تحولات تعكسها الرسائل المتبادلة بين النظام السوري والإخوان المسلمين

تحولات تعكسها الرسائل المتبادلة بين النظام السوري والإخوان المسلمين


لا يمكن فصل جماعة الإخوان المسلمين السورية عن جسم التنظيم العابر للحدود، والذي شهد خلال الأعوام الماضية هزّات عنيفة، تسببت فيها المواقف الجذرية التي جوبه بها في العديد من دول المنطقة العربية، ولاسيما إثر إعلان وكيل المرشد في مصر أن الجماعة لن تخوض صراعاً على السلطة بعد الآن مع النظام المصري الحالي، يضاف إلى ذلك إقبال حركة حماس على التطبيع مع النظام السوري.

دمشق – تعلن تركيا يوميا نيتها التقارب مع نظام بشار الأسد، بينما ضربت حركة حماس بكافة المواقف المنتقدة لها على قرارها التطبيع معه عرض الحائط، وفي وضع كهذا لا يجد الإخوان المسلمون السوريون أنفسهم إلا مضطرين إلى اتخاذ موقف لا يلحق الضرر بعلاقاتهم الوثيقة مع تركيا، ولا يجعلهم في نظر الشارع السوري نسخة أخرى من حماس.

في هذا الوقت تم تسريب مقابلة قديمة أجريت مع أحد قياديي الجماعة السورية، وهو فاروق طيفور، قال فيها إن الإيرانيين عرضوا على الإخوان استلام “الحكومة” في سوريا، وتسريب مثل هذا الفيديو في هذا التوقيت يحمل دلالات أكثر من واضحة، يقول الإخوان من خلالها إنهم هنا في حال أحب أحدٌ طرق أبوابهم، في رسالة واضحة إلى كل من تركيا ونظام الأسد نفسه. لكن رسالة من هذا النوع تبدو متأخرة جداً وكان يمكن لها أن تؤتي أكلها قبل سنوات حين كان الأسد في حاجة بالفعل إلى مد اليد، لكن اليوم الوضع تغير جذرياً.

انعدام الوعي بتطور شكل الدولة ومتطلباتها عند حركات الإسلام السياسي في الحالة السورية يعيق إنجاز التغيير
ولدى جماعة الإخوان المسلمين السورية، حسب مركز “مينا” للدراسات، استحقاقان اثنان الآن على المستوى الداخلي؛ الأول الانتخابات القريبة التي ستنتج مراقباً عاماً بدلاً من محمد حكمت وليد، وما تتطلبه من إعادة لهيكلة قيادتها. والثاني ما يتم ترويجه حول قرار الحكومة التركية القاضي بالتخلي عنها، بعد التقارب التركي مع السعودية والإمارات ومصر.

ومن شروط هذا التقارب تخلي رجب طيب أردوغان عن احتضان وقيادة الإسلام السياسي، وقد نفذ تخليه عن إخوان مصر. وتعتبر الدراسة التي نشرها المركز أن حالة اللاوعي السياسي لتطور شكل الدولة ومتطلباتها عند حركات الإسلام السياسي في الحالة السورية تعيق إنجاز التغيير وتحويل سوريا إلى دولة حديثة ذات توجه ديمقراطي، وتعتمد التداول السلمي على السلطة أساساً في سياستها وإستراتيجيتها.

ويبدو الخروج من حالة استعصاء المأساة السورية بين الحركات الإسلامية والتيارات المدنية الديمقراطية المختلفة أمراً صعبا جدا؛ قبل الوصول إلى تفاهم مفترض مع المجتمع الدولي على هذا التغيير والانتقال السياسي، وهذا لن يحدث إلا باتفاق القوى السياسية الديمقراطية مع الإسلام السياسي على شكل محدد للدولة وخارطة طريق تنتج دستوراً عصرياً؛ يلحظ تطور شكل الدولة، وتقوم أسسه على مفهوم وثقافة المواطنة من خلال نهج ديمقراطي مدني يعتمد برامج تنموية لا شعبوية تدغدغ عواطف المتعاطفين مع الإسلام السياسي وتحلم بإعادة التاريخ إلى الخلف.

لم يطل المقام بالنظام السوري قبل أن يلتقط الرسالة ويعيد الرد عبر صفحات جريدة “الوطن” المقربة منه، والتي قالت إحدى مقالاتها التي حملت عنوان “الإخوان المجرمون على مقصلةِ التفاهمات السورية – التركية.. من التالي؟”، إن المواقفِ المتقدمة لتركيا في ما يتعلق بالمصالحة مع سوريا بوساطةٍ روسية هي مواقف لم تخرُج عملياً عن الدائرةِ المُغلقة لتنظيمِ الإخوان المسلمين بمستويين اثنين: المستوى الأول على صعيدِ الدول، وقد جاء من خلال التبرؤ القطري من تنظيم الإخوان الذي عبّر عنه الأمير تميم بن حمد آل ثاني، والذي يبدو دفعةَ حسابٍ نحو المزيد من التراجعات وفق قاعدة أن “التنظيمات الإرهابية” على شاكلةِ هذا التنظيم تنتهي قدراتها العملية بانتهاء التمويل.

وأشارت الصحيفة إلى أن تنظيم الإخوان المسلمين هو الرحم الذي أنجب كل التنظيمات المتشددة منذ سقوط الخلافة العثمانية. أما المستوى الثاني فهو على صعيدِ “التنظيمات المقاومة” التي باتت مثارَ جدل تحت الضوء، وهذه المقاربة اعتبرتها الصحيفة ضرورية لتوصيف الوضع الذي تبدو عليه حركة حماس في ما يتعلق بملف عودة العلاقة مع سوريا.

انعدام الوعي بتطور شكل الدولة ومتطلباتها عند حركات الإسلام السياسي في الحالة السورية يعيق إنجاز التغيير
◙ الخروج من حالة استعصاء المأساة السورية بين الحركات الإسلامية والتيارات المدنية الديمقراطية المختلفة يبدو أمرا صعب المنال
لقد تعمّد النظام السوري تصوير هذا الأمر على أنه ملف صغير “أخذَ أكبرَ من حجمه”، متسائلا من حماس اليوم وماذا تمثل بالمقاربة لجهة التائبين والعائدين إلى دمشق؟ أما الموقف العملي فتجلى في قول الصحيفة “من الواضح أن الدولة السورية ليست بوارد الرفض أو القبول، فحماس ليست دولة ليتم تبادل سفراء معها، هي مجرد تنظيم، يجب النظر إليها من هذا الباب لا أكثر”.

وهناك كثيرون يرون أن تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا هو العقدة الأكبر في طريق اتفاق السوريين وتحقيق انفراج في المأساة السورية، التي باتت كارثة بأتم معنى الكلمة، ولذلك فإن أي تحولات براغاماتية تجري على مستوى الجماعة اليوم سوف تنعكس مباشرة على الأوضاع السورية بمجملها.

ورغم نفي المراقب العام للجماعة صحة ما يتردد حول تورط الإخوان في مسار المصالحة مع نظام الأسد، حين قال إن “هناك مَن يتعمد الإساءة للجماعة وتاريخها الطويل في الريادة الفكرية ومقاومة الاستبداد السياسي”، إلا أن تاريخ الجماعة القريب جداً يؤكد أنها قابلة للتحول، وسبق لها أن أعلنت تجميد معارضتها لنظام الأسد قبل عام 2011 بفترة وجيزة، ناهيك عن تواصلها مع الإيرانيين البنيوي، وقابليتها للانتقال من تموضع إلى آخر كما حين تحاول الضغط على تركيا عبر لوبيات أميركية – سورية قامت مؤخرا بفتح قنوات اتصال مع حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا إرهابياً، بغرض الحصول على مكاسب سياسية من حليفها الأبرز.

العرب