لندن- لا يمر يوم دون إضراب في مصلحة حكومية في بريطانيا، مما أدى لحالة من الارتباك في شتى مناحي الحياة من حركة النقل وفي قطاع الصحة والبريد خلال فترة أعياد الميلاد، حيث تشهد البلاد أكبر موجة إضراب في تاريخها، وكلما توقف إضراب انطلق آخر في قطاع آخر حساس يؤثر على حياة الملايين من المواطنين.
واختار مئات الآلاف من العاملين في قطاع الصحة وسائقي سيارات الإسعاف والعاملين في تسيير الطرق السريعة في بريطانيا، وسائقي الحافلات والقطارات والعاملين في السكك الحديدية وحتى شرطة مراقبة الحدود، الدخول في إضرابات على أيام متفرقة خلال هذا الأسبوع وإلى غاية الأسبوع الأول من سنة 2023.
ويطالب هؤلاء إلى جانب مئات الآلاف من العمال في التعليم والمؤسسات الحكومية بزيادة الرواتب بسبب ارتفاع نسبة التضخم إلى مستويات قياسية، وارتفاع الأسعار، مقابل تعنت من الحكومة البريطانية، التي تقول إن أي زيادة في الرواتب ستفاقم أزمة التضخم.
إضرابات في كل مكان
حالة من الفوضى الكبيرة تعيشها المستشفيات البريطانية، حيث كشفت معطيات الهيئة الوطنية للصحة البريطانية (NHS)، أن ربع سيارات الإسعاف في بريطانيا كان عليها الانتظار لأكثر من ساعة وهي تحمل المرضى قبل الوصول إلى قسم الطوارئ وهي أطول فترة انتظار يتم تسجيلها في المستشفيات البريطانية في تاريخ البلاد.
السبب الرئيسي هو الإضراب الذي يخوضه الآلاف من العاملين في سيارات الإسعاف والمساعدين الطبيين، مما أدى لتوقف خدمة الاتصال بالطوارئ في بعض المناطق.
ويبدو الوضع مأساويا في عدد من أقسام الطوارئ، ذلك أن 24% من المرضى الذين يصلون إلى الطوارئ ينتظرون أكثر من ساعة قبل أن يسمح لهم بالدخول، ما دفع السلطات الصحية، إلى الإعلان أن فصل الشتاء الحالي هو أيضا الأسوأ في تاريخ البلاد.
ومن المتوقع أن يستمر الوضع على ما هو عليه مع بداية سنة 2023، حيث يطالب الممرضون بزيادة نسبتها 7.5% في رواتبهم، وهو ما ترفضه الحكومة، وكل المؤشرات تؤكد أن المفاوضات بين نقابات الممرضين والحكومة وصلت لطريق مسدود.
كما وصل عشرات الآلاف من المسافرين رسائل هاتفية تخبرهم بأن رحلاتهم مهددة بالتأخير، بسبب إضراب شرطة الحدود، خلال الأسبوع الأخير من سنة 2022 وهو أسبوع الذروة في الرحلات الجوية بسبب عُطَل أعياد الميلاد، ومن المتوقع أن تتأثر 10 آلاف رحلة جوية بسبب هذا الإضراب.
وستستقبل بريطانيا العام الجديد، بإضرابات جديدة في قطاعات النقل بمختلف وسائله سواء مترو الأنفاق والقطارات والحافلات، إضافة للعاملين في الطرق السريعة، في أطول موجة إضرابات يشهدها قطاع النقل في البلاد.
أظهرت دراسة لمركز الدراسات الاقتصادية والتجارية في لندن (Cebr) حجم الخسائر الاقتصادية التي يتكبدها الاقتصاد البريطاني بسبب سلسلة الإضرابات الممتدة لـ8 أشهر، فمنذ انطلاقها في شهر يونيو/حزيران لم تتوقف هذه الإضرابات في مختلف القطاعات ومن المتوقع أن تستمر لشهر يناير/كانون الثاني عام المقبل.
وحسب المركز البريطاني فإن الأيام الثلاثة الأولى لإضراب عمال القطارات في شهر يونيو/حزيران كلفت الاقتصاد البريطاني أكثر من 91 مليون جنيه إسترليني، وبعد أن امتد الإضراب لـ3 أشهر، فقد ارتفعت هذه الخسائر إلى 289 مليون جنيه إسترليني، بسبب التغيب عن العمل، وعدم قدرة الناس على الوصول لأماكن عملهم.
وستزداد هذه الخسائر خلال الفترة ما بين شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني بأكثر من 219 مليون جنيه إسترليني، وفي حال امتدت الإضرابات لشهر فبراير/شباط المقبل فمن المتوقع أن ترتفع الخسائر إلى نصف مليار جنيه إسترليني.
وحسب البيانات التي قام المركز البريطاني بتجميعها، فقد تم فقد أكثر من 93 ألف يوم عمل، بسبب الإضرابات التي تم إطلاقها منذ منتصف هذا العام، وكانت 92% من هذه الأيام بسبب إضراب عمال قطاع النقل، وخصوصا إضراب عمال السكك الحديدية.
وتفاقم الوضع في شهر أكتوبر/تشرين الأول على الخصوص، حيث تم تسجيل خسارة 417 ألف يوم عمل، بسبب كثرة الإضرابات من طرف سائقي الحافلات والقطارات وقطارات الأنفاق، حيث سجل هذا الشهر أعلى عدد من أيام العمل الضائعة منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011.
وتخلص دراسة المركز البريطاني إلى أن كلفة هذه الإضرابات سوف تصل إلى 1.2 مليار جنيه إسترليني، وسيتم تسجيل 60% من هذه الخسائر خلال شهري ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، بسبب كثرة الإضرابات في فترة أعياد الميلاد.
وسيبلغ عدد أيام العمل الضائعة خلال ديسمبر/كانون الأول ويناير/كانون الثاني، مليون يوم عمل، وهو أعلى معدل لخسارة أيام العمل على مدى 33 عاما منذ 1989.
المصدر : الجزيرة