ألقى اعتصام أنصار «مقتدى الصدر» داخل البرلمان العراقي لمدة أربعة أيام، الضوء على الشلل السياسي الذي يشهده العراق، أي منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر 2021، وسط تساؤلات عن الدور الإيراني، علما أن العراق ليس كاليمن ولبنان؛ إذ من الصعب الهيمنة على شيعة العراق، البالغ عددهم 15 مليونًا فضلًا عن تمتعهم بعائدات نفطية ومرجعية دينية أعلى.
فمنذ سقوط نظام «صدام حسين» عام 2003 على يد الولايات المتحدة الأمريكية عملت إيران على تعزيز نفوذها السياسي في العراق من خلال وسيلتين أحدهما التحكم في العملية السياسية عن طريق تأييد إعادة تأسيس نظام الحكم على أساس طائفي، وتدخل إيران لضمان أن يتولى الحكم في العراق نخبة موالية لها، والوسيلة الثانية كانت دعم الميليشيات والأحزاب الشيعية الموجودة في العراق.
جذور تصاعد الأزمة
في تشرين الأول/أكتوبر الماضي برز التيار الصدري في الانتخابات كأكبر كتلة في البرلمان بعد فوزه بـ74 مقعدًا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 329 وتراجعت مقابل ذلك حصة الفصائل المدعومة من إيران إلى 17 من 48 سابقًا.
ومنذ ذلك الوقت وبعد الفشل في إلغاء نتيجة الانتخابات، بدأت الأزمة بين التيار الصدري الذي يسعى لتشكيل حكومة «أغلبية وطنية» وهو ما لا تريده طهران، وبين «الإطار التنسيقي»، الذي يضم مجموعة من القوى الحليفة لإيران وفصائل الحشد الشعبي، والذي يصر على تشكيل حكومة توافقية ليضمن بقاءه ظاهريًا -وبقاء إيران فعليًا- في مراكز هامة بالسلطة.
وعلى الرغم من تضاؤل عدد ممثليها في البرلمان، سعت الجماعات المتحالفة مع إيران من حرمان «الصدر» من الحصول على ثلثي النصاب القانوني اللازم لانتخاب رئيس دولة كردي، وهي الخطوة الأولى نحو تشكيل حكومة، مما أدى إلى شعور «الصدر» بالإحباط وطلب من نوابه الانسحاب من البرلمان في حزيران/يونيو الماضي وإخلاء عشرات المقاعد للإطار التنسيقي. ويذلك رمى «الصدر» بهذه الخطوة الكرة في ملعب خصومه، مما يعني أن الإطار التنسيقي قد يحاول تشكيل حكومة من اختياره.
وطرح رئيس الوزراء العراقي السابق «نوري المالكي»، الخصم اللدود لـ«الصدر» وأحد المنتمين لـ«الإطار التنسيقي»، نفسه لمنصب رئيس الوزراء، وهو منصب يجب أن ينتقل إلى شيعي في النظام السياسي العراقي، لكنه تراجع بعد أن انتقده «الصدر» على (تويتر).
ثم بعد ذلك طرح خصوم «الصدر» مرشحًا آخر، هو «محمد شياع السوداني»، الذي يعده أنصار «الصدر» من الموالين لـ«المالكي» مما أدى لزيادة حدة الصراع وإشعال فتيل الاحتجاجات.
وتجدر الإشارة إلى أن «الإطار التنسيقي» يضم كل من: «ائتلاف دولة القانون» بزعامة «المالكي»، و«تحالف الفتح» بزعامة «هادي العامري»، و«حركة عطاء»، و«حركة حقوق»، و«حزب الفضيلة»، فضلًا عن «تحالف قوى الدولة» بزعامة «عمار الحكيم» و«حيدر العبادي».
جوهر الأزمة
على الرغم من انتماء التيار الصدري بقيادة «مقتدى الصدر» و«الإطار التنسيقي» إلى المذهب الشيعي ذاته، إلا أنه يمكن القول إن «الصدر» لا ينظر إلى تكوين الحكومة على الأساس الطائفي أو تحت شعار «لم الشمل الشيعي»، وإنما هو يريد «الصدر» إقامة حكومة أغلبية وطنية تكون مهمتها حلّ كل الميلشيات في البلاد، وحصر استخدام القوة بأيدي المؤسسات الأمنية التي تأتمر بأوامر الحكومة المنتخبة، كما كان قد أعلن في وقت سابق.
لكن سيؤدي حلّ الميليشيات بالتأكيد إلى تقويض نموذج جمهورية إيران الإسلامية المبني على دولة زعيمها ومرجعيتها هو المرشد الأعلى وجيشها الميلشيات الذي سيعاونها في بسط هيمنتها على العراق، وهو النموذج الذي نجحت إيران في تطبيقه في لبنان واليمن، وما زالت تسعى لفرضه في العراق. لكن في ظل القاعدة الشعبية التي يحتلها «الصدر» سيكون تحقيق هذا النموذج في العراق بعيد المنال.
استغلال الفوضى في العراق
في عام 2019 نقل تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية عن مسؤولين في الاستخبارات والجيش الأمريكي، كشفوا عن استغلال إيران الفوضى المستمرة في العراق لبناء ترسانة خفية من الصواريخ الباليستية قصيرة المدى في العراق؛ أملا في زيادة جهودها الرامية لتخويف الشرق الأوسط وتأكيد قوتها.
وأوضحت الصحيفة حينها أن نشر مثل هذه الصواريخ في العراق وكذلك في إيران من شأنه أن يسمح للحكومة الإيرانية بإثارة شكوك أولية حول مصدر الهجوم، موضحة أن التنصل من مسؤولية الهجمات، ولو لفترة قصيرة فقط، هو جزء أساسي من استراتيجية الحرب الهجينة الإيرانية، حيث تحاول إبقاء خصومها تحت السيطرة والضغط عليهم بدون إثارة أزمة أكبر أو حتى حرب.
مع دخول الدولة العراقية في أكثر من تسعة أشهر من دون حكومة جديدة، وهو رقم قياسي في حقبة ما بعد الرئيس العراقي الراحل «صدام حسين»، زاد هذا الفشل السياسي من معاناة الشعب العراقي الذي يعاني من ارتفاع معدلات الفقر وانتشار البطالة وسوء مستوى الخدمات العامة على الرغم من الثروة النفطية الهائلة وتوقف الصراع مع تنظيم «داعش» الإرهابي بعد هزيمته قبل خمس سنوات.
وفي الوقت الذي أدى فيه ارتفاع أسعار النفط الخام إلى زيادة عائدات النفط العراقية إلى مستويات قياسية، لا توجد ميزانية حكومية لعام 2022، كما تأجل الإنفاق على مشاريع البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها والإصلاحات الاقتصادية.
في ظل الوضع السياسي الراهن بين «الصدر» و«الإطار التنسيقي»، لا يزال العراقيون يعانون من انقطاع الكهرباء والمياه. كما بات 2,4 مليون من السكان البالغ عددهم 39 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى الغذاء والمساعدة في توفير سبل العيش، وذلك حسبما ذكر برنامج الأغذية العالمي.
القدس العربي