ما وراء التعاون الروسي – الإيراني في مجال الطاقة؟

ما وراء التعاون الروسي – الإيراني في مجال الطاقة؟

دفع العزل الدولي موسكو إلى المزيد من التقارب مع النظام الإيراني حيث يسعى الطرفان للاستفادة من علاقاتها، فبينما يجد الكرملين في طهران سوقا بديلة نسبيا لأوروبا تسعى هي نحو الاستثمار في الأزمة والاستفادة من خبراته لتطوير صناعاتها في مجالي النفط والغاز وتقديم نفسها كمصدر بديل للطاقة نحو أوروبا.

واشنطن – في حين تستعد أوروبا لشتاء خال من الغاز الروسي، يتطلع الكرملين إلى نقل مبيعاته من الغاز الطبيعي صوب الشرق، وعلى الرغم من أن الصين والهند لا تزالان أهم وجهات التصدير لموسكو في قارة آسيا، لكن يبدو أن روسيا قد وجدت مشتريا جديدا لوقودها وهي جمهورية إيران الإسلامية.

فلماذا تشتري إيران الوقود من روسيا وفي جعبتها البعض من أكبر احتياطيات العالم المؤكدة من النفط والغاز الطبيعي؟

يقول الكاتب والمحلل السياسي الصربي نيكولا ميكوفيتش إن إيران تحتاج إلى خطوط أنابيب غاز جديدة لإرسال منتجات الطاقة الخاصة بها إلى خارج البلد، حيث أن أنابيب النفط الحالية إلى تركيا والعراق لا يمكنها إمداد سوى كميات قليلة، وبلغ إجمالي صادرات إيران من الغاز 17 مليار متر مكعب في عام 2021.

وعلى سبيل المقارنة، صدرت روسيا 241 مليار متر مكعب في العام الماضي، وكانت سعة خطوط الأنابيب هي العائق الرئيسي لإيران.

وتبرز مشكلة أخرى بالنسبة إلى إيران وهي عدم توفر إنتاج الغاز الطبيعي المسال، حيث تحتاج الجمهورية الإسلامية إلى روسيا لمساعدتها على تطوير البنية التحتية للطاقة في البلاد.

ويمكن لمذكرة التفاهم التي وقعت في شهر يوليو بين شركة الطاقة الروسية العملاقة غازبروم وشركة النفط الوطنية الإيرانية والتي وصلت قيمتها إلى 40 مليار دولار أن تسد تلك الفجوة، وبعد منعها من استيراد تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال الغربية بعد فرض الولايات المتحدة عقوبات في عام 2018، احتاجت إيران إلى الخبرة اللازمة لتطوير صناعة الطاقة لديها، ويمكن لشركة غازبروم توفير تلك الخبرة.

ويرى ميكوفيتش أن عزلة روسيا الدولية في خضم حربها في أوكرانيا وفرت لإيران فرصة ذهبية، وكجزء من مذكرة التفاهم، ستساعد موسكو في تطوير حقلي الغاز الإيراني في كيش وبارس الشمالية، بالإضافة إلى ستة حقول نفطية أخرى.

وإذا تمكنت روسيا وإيران من الاتفاق على طرق للالتفاف حول العقوبات الغربية والتنسيق بشأن صادرات الطاقة، فسيتعين على الاتحاد الأوروبي الاعتماد على إمدادات النفط من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر. ويرجح المحلل الصربي أن تؤدي مثل تلك النتيجة إلى ارتفاع أسعار الطاقة على مستوى العالم، ونقص إضافي في الغاز في أوروبا، خاصة بعد أن أعلنت موسكو والرياض عن تخفيضات كبيرة للنفط في الاجتماع الأخير لتحالف أوبك+. بل إن موسكو وطهران قد تحاولان إنشاء “اتحاد احتكاري عالمي للغاز” مما يمنحهما نفوذا كبيرا على الغرب، وخاصة الدول الأوروبية التي لا تزال تعتمد اعتمادا كبيرا على واردات الغاز.

اقرأ أيضا:

العقوبات الاقتصادية لن تؤثر على روسيا وإيران

وبينما إيران وروسيا تمدان جسور التعاون، أعربت طهران عن اهتمامها بتخفيف نقص الطاقة في أوروبا الذي تسببت فيه حرب روسيا في أوكرانيا، والمشكلة هي أن إيران مثل روسيا تخضع لقيود على صادراتها، ودون تخفيض العقوبات الغربية، وهو أمر مستبعد، لن تتمكن الجمهورية الإسلامية من مساعدة أوروبا في تلبية احتياجاتها من الغاز هذا الشتاء.

ولكن حتى مع وجود الموافقة من جانب واشنطن، تفتقر إيران إلى البنية التحتية اللازمة لزيادة صادراتها، وهذا هو السبب في أنها تسعى لإقامة علاقات قوية في مجال الطاقة مع “الدول الصديقة” التي يمكن أن تساعدها على تطوير وتحديث صناعاتها في مجال النفط والغاز.

ويشكك البعض في تلك الفكرة، حيث قال مرتضى بهروزيفار وهو خبير الطاقة في طهران، لوكالة أنباء العمال الإيرانية إن موسكو “لم تستثمر فلسا واحدا في قطاع الطاقة في الجمهورية الإسلامية” وأن مذكرة التفاهم الأخيرة لن تحرز أي تقدم. بل إن روسيا نفسها تفتقر حاليا إلى تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال على نطاق واسع.

ومع ذلك، يؤكد ميكوفيتش أنه وعلى افتراض المضي قدما في تلك الصفقة، فإن إيران ستستفيد منها، حيث قالت وزارة النفط الإيرانية في منتصف شهر سبتمبر إن إيران ستشتري 9 ملايين متر مكعب من الغاز الروسي يوميا بغرض الاستهلاك المحلي، الذي من المرجح أن يضمن استقرار الطاقة في شمال غرب إيران، ومع عزم الاتحاد الأوروبي قطع واردات الغاز الروسية، فمن الواضح أن موسكو تحتاج إلى أسواق جديدة، وإيران في وضع جيد يمكنها من المساومة.

ويمكن إعادة تصدير ستة ملايين متر مكعب إضافية من الإمدادات الروسية إلى بلدان أخرى، ويتوقع المحللون أن تشتري طهران ذلك الغاز بسعر منخفض، ثم تبيعه إلى تركيا وباكستان وحتى إلى أفغانستان، وهو الأمر الذي من شأنه السماح لإيران بسد فجوة الميزانية الهائلة. ومن شأن ذلك الترتيب أيضا أن يفيد شركة غازبروم، حيث أنها لن تتحمل مخاطر عدم الدفع لأن طهران بعكس كابول أو إسلام أباد ستكون هي المشتري.

قد تكون لدى روسيا وإيران أهداف طموحة في مجال الطاقة، ولكن لا توجد ضمانات بأنهما ستحققان تلك الأهداف في القريب العاجل

ومن المؤكد أن إيران لن تحل محل أوروبا باعتبار القارة العجوز كانت السوق الرئيسية للغاز الطبيعي الروسي، وحتى لو تم تحقيق الأهداف اليومية المتوقعة، فإن شركة غازبروم لن تزود إيران إلا بـ5.5 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وهو ما يمثل 10 في المئة فقط مما زودت به روسيا أوروبا سابقا عبر خط أنابيب نورد ستريم، والآن وبعد أن توقف خطا نورد ستريم ونورد ستريم 2 عن العمل في أعقاب الانفجارات الأخيرة، فمن المرجح أن تسعى شركة غازبروم لزيادة حجم الصادرات إلى إيران وأماكن أخرى من العالم.

وبعبارة أخرى، أصبحت روسيا المعزولة عن الغرب، أكثر اعتمادا على الأسواق في الشرق الأوسط وآسيا، ويمكن لإيران الاستفادة من ذلك الأمر، وفي نهاية المطاف، قد يسعى الكرملين لفرض سيطرته على موارد الغاز الإيرانية.

ويشير المحلل الصربي إلى أن معظم تلك الخطط لا تزال عبارة عن أهداف طموحة، وحتى أفضل الإستراتيجيات الموضوعة سوف تتأثر بنتائج الحرب الأوكرانية، وخاصة إذا عانت روسيا من هزيمة لاذعة، كما أن إيران أيضا في خضم موجة غير مسبوقة من المعارضة المناهضة للحكومة التي تحول الانتباه من الهواجس اليومية إلى النظام الحاكم وبقائه من عدمه.

وعليه، قد تكون لدى روسيا وإيران أهداف طموحة في مجال الطاقة، ولكن لا توجد ضمانات بأنهما ستحققان تلك الأهداف في القريب العاجل.

العرب