منحت المكاسب النفطية غير المتوقعة لدول الخليج هامشا كبيرا لتقديم مساعدات مالية إلى البلدان التي تواجه صعوبات اقتصادية وتشكل بالنسبة إليها أهمية إستراتيجية، ويقول خبراء إن المساعدات تعد إحدى الأدوات المؤثرة التي لطالما راهنت عليها دول الخليج لتعزيز نفوذها.
الرياض – مكنت العائدات المالية الضخمة التي حققتها دول الخليج خلال الأشهر الأخيرة، بفعل ارتفاع أسعار النفط، من تقديم حزم إنقاذ للدول التي تعاني من ضغوط اقتصادية كبيرة على غرار مصر وباكستان وتركيا.
وتعتمد دول الخليج على الدعم المالي كأداة دبلوماسية لتعزيز نفوذها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهي وفق مراقبين أداة مؤثرة ثبتت فاعليتها خلال السنوات الماضية.
ووفق تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” فإن ارتفاع أسعار النفط جراء الأزمة الأوكرانية سمح لدول الخليج بمضاعفة الاعتماد على هذه الأداة، بعد أن انحسر استخدامها خلال جائحة كورونا.
وتعهدت السعودية وقطر والإمارات في العام الجاري بتقديم أكثر من 22 مليار دولار إلى مصر في الوقت الذي تسعى فيه البلاد لتجنب التخلف عن سداد ديونها.
وقال مسؤولون في أغسطس الماضي إن الدول الثلاث الغنية بالنفط وعدت بأكثر من عشرة مليارات دولار لدعم باكستان، حيث أدت الفيضانات المدمرة إلى احتداد المشاكل الاقتصادية في البلاد. كما تلقت تركيا، التي تواجه أحد أعلى معدلات التضخم في العالم، مليارات الدولارات في شكل تعهدات استثمارية ومساعدات بالنقد الأجنبي من منافستها في السابق الإمارات.
ووفقا لصندوق النقد الدولي من المتوقع أن يحقق ارتفاع أسعار النفط إيرادات إضافية بقيمة 1.3 تريليون دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة لمصدري الطاقة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهذا ما يمنح دول الخليج إمكانية تقديم المزيد من الدعم إلى الدول، لاسيما تلك التي تمثل بالنسبة إليها أهمية إستراتيجية.
وتقول ياسمين فاروق، الباحثة غير المقيمة في مؤسسة كارنيغي الدولية، لـ”وول ستريت جورنال” إن “السعوديين هبّوا لمساعدة مصر، لأنهم يعتقدون أن استقرار مصر وبقاء النظام مهمان بالنسبة إليهم”.
وأضافت فاروق “ينطبق الشيء ذاته على الإمارات والقطريين، إنهم بحاجة إلى دعم مصر للسياسة الخارجية”.
واستقبلت الدوحة الأسبوع الجاري الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أول زيارة له إلى الإمارة، بعد أزمة علاقات على خلفية دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين.
ويرى مراقبون أن زيارة السيسي تستهدف في أحد جوانبها الحصول على الدعم القطري في مواجهة الأزمة المالية التي تتخبط فيها مصر.
ونقلت وكالة الأنباء القطرية الرسمية عن الرئيس المصري قوله إن “مجال التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الدولتين يعد من أهم المجالات الواعدة للتفاعل بينهما”.
وأضاف السيسي أن هذا الأمر “تم استعراضه بشكل مكثف ومفصل على مدار العام الماضي بين كبار المسؤولين المصريين والقطريين، وذلك في ضوء تعدد الفرص الاستثمارية وتنوعها في مصر في كافة المجالات، في ظل عملية التنمية الشاملة التي تشهدها كافة ربوعها”.
ارتفاع أسعار النفط جراء الأزمة الأوكرانية سمح لدول الخليج بمضاعفة الاعتماد على الدعم المالي كأداة دبلوماسية، بعد أن انحسر استخدامها خلال جائحة كورونا
وحدد الرئيس المصري أهم القطاعات التي يمكن أن تشهد المزيد من التعاون بين البلدين وهي “قطاعات الغاز الطبيعي والطاقة المتجددة مثل الهيدروجين الأخضر، وصناعة البتروكيماويات، وكذا تعزيز التعاون المشترك بين صندوق مصر السيادي ونظيره القطري”.
وذكرت الوكالة أن السيسي لفت إلى “مجالات أخرى للتعاون الاقتصادي المشترك وهي المشروعات الزراعية التي تأتي في إطار التعامل مع الأزمة العالمية الحالية في إمدادات سلاسل الحبوب والغذاء”.
ووقعت القاهرة والدوحة، بحضور قيادتي الدولتين، مذكرة تفاهم بين صندوق مصر السيادي للاستثمارات والتنمية وجهاز قطر للاستثمار، ومذكرة تفاهم في مجال الشؤون الاجتماعية بين وزارة التضامن الاجتماعي ووزارة التنمية الاجتماعية القطرية، ومذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الموانئ.وذكر وزير المالية القطري علي بن أحمد الكواري خلال مقابلة في الشهر الماضي أن المنطقة توفر فرصا كبيرة. وقال “يجب أن يكون وضعا مربحا لكل الأطراف”.
وترى صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقريرها الذي ترجمته شبكة “الحرة” أن المساعدات تمثل تحولا عما كان عليه الوضع قبل بضع سنوات، عندما أجبر انخفاض أسعار النفط في ظل جائحة كورونا دول الخليج على إعادة التفكير في دعمها المالي للدول الأكثر فقرا في المنطقة.
وتتزامن المكاسب غير المتوقعة لمنتجي النفط مع فترة من الضغوط التاريخية للبلدان منخفضة الدخل. وأدت الحرب في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية واحتداد التضخم على مستوى العالم، مما أسهم في ارتفاع تكاليف الاقتراض.
المكاسب غير المتوقعة لمنتجي النفط تتزامن مع فترة من الضغوط التاريخية للبلدان منخفضة الدخل
وتعد باكستان ومصر وتونس من بين الدول الأكثر تأثرا، وقد لجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حزم إنقاذ.
وقال باتريك كوران، كبير الاقتصاديين في شركة تيليمر للأبحاث، للصحيفة إن “البلدان التي كانت ضعيفة بالفعل بسبب الزيادة البطيئة في الديون، تواجه فجأة صدمات خارجية لم نر مثلها منذ فترة طويلة”، مضيفا أن تلك البلدان مضطرة “إلى التدافع لإيجاد طرق بديلة لتلبية احتياجاتها التمويلية”.
ووفقا لجهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، تسدّ التعهدات المالية الخليجيةُ الفجوةَ بين ما تحتاجه الدول والمبلغ الذي يمكن أن يقدمه صندوق النقد الدولي.
وساهمت حزمة من الأموال الخليجية في حصول باكستان على قرض بقيمة أربع مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في الشهر الماضي، وستكون أيضا حاسمة في خطة إنقاذ مصر التي لا تزال قيد التفاوض.
وقد ساعد الدعم المقدم من الخليج، إلى جانب تخفيف عبء الديون من الصين وبرامج صندوق النقد الدولي، على جذب المستثمرين مرة أخرى إلى أسواق تلك الدول.
وارتفعت العملة الباكستانية (الروبية) بنحو عشرة في المئة في أغسطس الماضي مقابل الدولار الأميركي، بعد أن سجلت أسوأ خسارة شهرية لها في 50 عاما خلال الشهر السابق.
كما تراجعت سندات مصر المدعومة بالدولار الأميركي، وانخفض العائد على السندات المقومة بالدولار المستحقة في عام 2024 إلى أقل من 10 في المئة، وفقا لـ”ترايد ويب”، مقارنة بأكثر من 16 في المئة في أواخر يوليو الماضي عندما بلغت المخاوف من تخلف البلاد عن سداد ديونها الخارجية ذروتها.
باكستان ومصر وتونس تعد من بين الدول الأكثر تأثرا، وقد لجأت إلى صندوق النقد الدولي للحصول على حزم إنقاذ
وقالت كارين يونغ، الباحثة في جامعة كولومبيا، للصحيفة إن المساعدات الخليجية “مختلفة” الآن؛ ذلك أن “الأمر يتعلق في الواقع بشراء الأصول، وهو ليس نفس النوع من الإنقاذ” كما كان في السابق.
وفي الآونة الأخيرة وجهت دول الخليج المساعدات إلى البلدان من خلال الاستثمارات التي تقوم بها صناديق الثروة السيادية الضخمة التابعة لها.
واشترى صندوق الثروة السيادية في أبوظبي “إيه دي كيو” في الأشهر الأخيرة شركة أدوية تركية واستحوذ على حصص في شركات الأسمدة المصرية وأحد أكبر البنوك في البلاد وشركة شحن، وفقا للصحيفة.
كما أودعت دول الخليج نحو 28 مليار دولار في خزائن البنك المركزي المصري، حسب ما تظهره بيانات البنك المركزي. وساعد التمويل على سد الفجوة التي خلفها المستثمرون الأجانب الذين سحبوا مليارات الدولارات من الأصول المصرية بعد بدء الحرب في أوكرانيا.
العرب