ماذا بعد دخول أنصار التيار الصدري مبنى البرلمان؟ سؤال محوري بات يشغل الحيز الأكبر من تفكير القوى السياسية العراقية وحتى الخارجية المعنية بالوضع العراقي، فإذا ما كان الصدر قد نجح في تعطيل المسار القانوني لاستكمال الاستحقاقات الدستوريةفي انتخاب رئيس للجمهورية واختيار رئيس جديد للوزراء، بعد أن انتهى “الإطار التنسيقي” المنافس له من حسم الجدل والصراع داخل قياداته على اسم المرشح الذي رسا على “محمد شياع السوداني”، أي أنه صعد إلى “رأس الشجرة” كتعويض عن فقدان الدور والتأثير المباشر في العملية البرلمانية بعد أن أمر نواب كتلته بالاستقالة من البرلمان، فإن الوضع داخل الفريق المنافس، أي “الإطار التنسيقي” ليس بأفضل حال، فهو لديه شجرته أيضاً التي صعد عليها عندما قرر المضي بالعملية السياسية من دون مراعاة البحث عن مخارج لمعالجة تداعيات انسحاب الصدر من العملية البرلمانية.
ويبدو أن قوى الإطار لم تقرأ بتمعن سلسلة خطوات قام بها الصدر قبل قرار الانسحاب والاستقالة، وتعاملت مع التجمعات الشعبية التي أقامها الصدر في المحافظات ثم الصلاة الموحدة التي أقامها في العاصمة بغداد، على أنها آخر ما في جعبة الصدر من خطوات، ولم تلتقط الإشارات التي كانت تصدر عن “الحنانة”، أو لم تدرك أبعاد هذه الإشارات التي كانت توحي بأن الصدر لن يقبل بهزيمة سياسية على يد التيار، وتحديداً من زعيم “ائتلاف دولة القانون” والأمين العام لـ “حزب الدعوة” نوري المالكي الذي يعتبر خصماً مباشراً للصدر، وتحكم العلاقة بينهما معادلة “الوجود وعدم الوجود”.
في مقابل الثلث المعطل الذي استخدمه “الإطار التنسيقي” وبغطاء من تفسير المحكمة الاتحادية للدستور، وشرط الثلثين في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بناء على الاستفتاء الذي تقدم به المرشح لهذا المنصب الرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، لم يجد الصدر وتياره سوى اللجوء إلى خيار “التعطيل الشعبي” للبرلمان، بحيث يكون قادراً على قطع الطريق على أي محاولة من “الإطار” والقوى المتحالفة معه للإمساك بالعملية السياسية وموقعي السلطة التنفيذية.
الانسداد السياسي أو الطريق المسدود الذي وصلت إليه العملية السياسية العراقية، ومحاولة كل طرف إفشال المشروع السياسي لخصمه، “الإطار التنسيقي” باستخدام الآلية البرلمانية لقطع الطريق على تشكيل حكومة الأغلبية التي يقوم عليها مشروع الصدر في تحالفه الثلاثي مع “الحزب الديمقراطي الكردستاني” بزعامة مسعود بارزاني، و”تحالف سيادة” بقيادة مشتركة من محمد الحلبوسي وخميس الخنجر، والصدر باستخدام الشارع لمنع الإطار من فرض أجندته السياسية بالعودة لحكومة التوافق على حساب مكاسب الجماعة الصدرية السياسية والإدارية والمحاصصية، وفي مقابل تمسك “الإطار التنسيقي” بشعار الدفاع عن الشرعية ومؤسسات الدولة التي أكد عليها في الشعارات والمواقف التي أطلقتها قياداته في التظاهرة التي نظمها على مداخل المنطقة الخضراء في بغداد، فتح شهية خصومه بمن فيهم “التيار الصدري” على طرح مبادرات وشروط بعضها تصعيدي وبعضها طويل الأمد، مثل خريطة طريق لحل الأزمة والخروج من الانسداد الذي وصلت إليه العملية السياسية، إلا أن اللافت في هذه المبادرات هو حجم الاستفزاز الذي شكلته للمكون الكردي، وتحديداً لقيادة الحزب الديمقراطي بقيادة بارزاني في جزئية الدعوة لتغيير الدستور أو إعادة النظر في الدستور بشكل كامل، وكتابة دستور جديد وطرحه على الاستفتاء، مما دفع هوشيار زيباري مرشح الرئاسة المستبعد وزير المالي والخارجية الأسبق وخال الزعيم الكردي مسعود بارزاني إلى التأكيد بشكل واضح رفض الإقليم والأكراد لأي تعديل على ما وصفه بـ “العقد الاجتماعي”، وأن “النظام السياسي والدستوري لن يغير إلا بآليات دستورية ليست خاضعة لأمزجة شخصية”، مذكراً أصحاب هذه الدعوة بأن “أكثر من 60 في المئة من العراقيين صوتوا على الدستور باستفتاء دعمته المرجعية والأسرة الدولية”.
الموقف الكردي على لسان زيباري قد يكون رسالة واضحة ومباشرة للحليف الصدري الذي يقف في خلفية هذه المبادرات، وبالتالي قد تضع الصدر أمام إمكان خسارة حليفه الأساس في التحالف الثلاثي، والجهة الأقدر على ترجيح كفة طرف على طرف آخر في إطار تسويات تضمن للمكون الكردي عدم المساس بمكتسباته الدستورية والسياسية والإدارية والاقتصادية.
تمسك طرفي المكون الشيعي بمواقفه ومطالبه والشروط الكبيرة ذات السقوف العالية التي يضعانها لأي تسوية، يجعل من الصعب على أي منهما تقديم تنازل قد يضعه في خانة الخاسر، ومن هنا يمكن فهم ترحيب قيادات “الإطار التنسيقي” والقيادات الكردية والسنيّة وقيادات دولية وعواصم القرار الدولي بمبادرة رئيس الوزراء المنتهية ولايته مصطفى الكاظمي ودعوة الأطراف للجلوس إلى طاولة الحوار لبحث سبل الخروج من المأزق الذي وصلت إليه العملية السياسية، في حين أن الصدر ما زال يلتزم الصمت تجاه هذه المبادرة، ويحاول تحسين شروطه بالدعوة إلى إقامة صلاة حاشدة يوم الجمعة داخل المنطقة الخضراء قبل أن يحسم خياراته.
بعض الأطراف المعنية بإيجاد مخارج وتعمل على تقريب وجهات النظر بين قيادات جميع المكونات العراقية تدفع باتجاه تسوية قد تحظى بقبول الجميع، وتقوم على موافقة “الإطار” على بقاء الكاظمي في موقعه مدة سنة، أو موافقة الصدر على تمرير تكليف مرشح الإطار محمد شياع السوداني في مقابل تلبية مطلب الصدر بتحديد موعد لإجراء انتخابات نيابية باكرة وجديدة تعيد إنتاج الطبقة السياسية.
اندبندت عربي