أوقفت دول الخليج، وبشكل مؤقت، عمليات الاقتراض الجديدة بعد تضاعف أعباء ديونها أربع مرات منذ 2014، وذلك بتأثير الإصلاحات والمكاسب النفطية الوفيرة. وبينما تعمل عُمان وقطر بنشاط على الحد من الاستدانة. لا تزال مواقف البحرين وأطراف خليجية أخرى تثير القلق.
أبوظبي – وجدت دول الخليج نفسها مثقلة بميزانيات متضخمة بسبب ارتفاع الإنفاق خلال السنوات الأربع الماضية من أسعار النفط القوية. بعد أن أسهم صعود النفط الصخري الأميركي في انهيار سوق النفط في العام 2014. وبدأت تدريجيا في تنفيذ الإصلاحات المالية مثل خفض الدعم وتجميد التوظيف في القطاع العام وفرض ضريبة على القيمة المضافة وغيرها.
ومع ذلك، تباين الشعور بالإلحاحية في جميع أنحاء المنطقة وأدارت معظمها عجزا في الميزانية خلال الفترة الممتدة من 2014 إلى 2021، وفقاً لتحليل جاستن ألكسندر في “عرب دايجست”.
هذا العجز تواصل تمويله بسحب الاحتياطيات والاقتراض من البنوك وإصدار السندات والصكوك مما ضاعف ديون المنطقة أكثر من أربعة أضعاف من 9 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014 إلى ذروة بلغت 41 في المئة عام 2020. وارتفع الدين أكثر إلى حوالي 617 مليار دولار العام الماضي، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي. ويُذكر أن هذه الأرقام تستثني المبالغ الكبيرة من الديون المملوكة للشركات العامة.
تم تقليص التصنيفات الائتمانية للعديد من الدول، بفعل ارتفاع الديون، بما في ذلك عُمان التي انخفضت ثماني درجات من تصنيف “إيه” في للعام 2014، على قدم المساواة مع إسبانيا، إلى “بي+” للعام 2020، بمصاف بنغلاديش، وأقل بكثير من مستوى “بي بي+” الذي لا يلاقي اهتمام المستثمرين.
حدث ذلك مع ارتفاع ديون عمان من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 71 في المئة حيث توقفت بسبب الإصلاحات وارتفع عجزها إلى 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وارتفعت ديون البحرين إلى مستوى أعلى إلى 130 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وانخفض تصنيفها أكثر. كما خسرت قطر والكويت تصنيفاتهما المرموقة “إيه إيه”.
مكاسب غير متوقعة
لا تزال الديون الخليجية تجتذب طلبا قوياً من المستثمرين، حيث غالبا ما تسعّر السوقُ السندات الخليجية أعلى من المستوى الذي تشير إليه وكالات التصنيف، نظرا إلى الخدمات المصرفية الضمنية من صناديق الثروة السيادية وربما من الجيران الأكثر ثراء، الذين تدخلوا بقروض ميسرة لتجنب تخلف دبي عن السداد في العام 2009 والبحرين في العام 2018. كما تعزز طلب المستثمرين بشكل أكبر في 2019 عند دمج المنطقة في مؤشرات سندات الأسواق الناشئة “جي بي مورغان”.
ومع تسارع وتيرة الإصلاحات في العامين 2018 – 2019، بدأ الوضع المالي الإقليمي يتحسن رغم توقفه بسبب أزمة كوفيد التي تسببت في انهيار نفطي جديد وتقليص الإيرادات غير النفطية وخلق احتياجات إنفاق إضافية.
لكن الصدمة كانت قصيرة، وأصبحت كل من عمان والبحرين والمملكة العربية السعودية بحلول العام 2021 تنفّذ خططا مالية متوسطة الأجل توفر مسارات موثوقة نسبيا لتحقيق التوازن. وتوقعت ميزانية السعودية لسنة 2022 فوائض للسنوات الثلاث المقبلة وعدم اقتراض إضافي.
◙ الارتفاع في الديون تسبّب في تقليص التصنيفات الائتمانية للعديد من الدول، بما في ذلك عُمان التي انخفضت ثماني درجات
من جهة ثانية، أتاح الارتفاع الحاد في أسعار النفط هذا العام مكاسب غير متوقعة من شأنها أن تؤدي إلى فوائض مالية في جميع أنحاء المنطقة، ربما باستثناء البحرين. على الأقل عند حساب إنفاقها الكبير خارج الميزانية والذي ينتج عنه سعر تعادل مالي للنفط يبلغ حوالي 128 دولارا للبرميل، وفقا لصندوق النقد الدولي. وتراوحت الفوائض المالية في النصف الأول من العام من 0.4 في المئة في البحرين إلى 13 في المئة في الإمارات العربية المتحدة، رغم أن الإنفاق يميل إلى الارتفاع في النصف الثاني من العام.
وعلى افتراض أن متوسط أسعار النفط يبلغ حوالي 81 دولارا على مدى السنوات الخمس المقبلة، يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحافظ جميع دول الخليج، باستثناء البحرين مرة أخرى، على الفوائض المالية طوال الفترة الممتدة من العام 2023 إلى العام 2027، وأن يحافظ معظمها على استقرار الدين أو خفضه.
وفي مقابل ذلك، توقع صندوق النقد الدولي العام الماضي أن تزيد ديون الكويت بأكثر من ستة أضعاف لتصل إلى 123 مليار دولار في العام 2026 و60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي ثاني أعلى نسبة بعد البحرين.
ومع ذلك، يُتوقع الآن أن تظل ديون الكويت الأدنى في الخليج. وتأتي أسعار النفط المرتفعة لإنقاذ الكويت لأنها فشلت في تنفيذ الإصلاح المالي. كما أنها حاليا غير قادرة قانونيا على الاقتراض دون قانون ديون جديد، بعد انتهاء صلاحية الترخيص السابق في العام 2017.
وقد تتجه الديون بالنسبة إلى بعض البلدان إلى أقل من توقعات صندوق النقد الدولي. على سبيل المثال، يتوقع أن ينخفض دين قطر بشكل طفيف فقط إلى 98 مليار دولار في العام 2025. وعلى النقيض من ذلك، ترى “ستاندرد آند بورز” أن الدين ينخفض إلى 58 مليار دولار. وعلى هذا الأساس، ارتفعت قطر مرة أخرى إلى “إيه إيه”، وهو التصنيف الذي خسرته في العام 2017 خلال مقاطعة دول الخليج.
لم يحدث ذلك التغيير بسبب أسعار النفط، حيث لا تزال ”ستاندرد آند بورز“ تفترض أن سعره سيكون 55 دولارا فقط انطلاقا من العام 2024، وهو توقع أقل بكثير من الذي حدده صندوق النقد الدولي. ولكن التقدّم كان لأنها ترى أن الحكومة ملتزمة بسداد الديون المستحقة.
ذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك واشترت السندات من السوق بنشاط. وكانت عُمان أول من فعل ذلك في يوليو الماضي، حيث أصدر السلطان هيثم بن طارق أوامر باستخدام المكاسب غير المتوقعة الحالية لخفض الديون.
وأدت هذه السياسة جنبا إلى جنب مع الإصلاحات المالية، مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الدخل الشخصي المعلقة، إلى انتعاش التصنيف الائتماني العماني وارتفعت سنداتها، مما أدى إلى تراجع عائداتها إلى ما دون مثيلها في البحرين.
◙ صندوق النقد الدولي يتوقع أن تحافظ دول الخليج، باستثناء البحرين، على الفوائض المالية حتى العام 2027
ويبقى الاستثناء من الاتجاه الإيجابي في الخليج هو إمارة الشارقة الإماراتية التي تتمتع بعائدات نفطية قليلة وسيطرة محدودة على الضرائب التي تحدّد إلى حد كبير على المستوى الفيدرالي. وهي تتحكم في الإنفاق، لكنه نما بشكل حاد في السنوات الأخيرة، مما أدى إلى عجز هيكلي بحوالي 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ومن المتوقع أن يصل الدين إلى 64 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2025، وسيكون ثاني أعلى مستوى في الخليج.
وقد أدى ذلك إلى خفض موديز إلى تصنيف غير مرغوب فيه في يوليو. ومن المقرر أن تطلق الشارقة خطة مالية متوسطة الأجل الشهر المقبل سيدرسها المستثمرون ووكالات التصنيف عن كثب لمعرفة ما إذا كان هناك طريق إلى التوازن المالي أو ما إذا كانت بحاجة إلى دعم من أبوظبي أو الحكومة الاتحادية.
سيمنح خفض مستويات الديون، بينما تكون بيئة أسعار النفط مواتية، لدول الخليج حيزا ماليا أكبر عندما تنقلب دورة النفط. ومع ذلك، لا يزال هناك خطر من أنها ستعود إلى دورة الإنفاق المساير للدورة الاقتصادية وتهدر الفرصة.
العرب