نابلس- حالة من التوتر والقلق لا يزال العامل الفلسطيني أحمد العتيبي يعيشها بعد إعلان السلطة الفلسطينية -عبر وزارة العمل- تحويل رواتب العمال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر (عمال إسرائيل) عبر البنوك الفلسطينية، وهو ما قد يترتب عليه رسوم بنكية أو مالية فلسطينية، العمال في غنى عنها.
ولحالة الخوف التي يعيشها العتيبي (33 عاما) وآلاف العمال -الذين في وضعه- منذ صدور القرار قبل أيام ما يبررها، حسبما يقولون، خاصة أنها تلاحقهم في أرزاقهم ولقمة عيشهم -عبر ما تردد على ألسنتهم- من سعي الحكومة الفلسطينية لفرض ضرائب (الدخل والقيمة المضافة) عليهم أو تقاضي المصارف الفلسطينية رسوما بدل الحوالات المالية أو أن تتحول “لمصيدة” الصندوق الضمان الاجتماعي (مجمد حاليا).
ويضيف أن تحويل الرواتب للبنوك يعني رصد كل قرش يدخل جيب العامل، واستغلال ذلك كوسيلة لخصومات مالية من فواتير أو مخالفات قد تترتب على العامل للسلطة، فضلا عن إجراءات أخرى مستقبلية قد تتخذها السلطة بحق العمال، وأهمها الضرائب.
ومثل العتيبي، يتخوف العامل وضاح محمد (40 عاما) من قضية تحويل الرواتب للبنوك، ويقول للجزيرة نت إنهم يخشون من نية السلطة إعادة طرح موضوع صندوق الضمان الاجتماعي والاستحواذ على مستحقات نهاية الخدمة وأتعابهم التي “ستستثمرها من دون استفادة العامل وبدون رضاه أو علمه”.
وأثار قرار تحويل الرواتب عبر البنوك حفيظة العمال الفلسطينيين وانتفضوا بالآلاف -الأحد الماضي- وأعلنوا إضرابا شاملا تحت عنوان “إضراب الكرامة” و”العامل خط أسود” كخطوة أولى عند المعابر الممتدة من شمال الضفة الغربية لجنوبها، وأكدوا أن التصعيد قادم ما لم تحل الأزمة.
قرار إسرائيلي
لكن هذا ليس بيد الحكومة الفلسطينية لتُوقفه، وفقا لوزير العمل الفلسطيني نصر أبو جيش، وإنما هو قرار إسرائيلي أرجئ منذ أشهر، وسيشمل كل من يحمل تصريح عمل داخل إسرائيل، وأكد أن 86 ألف عامل أصلا لديهم حسابات بنكية ويتلقون رواتبهم عبرها، وسيشمل القرار الجديد بقية العمال.
واستبعد الوزير أبو جيش -في حديثه للجزيرة نت- تجسيد ما يتخوف منه العمال بالخصم الضريبي أو فرض مقابل للتحويل، مؤكدا بذلك على ما قالته سلطة النقد وصرح به رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، وأن هذا جرى بالاتفاق مع البنوك.
واتهم أبو جيش جهات -وصفها “بالمحرضة”- استنفرت العمال نتيجة القرار، وهي “رب العمل الإسرائيلي وسماسرة التصاريح من الطرفين، الفلسطيني والإسرائيلي”.
فالأول متضرر؛ لأنه مطالب بدفع حقوق العامل كاملة وعدم التلاعب بقيمة “التلوش” (قسيمة الراتب)، والفئة الثانية وهم “سماسرة التصاريح” الذين سيخسرون 1.2 مليار شيكل (الدولار يساوي 3.3 شيكلات) سنويا نتيجة بيعهم التصاريح للعمال بنحو 800 دولار شهريا للتصريح الواحد.
ورأى أبو جيش أن العمال سيستفيدون عبر تحويلات الرواتب من تسهيلات البنوك وخدماتها، وهي فرصة أيضا تتخلص بها البنوك من “تراكم الشيكل” الذي وصل لحوالي 8 مليارات شيكل، وترتب عليها خسائر كبيرة لدى البنوك، ولهذا يكشف الوزير “وافقت البنوك على التحويل من دون أخذ عمولة”.
وبشأن تخوف العمال من أن يكون التحويل “مصيدة” لصندوق الضمان الاجتماعي، يستبعد أبو جيش ذلك، ويقول إن الصندوق على أهميته “غير موجود الآن ولم يأخذ شيئا”.
وبالمناسبة، يضيف أبو جيش أنه منذ عام 1970 توجد أموال متراكمة للعمال، والاحتلال يشترط لدفعها وجود مؤسسة للتقاعد أو صندوق حماية اجتماعية.
ويصل عدد العمال الفلسطينيين “داخل إسرائيل” إلى 220 ألفا (بينهم عمال المستوطنات) ويشكلون أكثر من 15% من القوى العاملة بفلسطين.
وتقدر تحويلاتهم المالية بحوالي 18 مليار شيكل سنويا، وتشكل حوالي 27% من الدخل القومي الإجمالي للفلسطينيين.
بين عدم الثقة ومآرب السلطة
وهذه الأزمة التي أثيرت بفعل تحويل الرواتب يعزوها بكر اشتية -أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح بنابلس- إلى شقين، أحدهما غياب الثقة بين العمال الفلسطينيين عموما والسلطة كمؤسسة رسمية؛ إذ إن لها “أسبقيات بتعاملات مالية جعلتها عدم محل ثقة”.
والثاني عدم شفافية السلطة حول الملف، وتراجعها عن قولها بداية إنه مطلب فلسطيني وليس إسرائيلي كما تدعي الآن، وبالتالي يضيف اشتية لا توجد “سياسات ثابتة” لدى السلطة في اتخاذها قرارات أو تراجعها عنها، في إشارة منه لصندوق الضمان الاجتماعي.
ومع ذلك، لا يرى اشتية أي آثار سلبية لتحويل الرواتب عبر البنوك الفلسطينية، وأن الكلام عن اقتطاعات ضريبية غير دقيق لأنه لا مجال “للازدواج الضريبي”.
ويضيف اشتية مفسرا أن إسرائيل تقتطع الضرائب من العمال قبل تحويلها لهم، ومن ثم تحول للسلطة عبر فاتورة المقاصة بنسبة 75% حسب بروتوكول باريس الاقتصادي، ومن عمال المستوطنات تعود بنسبة 100%.
لكن استفادة السلطة من غرض تحويل الرواتب تكمن -برأي اشتية- في ضخ كمية كبيرة من النقد بالمصارف الفلسطينية، وبالتالي سيولة أكبر تمنحها قدرة أعلى على الإقراض، وتصبح البنوك “وعاء كبيرا” للسلطة حتى تتمكن من الاقتراض بعد أن بلغت الحد الأقصى بالاقتراض من الجهاز المصرفي.
أما الشق الآخر، فيتمثل في المصلحة المشتركة الفلسطينية الإسرائيلية، وهي التقليل من عبء تراكم الشيكل بالبنوك الفلسطينية الذي تسبب بأزمات للاقتصاد الفلسطيني، فالعامل لديه ما يبرر خوفه للحفاظ على أكبر مكاسب ممكنة، والسلطة تريد أكبر تدفقات مالية للمصارف للاقتراض أكثر في ظل ضائقتها المالية.
المصدر : الجزيرة