طيلة الحروب التي جرت خلال أكثر من ثلاثة قرون في أوروبا، كانت معظم الأسلحة المستعملة غربية أو من صنع كبار الدول مثل اليابان وروسيا والصين، لكن يحدث لأول مرة أن تكون أسلحة مستعملة في حرب في القرن 21 “الروسية- الأوكرانية” من صناعة الجنوب، وهي المواجهة القائمة بين طائرات الدرون التركية والإيرانية في هذه الحرب.
وعمليا، جرى استعمال أسلحة من صنع سوفياتي- روسي وغربي وصيني وياباني أساسا لمدة تفوق القرن في مختلف الحروب التي شهدها العالم سواء الحربين العالمية الأولى والثانية، أو النزاعات الإقليمية مثل كوسوفو. وتصّدر الاتحاد السوفياتي وروسيا لاحقا، والدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة، مبيعات الأسلحة في الطائرات المقاتلة والدبابات وأنظمة الدفاع الجوي والقنابل ضمن عتاد حربي آخر. لكن السنوات الأخيرة بدأت تحمل تغييرات في خريطة مبيعات الأسلحة بدخول لاعبين جدد مثل تركيا وإيران وكوريا الجنوبية والبرازيل.
وعمليا، تحمل الحرب الأوكرانية- الروسية الكثير من المفاجآت الحربية والاقتصادية والسياسية. وعلى رأس هذه المفاجآت، هو الدور المميز الذي تلعبه الطائرات المسيرة “الدرون” التي قامت بتصنيعها تركيا وإيران في هذه الحرب.
وهكذا، فقد تحولت الحرب الروسية- الأكرانية إلى مواجهة مفتوحة بين المسيرات التركية التي يستعملها الجانب الأوكراني، والمسيرات الإيرانية التي تستعملها روسيا. وقبل حصول أوكرانيا على صواريخ “هيمارس” متوسطة المدى وجافلين الأمريكية التي ألحقت خسائر بالجيش الروسي، كان من ضمن ركائز القوات الأوكرانية هي الطائرات المسيرة التركية “بيرقدار تي بي 2”. وألحقت هذه الطائرات المسيرة ضربات موجعة بالقوات الروسية، وأصبح هاجس القوات الروسية الخاصة هو رصد هذه الطائرات وتدميرها قبل استعمالها. ثم خصص الجيش الروسي أنظمة متعددة للدفاع الجوي لمواجهتها. ووصل الحماس بالقوات الأوكرانية إلى تأليف أغنية تتغنى بهذا الدرون.
وكانت موسكو قد احتجت نهاية ديسمبر الماضي وبداية الحرب على بيع تركيا لأوكرانيا هذه المسيرات، ويبدو أن أنقرة أوقفت مبيعات الطائرة إلى كييف بعد تطلعها إلى القيام بالوساطة في الحرب.
ويأتي الهجوم الكبير الذي نفذه الجيش الروسي يوم الإثنين الماضي على 23 مدينة أوكرانية بالصواريخ والمسيرات، ليبرز أهمية الطائرات المسيرة الإيرانية التي جرى استعمالها. فقد اعتمدت روسيا على طائرات مسيرة من نوع “شاهد 136” الإيرانية لضرب عدد من البنيات التحتية الخاصة بالطاقة في مدن أوكرانية ومنها العاصمة كييف. وتحجم موسكو عن استعمال مسيّراتها تحسبا لمواجهة أكبر مع الغرب. كما أن المسيرات الروسية غالية الثمن وهي ليست انتحارية، وبالتالي تكتفي بالمسيرات الإيرانية الانتحارية.
وكانت واشنطن قد أشارت الى اعتماد روسيا على مسيرات إيرانية، وبالفعل استعملت موسكو هذه الطائرات لضرب القوات الأوكرانية في شرق البلاد بالقرب من دونباس، لكن هذه أول مرة يتم فيها استعمال مسيرات لضرب مدن مثل كييف.
وتعد المسيرات الإيرانية الأرخص في العالم تقريبا، فهي بسيطة للغاية، وانتحارية وتقطع مسافة 2500 كلم لضرب الهدف. ولجأت روسيا لها بعدما تبينت فعاليتها في حرب اليمن، حيث استعملها الحوثيونضد منشآت نفطية ومطارات سعودية، وعجزت في الغالب معظم مضادات الطيران الغربية وعلى رأسها الأمريكية عن اعتراضها. وهذه النقطة هي رئيسية في تقييم السلاح.
ويعد اعتماد روسيا على مسيرات إيرانية بمثابة دعاية كبيرة للصناعة الحربية الإيرانية، حيث من المرتقب ارتفاع الطلب على هذه المسيرات والصواريخ. أي تكرار سيناريو المسيرة التركية “بيرقدار” التي قامت بدور فعال في ليبيا وحرب أرمينيا أذربيجان ولاحقا في أوكرانيا، حيث وصل طلب الدول على المسيرات التركية إلى مئات الطلبات خلال أشهر قليلة.
في الوقت ذاته، يحمل هذا المستجد قلقا لدول مثل الولايات المتحدة والسعودية، ثم جهات أخرى مثل إسرائيل. وهكذا، تكون الحرب الروسية- الأوكرانية هي أول حرب في قلب أوروبا يتم فيه اللجوء إلى سلاح مصنوع في دول غير كلاسيكية بصناعة السلاح مثل الغرب وروسيا.
القدس العربي