الوضع الاقتصادي الراهن الذي يعيشه المواطن العراقي، بوصفه مستهلكاً يعرضه الى أضرار صحية واقتصادية واجتماعية بل وحتى أخلاقية، قد لا يدرك حجمها في الظروف الراهنة، لكن آثارها حتماً ستظهر بعد حين، وهذه الأضرار ناجمة عن إغراق السوق العراقية بالسلع والخدمات التي لا تخضع الى الرقابة ومن دون ضوابط من مناشئ مختلفة حاملة علامات تجارية شتى، أو تاريخ صلاحية أو مطابقة للمواصفات، وهو ما يوضح الخراب الذي يتعرض له الاقتصاد والمواطن العراقي، نتيجة عدم الاستقرار الداخلي والظروف السياسية الصعبة، وضعف الجانب الأمني وغياب الرقابة بأنواعها المعروفة، وتفشي الفساد الإداري..
المبررات الواقعية من وجهة نظر العابثين بالاقتصاد من ضعاف النفوس، تكمن في أن اعتماد البلد على المواد والبضائع الغذائية والاستهلاكية المستوردة بشكل شبه كامل أمر خطير للغاية، مما يعكس ضعف القطاع الزراعي وانعدام الصناعة وخلل بالقطاع الصناعي بأكمله.
ونتيجة للظروف التي يعيشها المواطن تعالت الصيحات بتشكيل “مجلس حماية المستهلك”، على وقع تصاعد الشكاوى من التلاعب بالأسعار والاحتكار والغش التجاري، أي تفعيل قانون حماية المستهلك الذي أقره البرلمان وفق المادة 4 من قانون حماية المستهلك رقم 1 لسنة 2010، وغيّب بعد ذلك في الأدراج، خاصة في ظل الأزمات التي خلفتها جائحة فيروس كورونا، ومن ثم الغزو الروسي لأوكرانيا.
قانون حقوق المستهلك يعني سياسة حماية المواطن من الممارسات غير المشروعة التي تؤدي إلى الإضرار به ورفع مستوى الوعي الاستهلاكي. ومنع كل عمل يخالف قواعد استيراد أو إنتاج أو تسويق السلع أو ينتقص من منافعها أو يؤدي إلى تضليل المستهلك، والأسواق العراقية اليوم تحت قبضة الاحتكارات التي تسيطر على القطاعات الحيوية في البلاد، وتدفع الأسعار إلى الارتفاع، وسط استغلال الأزمات بعيداً عن الرقابة الحكومية.
شرّع البرلمان العراقي قانون حماية المستهلك منذ 12 عاماً، وأشار بعض الخبراء إلى أن هذا القانون وضع السياسات وبرامج العمل الكفيلة بحماية المستهلك وحقوقه وتنظيمها، وكذلك رفع مستوى الوعي الاستهلاكي، ويشكل على أساسه مجلس حماية المستهلك الذي يعمل على تلقي الشكاوى والتحقيق فيها واتخاذ القرارات والتوصيات المناسبة في شأنها. كما يقوم المجلس بإنذار المخالفين وفقاً لتقارير لجان تفتيشية يتم تشكيلها، فضلاً عن تخصص ميزانية خاصة بالمجلس من الموازنة العامة للدولة.
إذ ينص القانون على “ضمان حقوق المستهلك الأساسية وحمايتها من الممارسات غير المشروعة التي تؤدي إلى الإضرار به، ومحاسبة مخالفي قواعد استيراد أو إنتاج أو تسويق السلع أو من ينتقص من منافعها أو يؤدي إلى تضليل المستهلك ، وان الحكومة العراقية وكل المسؤولين الذي يعملون في الدولة العراقية، ملزمون بتفعيل هذا القانون والعمل عليه لحماية المستهلك العراقي وضمان جودة البضائع المستوردة والمنتجة محلياً، واستمرار تجاهل هذا القانون يمكن أن ينعكس سلباً على المواطن العراقي مع تراكم الأزمات الراهنة.
ومن أجل تفعيل القانون المعطل يحتاج الى إرادة وجهود حكومية لتنفيذ بنود وفقرات هذا القانون، وعلى الدولة السعي لتحقيق الأمن الغذائي وتوفير الطعام للمواطن العراقي بأسعار مدعومة، ومحاسبة التجار ومحتكري المواد الغذائية، والسبب يكمن بعدم قدرة الحكومة على مواجهة الأزمة والحد من ارتفاع الأسعار في الأسواق، نتيجة التخبط في القرارات وانعدام الرؤية وتفشي الفساد، فضلاً عن تهريب السلع والمنتجات المستوردة وإعادة طرحها بالسوق بعنوان منتجات محلية، وهذا ما يلحق ضررا بالغاً بالمنتج الوطني والمستهلك في الوقت ذاته.
بعض الباحثين الاقتصاديين والخبراء أكدوا وبشدة على ضرورة أن يكون للدولة الدور الأكبر في تفعيل القانون وضبط الحدود ومعاقبة المتجاوزين، ومحاربة الفساد والمفسدين هم وعصاباتهم المتنفذة والمسيطرة على مفاصل كثيرة من السوق العراقي .
مجلس حماية المستهلك يجب أن يكون فاعلاً وله استقلالية كاملة بعيداً عن التأثيرات السياسية وعناصر الفساد التي تروج لبضائع ومنتجات معينة على حساب بضائع ومنتجات أخرى، وتوفير الدعم اللازم للقطاعات الإنتاجية الصناعية والزراعية لتوفير الاكتفاء الذاتي في المنتجات الأساسية.
إن إنشاء صناعة جيدة في البلد سيزيد من درجات التنافس في الأسواق وفرز نوعية البضاعة الجيدة والرديئة، وترك حرية الاختيار للمستهلك، لأن أحد عوامل نجاح مجلس حماية المستهلك اعتماده على اتخاذ طرق توعية مناسبة للمستهلكين، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وتخصيص فقرات توعوية ضمن البرامج التلفزيونية وغيرها من الخطوات.
وحدة الدراسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية