القوى الشيعية في العراق تعرقل قانون “خدمة العلم” للحفاظ على جيش ولائي

القوى الشيعية في العراق تعرقل قانون “خدمة العلم” للحفاظ على جيش ولائي

نجحت قوى الإطار التنسيقي في تأجيل القراءة الأولى لمشروع قانون خدمة العلم، في ظل وجود تحفظات كثيرة لها على المشروع الذي لو تم إقراره سيفسح المجال أمام جميع مكونات المجتمع العراقي للخدمة في الجيش، وهذا يتعارض مع مصلحة تلك القوى في الحفاظ على جيش ولائي.

بغداد – أخفق مجلس النواب العراقي الذي يسيطر عليه الإطار التنسيقي، المظلة السياسية للقوى الشيعية الموالية لإيران، الأحد في عرض مشروع قانون خدمة العلم (التجنيد الإلزامي) للقراءة الأولى.

وذكرت أوساط سياسية عراقية أن فشل مجلس النواب في عرض مشروع “خدمة العلم” كان متوقعا، حيث أن معظم القوى المنضوية ضمن الإطار تعارض بشدة تمرير هذا القانون لأنه يتناقض وأجنداتها.

ولفتت الأوساط إلى أن هذه القوى لا تريد إصلاح المؤسسة العسكرية وإنشاء جيش وطني بعيد عن الولاءات الحزبية والطائفية يتولى مهمة الحفاظ على استقرار العراق وأمنه، بل هي تريد الإبقاء على جيش مختلّ، ولصالح الحشد الشعبي الحامي لمصالحها ونفوذها في العراق.

وتشير الأوساط إلى أن الذريعة التي تسوقها هذه القوى، وهي أن العدد الحالي لقوات الجيش لا يتطلب تمرير هكذا مشروع سيثقل كاهل الدولة، هي ذر رماد على العيون، ذلك أن فتح المجال أمام جميع مكونات المجتمع العراقي للخدمة في الجيش من شأنه أن يعيد حالة من التوازن المفقودة لا تريدها تلك القوى والجماعات.

وذكر بيان للدائرة الإعلامية للمجلس النيابي أن “المجلس أجل القراءة الأولى لمشروع قانون خدمة العلم (التجنيد الإلزامي) إلى الجلسة المُقبلة”.

وقالت النائب عن محافظة البصرة زهرة البجاري إن “جهود النواب نجحت بسحب‏ مشروع قانون الخدمة الإلزامية من جدول الأعمال وسيرسل إلى الحكومة ولن يقدم مستقبلا”.

وأوضحت البجاري التي تنتمي إلى كتلة الإطار التنسيقي “إننا نرفض ما يسمى بقانون التجنيد الإجباري، لأنه ضد الأنظمة الديمقراطية، ويذكرنا بزمن البعث الكافر والانقلابات العسكرية، إضافة إلى التكاليف العالية التي تتجاوز 2 مليار دولار لتجهيز المعسكرات والمعدات اللازمة”، وتسائلت النائب “إذا كانت هناك إمكانية لصرف 700 ألف للمجند، لماذا لم تصرف أجور المحاضرين والمتعاقدين في الوزارات؟”.

ورأت النائب في بيان صحافي أن “أغلب الحجج لإقرار هذا القانون واهية وغير منطقية، فشبابنا مجاهد وغيور وليس متميّعا، وأغلب شبابنا مؤمن وطيب وشهدت لهم ساحات الجهاد ضد داعش الإرهابي”.

وطالبت البجاري بـ”سن قانون التوظيف الإجباري وإنشاء ميناء الفاو الكبير وطريق الحرير بدلا من التجنيد الإجباري، لأنهما يقضيان على البطالة، وفيهما مردود اقتصادي كبير للبلد، عكس قانون التجنيد الإجباري الذي يسلب المواطن رأيه وحريته”، مضيفة “كفانا عسكرة للشعب فلقد سئمنا من الحروب العبثية في زمن النظام البعثي”.

وأضافت أن “الشباب العراقيين يطمحون إلى حياة حرة كريمة، وأصحاب الشهادات ينتظرون وظائف تليق بهم، فلنعمل من أجل تشغيل المصانع والمعامل والقضاء على البطالة بدلا عن هكذا قوانين بائسة”.

الذريعة التي تسوقها القوى المنضوية ضمن الإطار هي أن العدد الحالي لقوات الجيش لا يتطلب تمرير هكذا مشروع سيثقل كاهل الدولة

ومنذ احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003، والذي استتبعه قرار آنذاك من الحاكم المدني الأميركي بول بريمر بإلغاء التجنيد الإلزامي واستبداله بقرار الانضمام الطوعي، يعاني الجيش العراقي من اختلال في التوازن في تركيته، لاسيما مع توجه بعض القوى إلى اعتماد آلية قبول طائفية، وهو ما دعا البعض إلى طرح قانون لضمان التوازن الوظيفي في كل مؤسسات الدولة دون أن يُفعّل هو الآخر.

وطُرح مشروع قانون الخدمة الإلزامية في العراق أول مرة في العام 2021 خلال ولاية الحكومة السابقة التي ترأسها مصطفى الكاظمي.

ونشرت وكالة الأنباء العراقية نص “مشروع قانون خدمة العلم” المقدم من أمين عام مجلس الوزراء حميد نعيم الغزي لرئيس البرلمان محمد الحلبوسي.

وضمت الوثيقة المكونة من 88 صفحة مخاطبات مصنفة على أنها “سري للغاية وعاجل”، يتبين فيها أن الخدمة العسكرية تتراوح بين 18 شهرا وتنخفض إلى 3 أشهر حسب المؤهل العلمي.

وبحسب مشروع القانون، فإن كل عراقي من الذكور أكمل 19 عاما ولم يتجاوز 45، وجب عليه التجنيد الإلزامي مع استثناءات محدودة.

ويجند 18 شهرا الرجال الذين لم يكملوا تعليمهم الأساسي أو لم يلتحقوا بالمدرسة، بينما تقل المدة إلى 12 شهرا للذين لم يكملوا المرحلة الإعدادية.

وتنخفض المدة إلى 9 شهور بالنسبة إلى المتخرجين من الكليات والمعاهد التي لا تقل فيها الدراسة عن سنتين، فيما تصبح 6 شهور لحاملي درجة الماجستير، و3 شهور لمن نال درجة الدكتوراه.

ويعفى من “خدمة العلم” من لا تتوفر فيه الشروط الصحية ومن تأجل تجنيده لمدة 3 سنوات متتالية بسبب المرض إذا ثبت أنه غير قابل للشفاء. كما يعفى من التجنيد الابن الوحيد للعائلة أو من توفى أخوه المكلف بالخدمة.

القوى المنضوية ضمن الإطار لا تريد إصلاح المؤسسة العسكرية وإنشاء جيش وطني بعيد عن الولاءات الحزبية

كما يعفى من الخدمة الإلزامية المتطوع الذي قضى خدمة فعلية بالجيش أو الأجهزة الأمنية، بالإضافة إلى طلبة الكليات والمعاهد العالية الذين أكملوا مدة دراستهم على نفقة وزارتي الدفاع أو الداخلية أو الأجهزة الأمنية الأخرى بعد حصولهم على رتبة ملازم أو ملازم أول.

ويعفى أيضا من الخدمة الإلزامية المكلف الذي دفع البدل النقدي. ولم توضح الوثيقة قيمة البدل النقدي الذي يعوض الخدمة العسكرية.

وتؤجل الخدمة الإلزامية في عدد من الحالات منها للمستمرين في الخدمة العسكرية أو منسوبي أجهزة الأمن المختلفة، بالإضافة إلى طلبة الكليات والمعاهد والمدارس الخاصة بالجيش والمعاهد التقنية الذين يدرسون على نفقة وزارتي الدفاع أو الداخلية أو الأجهزة الأمنية الأخرى ما داموا مستمرين في هذه الدراسة.

كما تؤجل الخدمة لـ”حرس دائرة الإصلاح العراقية ودائرة إصلاح الأحداث” و”المدعوين والمكلفين الذين يثبت بالفحص الطبي أنهم مصابون بمرض أو عاهة تمنعهم مؤقتا من أداء الخدمة” وحالات أخرى.

ورأى النائب سكفان سندي العضو في لجنة الدفاع النيابية في حديث لوكالة الأنباء العراقية أن “تشريع قانون الخدمة الإلزامية ضروري لوجود مخاطر تتعلق بالإرهاب في البلاد”.

واعتبر النائب عن تحالف تقدم السني فهد مشعان تركي أن “خدمة العلم ستمكننا من القضاء على البطالة وستجعل الشاب يشعر بالولاء للوطن”.

في المقابل أبدى النائب اليزيدي صائب خدر تحفظا على المشروع، قائلا إن “عسكرة المجتمع لن تخلق محبة للوطن”. ورأى وزير الكهرباء السابق لؤي الخطيب في تغريدة أن الأجدى بدل إقرار قانون الخدمة الالزامية “توفير مراكز التدريب المهني (للشباب) وجعلها ملزمة ليكتسبوا مهارات تعينهم في تطوير كفاءاتهم وزجهم في مشاريع إعادة إعمار العراق”.

ويرى مراقبون أنه من غير المنتظر إعادة طرح المشروع مجددا على مجلس النواب على المدى المنظور، في ظل سيطرة القوى المتحفظة عليه على البرلمان، فهذه القوى تريد جيشا ولائيا لا جيشا وطنيا.

العرب