبعثة الأمم المتحدة في مالي، و”كان معروفا لدى السلطات المالية”، الأمر الذي تنفيه الأخيرة بشكل مطلق.
وحسب الرواية الإيفوارية، فإنه كان من المقرر أن يتولى هؤلاء الجنود المسؤولية من زملائهم الآخرين المنتشرين في مالي كعناصر دعم وطنية، “وهو إجراء للأمم المتحدة يسمح لوحدات بعثات حفظ السلام باستدعاء مقدمي الخدمات من خارج الأمم المتحدة للحصول على الدعم اللوجستي”، بحسب قناة “تي.في 5” الفرنسية.
وأشارت السلطات الإيفوارية إلى أن هذا ثامن تناوب للجنود في مالي، وهو ما لم تؤكده الأمم المتحدة أو باماكو.
ودخلت البعثة الأممية على خط الأزمة، ودعمت الرواية الإيفوارية، ما استفز باماكو، التي قررت في العشرين من يوليو طرد المتحدث باسم البعثة الأممية أوليفييه سالغادو، متهمة بنشر سلسلة من المنشورات المثيرة للجدل، وغير المقبولة، تفيد بأن “السلطات المالية جرى إبلاغها قبل وصول 49 جنديا من كوت ديفوار إلى أراضيها”.
ويروج بعض أنصار نظرية المؤامرة في مالي، على شبكات التواصل الاجتماعي، أن الجنود الإيفواريين كان بينهم 31 عنصرا من القوات الخاصة، وأنهم كانوا في مهمة للإطاحة بالنظام أو اغتيال الرئيس الانتقالي عاصيمي غويتا.
ولا توجد أدلة تثبت صحة هذه الشائعات المتداولة، رغم أن باماكو تبنتها ضمنيا، عندما اتهمت الجنود الإيفواريين “بالسعي لتقويض المسار الانتقالي”. كما أن السلطات الإيفوارية نفت سعيها لقلب نظام الحكم في باماكو، وقالت إن “زعزعة استقرار الدول ليس في عقيدتها”. إلا أن غويتا سبق له أن تعرض لمحاولة اغتيال في عيد الأضحى 2021 على يد مسلحين اثنين، تم إلقاء القبض عليهما لاحقا.
وتزامن وصول الجنود الإيفواريين إلى مالي مع اليوم الثاني لعيد الأضحى الماضي (العاشر من يوليو 2022)، يجدد شكوك الماليين حول مهمتهم الحقيقية في بلادهم.
ويعتقد قطاع من الماليين أن كوت ديفوار لعبت دورا محوريا في فرض المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس” عقوبات اقتصادية ضد بلادهم، وما يعزز هذا الاعتقاد لدى الماليين، أن العديد من المعارضين البارزين لحكم العقيد غويتا، بينهم مسؤولون كبار في النظام السابق، يقيمون في الجارة الجنوبية.
وتأتي قضية الجنود الإيفواريين فرصة لباماكو للضغط على حكومة الرئيس حسن واتارا، لتحصيل أكبر مكاسب سياسية ممكنة، بما فيها المساومة على تسليم رموز المعارضة أو على الأقل تجميد أي نشاط لهم معاد لنظام غويتا.
ومع مرور أكثر من 10 أيام من اعتقال الجنود الإيفواريين، تحولت القضية إلى أزمة دبلوماسية، استغلتها باماكو لإثارة عدة ملفات عالقة مع ياموسوكرو (العاصمة الإيفوارية).
بالمقابل تلوّح السلطات الإيفوارية بورقة طرد اللاجئين الماليين من بلادها إذا استمرت باماكو في احتجاز جنودها، في خطوة من شأنها تصعيد الوضع أكثر.
وفي هذا الصدد تدخلت توغو للوساطة بين البلدين الجارين، وأرسلت وزير خارجيتها روبير دوسي، الذي زار باماكو، وقال إن غويتا أبدى “رغبة في الحفاظ على العلاقات الأخوية بين كوت ديفوار ومالي”. بينما شكر الرئيس الإيفواري نظيره التوغولي “على مبادراته من أجل السلام والأمن في المنطقة”.
ومن ناحية أخرى، حاولت السلطات الانتقالية في مالي ربط منعها 8 جنود ألمان من السفر من مطار باماكو، بأزمة الجنود الإيفواريين.
وقال الوزير الأول المالي شوغيل مايغا، في لقاء مع قوى الحراك، إن “منع الجنود الألمان من السفر كان بسبب إنهاء عقد الشركة التي يتعاملون فيها منذ 2020، وهي شركة ‘الساحل آفييشن سيرفيس’، التي استقلت الجنود الإيفواريين، مما يعني أنهم كانوا في مهمة غير معلومة لدى الحكومة المالية”، بحسب ما نقله عنه الصحافي حمدي جوارا. بينما صنفته مصادر في وزارة الدفاع الألمانية بأنه “مضايقة”.
السلطات الإيفوارية تشير إلى أن هذا ثامن تناوب للجنود في مالي، وهو ما لم تؤكده الأمم المتحدة أو باماكو
وهذه المرة الثانية التي يثار فيها اسم ألمانيا في ملف الجنود الإيفواريين، بعدما زعموا أنهم جاؤوا إلى مالي لحماية الكتيبة الألمانية في القوات الأممية، ضمن عقد موقع في 2019.
وعلى الرغم من قرار فرنسا إنهاء عملية برخان العسكرية في مالي نهاية الصيف، وكذلك عملية تاكوبا الأوروبية، التي تضم مدربين عسكريين ألمان، إلا أن برلين في خطوة غير متوقعة، قررت زيادة عدد قواتها في مينوسما من 1100 عنصر إلى 1400، لملء بعض الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الفرنسي.
لكن الحكومة الانتقالية المالية اتخذت من قضية الجنود الإيفواريين حجة لاتخاذ قرار جديد من شأنه التضييق على البعثة الأممية، من خلال تعليق رحلات تناوب الوحدات الأممية المنضوية في البعثة.
واكتفت وزيرة الدفاع الألمانية كريستين لامبريخت بوصف تعامل السلطات المالية مع المينوسما بـ”المريب”، وشككت في نوايا باماكو في التعاون بشكل بنّاء مع مينوسما.
ولم تعارض مالي تمديد مهمة البعثة الأممية لديها مؤخرا، لكنها أعلنت أنها ستقيد حركة القوات الأممية بعد تفويضها بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.
وكانت اتهامات وجهت للقوات المالية ومرتزقة فاغنر بارتكاب انتهاكات راح ضحيتها نحو 300 شخص، في أبريل الماضي، وطالبت الأمم المتحدة بالسماح لها بدخول البلدة التي سقط فيها هذا العدد من القتلى، للتحقيق.
وبالنظر إلى هذه الخطوات التصعيدية، فإنه ليس من المستبعد أن يقوم العقيد غويتا بمطالبة قوات مينوسما بالرحيل عن بلاده مثلما فعل ذلك من قبل مع قوات برخان الفرنسية، وقوات تاكوبا الأوروبية، وكذلك الوحدات الدنماركية.
ويسود اعتقاد لدى الحكومة المالية أنه تمت استباحة سيادة البلاد من الفرنسيين وحلفائهم الأوروبيين والأميركيين والأفارقة. والانتقادات والعقوبات التي وجهت للعقيد عصيمي غويتا، الذي قاد انقلابين منذ 2020، تجعله يعتقد أن هناك رغبة دولية للإطاحة به، لذلك سعى للاقتراب من روسيا، لمواجهة الضغوط الغربية.
العرب