مقتدى الصدر يريد من مصطفى الكاظمي الخروج عن حياده وتصدر المواجهة مع الإطار التنسيقي

مقتدى الصدر يريد من مصطفى الكاظمي الخروج عن حياده وتصدر المواجهة مع الإطار التنسيقي

يسعى التيار الصدري للزج برئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في المواجهة المستمرة بينه وبين الإطار التنسيقي، لاسيما بعد أن خسر ورقة الشارع التي كان يراهن عليها لقلب الطاولة على الخصوم. وترى أوساط سياسية ومراقبون أن من غير المرجح أن يستجيب الكاظمي لما يريده التيار، حيث يدرك أنه سيكون أبرز المتضررين.

بغداد – تقول أوساط سياسية عراقية إن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يسعى لجر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى مربعه، ودفعه إلى مغادرة منطقة الحياد التي سعى الأخير على مدى الأشهر الماضية للاحتماء بها، في ظل إدراكه بتعقيدات الأزمة السياسية وخطورة الاصطفاف مع هذا الطرف أو ذاك.

وتوضح الأوساط أن مطالبة الصدر للكاظمي، بحكم منصبه أيضا كقائد أعلى للقوات المسلحة العراقية، بحل عدد من الميليشيات وإقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، هي محاولة لدفع رئيس الوزراء إلى واجهة الأزمة المحتدمة بينه والإطار التنسيقي، والتي كادت تتسبب الاثنين الماضي في حرب أهلية.

وتستبعد الأوساط السياسية نفسها إمكانية انجرار الكاظمي إلى هذا المسار، حيث يدرك أنه سيكون الحلقة الأضعف، خصوصا وهو يتعرض منذ أشهر لحملة من قبل قوى في الإطار التنسيقي تتهمه بالخضوع لما يريده التيار الصدري.

زعيم التيار الصدري لم يعد لديه الكثير من الأوراق في مواجهة الإطار التنسيقي، بعدما خسر عمليا ورقة الشارع

ودعا صالح محمد العراقي، الذي يعرف بـ”وزير الصدر”، الخميس رئيس الوزراء إلى حل بعض الميليشيات، فيما بدا إشارة إلى عصائب أهل الحق، وكتائب أبوعلي، وأيضا إلى إقالة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض.

وقال العراقي، في تغريدة عبر حسابه على تويتر، “نقترح على قائد القوات المسلحة المحترم، ما يلي: وذلك حفاظا على هيبة الدولة وإنهاء تواجد الميليشيات في الأماكن الحساسة في الدولة، وتغيير مسؤول الحشد (فالح الفياض) وذلك للأسباب التالية”.

وأوضح “إنه متحزّب (فالح الفياض) ورئيس كتلة، وهذا ما يسيس الحشد المجاهد، ولا يمتلك شخصية قوية بل ولا يمتلك ذهنية عسكرية، وعموما فإنه غير مؤهل لهذا المنصب”.

وتابع العراقي “استصدار أمر حازم وشديد، بحلّ الفصائل التي تدّعي المقاومة وهي تقتل أبناء الشعب، وإخراج جميع الفصائل بل والحشد الشعبي من المنطقة الخضراء، ومسكها من قبل القوات الأمنية الوطنية البطلة”.

واعتبر أن بقاء الفصائل والحشد “فيه خطورة أمنية على نفس قائد القوات المسلحة، فضلا عن باقي المؤسسات، لاسيما القضاء والضغط عليه”.

وطالب العراقي بـ”إبعاد الحشد الشعبي عن السيطرات والمنافذ الحدودية حفاظا على سمعة المجاهدين الأخيار، فهناك من يتعمّد تشويه سمعتهم من خلال استعمال العنف والتجارة والتهريب وغير ذلك”.

ويشهد العراق منذ أشهر أزمة سياسية بين التيار الصدري من جهة، والإطار التنسيقي من جهة ثانية، ازدادت حدتها في يوليو الماضي حينما عمد التيار إلى حشد أنصاره والاعتصام أمام مقر مجلس النواب في المنطقة الخضراء “شديدة التحصين” في العاصمة بغداد.

واتخذت هذه الأزمة منعطفا خطيرا الاثنين الماضي، عندما اقتحم أنصار الصدر المبنى الحكومي داخل المنطقة الخضراء بعد إعلان زعيمهم “اعتزال” السياسة.

وأفضت هذه التداعيات إلى مواجهات بين عناصر مسلحة تنتمي إلى التيار وميليشيات تابعة للحشد الشعبي وموالية للإطار التنسيقي، أسفرت عن مقتل العشرات وجرح المئات معظمهم من موالي الصدر. ليصدر الصدر أمرا في اليوم الموالي لأنصاره بمغادرة المنطقة الخضراء، فيما يعكس تعرض الأخير لحملة ضغوط شديدة من إيران.

ورغم انسحاب أنصار التيار الصدري، لكن الأجواء بقيت مشحونة، حيث تفجرت مساء الخميس اشتباكات مسلحة في محافظة البصرة جنوبي العراق، بين عناصر من حركة عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وسرايا السلام التابعة لزعيم التيار الصدري، وانتهت بمقتل أربعة أشخاص من الطرفين، قبل أن تتمكن القوات الأمنية من فرض سيطرتها.

وفي خضم هذ الوضع المتوتر والذي لا يزال مفتوحا على مختلف السيناريوهات، حرص رئيس الوزراء العراقي على البقاء على الحياد، ولم يصدر أي قرارات للقوى الأمنية التي تخضع لأوامره بالتحرك في مواجهة ما أسماه لاحقا بـ”نزاع السلاح المنفلت”.

ويرى مراقبون أن عدة اعتبارات دفعت الكاظمي إلى عدم التحرك، ومن بينها عدم ثقته في قدرة القوات الأمنية على مواجهة الميليشيات التي تتمتع بقدرات قتالية عالية كما أنها مسلحة بشكل جيد، فضلا عن أن الأجهزة الأمنية التي تحت إمرته هي نفسها منقسمة الولاءات بين هذه الجهة وتلك، وبالتالي فإن أي أمر سيصدره سيعمق الأزمة وسيقود إلى إذكاء الاقتتال.

ويلفت المراقبون إلى أن من الأسباب الأخرى التي جعلت الكاظمي يتمسك بمنطق الحياد، هو عدم تمتعه بغطاء سياسي، وبالتالي سيكون عرضة للدخول في مواجهة غير متكافئة مع باقي الأطراف.

وتعرض الكاظمي على مدار الأشهر الماضية، لانتقادات شديدة، لاسيما من زعيم ائتلاف دولة القانون رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، بسبب ما يعتبرانه تعاطيا سلبيا من قبل رئيس الوزراء حيال تصعيد الصدر، ومنه ذاك الذي استهدف قبل أيام المجلس الأعلى للقضاء.

ويرى المراقبون أن الصدر كان أبرز المستفيدين خلال الفترة الماضية من ركون رئيس الوزراء العراقي إلى مربع الحياد، لكنه اليوم يطالبه بمغادرة ذاك المربع والاصطفاف معه، ولم لا تصدر الواجهة؟ خصوصا وأن زعيم التيار الصدري لم يعد لديه الكثير من الأوراق في المواجهة مع الإطار التنسيقي، بعدما خسر عمليا ورقة الشارع.

ويشير المراقبون إلى أن من غير المرجح أن يستجيب الكاظمي لمطالب الصدر، التي وإن كانت تتقاطع مع مواقفه وقناعاته حيث أنه لطالما أعلن عن رفضه للسلاح المنفلت في العراق، لكنه يدرك أن الجهة المقابلة أي الإطار التنسيقي ستقرأ مثل هذه الاستجابة على أنها إعلان اصطفاف خلف التيار، وهذا ما لا يريده الكاظمي.

ويقول المراقبون إن في حال ازدادت الضغوط على رئيس الوزراء فإنه سيفضل حينها تنفيذ تهديده بإعلان شغور المنصب، على أن يكون طرفا صريحا في الأزمة.

وهدد رئيس الوزراء العراقي عقب أحداث المنطقة الخضراء الدامية، بتقديم استقالته في حال “الاستمرار في إثارة الفوضى والصراع والتناحر” في البلاد، وأكد فتح تحقيق لتحديد من فتحوا النار على المتظاهرين ومن أطلقوا الصواريخ على المنطقة الخضراء.

وفي كلمة متلفزة موجهة إلى الشعب العراقي، قال الكاظمي مساء الثلاثاء “شكلنا لجنة تحقيق لتحديد المسؤولين عن وضع السلاح بيد من فتحوا النار على المتظاهرين وأراقوا الدم، رغم التوجيهات المشددة التي أصدرناها لمنع استخدام الرصاص”.

من الأسباب التي جعلت الكاظمي يتمسك بمنطق الحياد، هو عدم تمتعه بغطاء سياسي، وبالتالي سيكون عرضة للدخول في مواجهة غير متكافئة مع باقي الأطراف

وتابع “كما يجب تحديد من فتح النار والصواريخ والهاونات على المنطقة الحكومية (المنطقة الخضراء وسط بغداد) طوال الليل”.

ووفق مصادر طبية، فقد خلفت الاشتباكات التي اندلعت في المنطقة الخضراء ما لا يقل عن 23 قتيلا و380 جريحا.

وقال الكاظمي “كفى ازدواجية الدولة واللادولة، وعلى المنظومة الأمنية الرسمية أن ترتبط جميعها بكل توجهاتها ولا فرق بين هذا وذاك فورا بالقائد العام للقوات المسلحة (رئيس الوزراء)، ويتحمل كل غير منضبط المسؤولية القانونية”.

وأردف “خدمت شعبي بكل شرف وأمانة، ولم أكن يوما طرفا أو جزءا من المشكلة، وصبرت على كل أنواع التنكيل والعرقلة والحرب المعلنة من جميع الأطراف لإضعاف الدولة وقرارها أو ابتزازها أو تصغير كل ما أُنجز لأهداف انتخابية”.

واستطرد “ورغم ذلك فإنني لم ولن أتخلى عن مسؤوليتي أمام شعبي وأي خيار يخدم مصالح العراق وأمنه ويحقق الاتفاق السياسي بين القوى المختلفة، وكنت وما زلت مع مبدأ التداول السلمي للسلطة”.

واستدرك “إذا أرادوا الاستمرار في إثارة الفوضى والصراع والخلاف والتناحر وعدم الاستماع لصوت العقل، سأقوم بخطوتي الأخلاقية والوطنية بإعلان خلو المنصب في الوقت المناسب، حسب المادة 81 من الدستور، وتحميلهم المسؤولية أمام العراقيين وأمام التاريخ”.

وتنص هذه المادة على أن يقوم رئيس الجمهورية مقام رئيس الوزراء عند خلو المنصب لأي سبب كان، ويكلف مرشحا آخر بتشكيل حكومة خلال مدة لا تزيد على 15 يوما.

العرب