فتحت الحرب الروسية في أوكرانيا الباب على مصراعيه لاضطراب عالميّ كبير.
يشكل الصراع العسكريّ الهائل الجاري حاليّا هناك، حربا عالمية غير مباشرة قابلة للتحوّل إلى حرب مباشرة، وذلك إذا نفّذت موسكو فعلا التهديدات بالسلاح النووي الصادرة عن كبار مسؤوليها، الذي أنذرت باستخدامه، ليس دفاعا عن أراضيها فحسب، بل كذلك عن قرابة 15٪ من الأراضي الأوكرانية التي أخضعتها لـ«استفتاءات»، ما كان ممكنا أن ينجم عنها، تحت الاحتلال، سوى «موافقة» سكانها على الانضمام لروسيا.
على رغم التهديد بالنووي، فإن هذا الضمّ بالقوة، لن يوقف الأوكرانيين عن محاولة استعادة الأراضي التي خسروها، وباستثناء بعض الدول القليلة الدائرة في المدار الروسي، مثل سوريا وبيلاروسيا، أو المعادية للغرب، مثل كوريا الشمالية، فلن يعترف أحد بتلك المناطق كجزء من روسيا، وستدور الصراعات العسكرية والدبلوماسية ضمن «عنق الزجاجة» الخطير هذا.
إلى رفعه مستوى التأهب النووي بين روسيا والغرب، هزّ هذا الصراع أسواق الحبوب والنفط والغاز، ودفع العديد من الدول الأوروبية للقيام بمفاوضات مع دول إنتاج الغاز مثل قطر والجزائر، وذلك للنجاة بمواطنيها من برد الشتاء القادم، وأضاف «تفجير تخريبي» لخطّي «نورد ستريم» 1 و2 وحصول تسريبات في 3 مواقع فيه، في المنطقتين الاقتصاديتين للسويد والدنمارك ضمن بحر البلطيق، مستوى جديدا من القلق والغموض في العالم، فهو عمل استخباراتي كبير لا تستطيع إلا أجهزة دولية أن تقوم به.
يحتوي الخطّان كميات من الغاز لكنّ أوروبا توقفت عن استخدامهما بعد العقوبات التي طبقتها على موسكو، وكان طبيعيا أن ترفع أصابع الاتهام في اتجاه موسكو، باعتبارها «المشتبه الاعتيادي»، وهو ما دفع الكرملين لاعتبار الاتهامات «غريبة وحمقاء»، والتذكير بتصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن، في شباط/فبراير الماضي (الشهر الذي وقع فيه الاجتياح الروسي)، طالب فيها الأوروبيين بالتخلص من «نورد ستريم 2».
فيما تجري الدول الأوروبية المعنية، السويد والدنمارك وفنلندا وألمانيا، تحقيقاتها حول «العمل التخريبي المتعمد»، فإن كييف اعتبرت ما حصل «هجوما إرهابيا مخططا له من قبل روسيا»، وأن المقصود منه هو زعزعة استقرار الوضع الاقتصادي في أوروبا و«بث الهلع قبل الشتاء»، كونه سيعرّض أمن الطاقة في أوروبا للخطر.
زادت تداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية الضغط على خطوط التصدّعات الجيوسياسية العالمية، وبدلا من تسريعها لعودة الاتفاق النووي الغربي مع إيران، فقد رفعت تهديدات الكرملين بالنووي درجة القلق من إيران نووية، وإلى تصلّب أكبر معها، وفي الوقت نفسه أعلنت كوريا الشمالية، بدورها، استعدادها لاستخدام السلاح النووي (أطلقت أول أمس صاروخين جديدين في اتجاه بحر اليابان)، وازداد أيضا التوتّر بين المنظومة الغربية والصين، وبعد زيارة نانسي بيلوسي لتايوان، نشهد الآن زيارات لكامالا هاريس، نائب الرئيس الأمريكي، إلى اليابان، الخصم التقليدي للصين، وإعلانها من هناك إن واشنطن ستتحرك «من دون خوف أو تردد» في مضيق تايوان، وقبلها كان بايدن أكثر وضوحا وحسما حين قال إن واشنطن ستدافع عن تايوان «في حال حدوث غزو صيني».
هناك خطّ آخر يصل بين الاضطرابات السياسية والعسكرية والأمنية (ومنها صعود تيارات اليمين المتطرّف في أوروبا، واستمرار تداعياته في جغرافيات أخرى مثل الهند والبرازيل)، وتلك المرتبطة باليأس الاقتصادي والسياسي الذي يدفع جزءا كبيرا من سكان الأرض لمحاولة الهجرة (مما يؤدي لحوادث خطيرة، كما حصل في الأسبوع الماضي في انقلاب قاربين في لبنان وبنغلاديش) أو الكوارث الأخرى التي تلخّص أحوال تدهور المناخ والسياسة، كما حصل في باكستان مؤخرا.
ليس صعبا ربط هذه الكوارث كلّها ببعضها البعض، ورؤيتها ضمن «مشهد قيامي» يظهر ارتباط شؤون العالم، ويؤكد أن اعتلاله في مكان لا بد أن يظهر في كل مكان آخر.
القدس العربي