الباحثة شذى خليل*
سوء الإدارة للملفات السياسية والاقتصادية، تسببت في الاختلالات وعدم التوازن ، وفاقمت الأوضاع المعيشية وأصبح الفقر صفة ملازمة للكثير من المواطنين العراقيين ، حيث ارتفعت نسب البطالة والفقر في جميع المحافظات إلى مستويات قياسية نتيجة الجفاف وتراجع قطاعات الزراعة، والصناعة والاستثمارات، لأنها عجلة التنمية الاقتصادية ، تبدأ بالقطاع الرئيس وهو الزراعة، رغم أن موقع العراق في الجزء الجنوبي الغربي من آسيا، والذي يساعد بتميزه وتنوع مناخه ويؤدى إلى تنوع زراعته، وعامل مهم لنمو وقيام صناعات زراعية اعتمادا على هذا التنوع، كما أنه موقع بحري على منطقة الخليج العربي والتي تعتبر من أهم مناطق العالم في إنتاج النفط، حيث استفاد العراق من موقعه البحري في عملية الاستيراد وتصدير النفط والمواد الأولية العراقية، لكن سوء إدارة موارد البلد جعلت المواطن العراقي رغم ثرواته يعاني من الفقر المدقع.
تتمثل سوء الإدارة بعد 2003 بسعي العراق الى تطبيق نظام السوق وتحرير تجارته الخارجية من اقتصاد مركزي الى اقتصاد السوق، إلا ان هذا التوجه لم يكن تدريجيا ولم تسبقه او ترافقه الإجراءات التي تحد من آثاره السلبية لتحرير التجارة.
لقد أثرت السياسة الجديدة للعراق على القطاعات الإنتاجية المختلفة، ويعتبر القطاع الزراعي من أكثر القطاعات الاقتصادية تأثرا بتحرير التجارة الخارجية، إذ يتميز الإنتاج الزراعي بضعفه لأسباب عديدة مازالت قائمة ولم تعالج، ما أدى الى ضعف مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي، وتشير الأرقام الى ان نسبة مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي انخفضت من 8,7 % عام 2000 الى 5,1 % عام 2007 بسبب تخلف عوامل الإنتاج، وتدني مستوى الإدارة الزراعية للفلاحين، وارتفاع تكاليف الإنتاج، لذلك فإن منتوجنا الزراعي المحلي غير قادر على منافسة المستورد، وفي ظل سياسة الإغراق المتبعة حاليا، والتي أدت الى إغراق السوق العراقية بالمنتجات الزراعية من بعض الدول المجاورة وبأسعار تنافسية.
أما بالنسبة لمتوسط نصيب الفرد من الناتج الزراعي، فمازال منخفضا، إذ بلغ 108 دولارات عام 2002 و155 دولارا عام 2007، وتشكل الصادرات الزراعية 2% عام 2007 من إجمالي الصادرات، في حين تشكل الواردات الزراعية 4,7 % من إجمالي الواردات لعام 2007.
وفق آخر إحصائية لوزارة التخطيط هذا العام. بينت أن عدد الفقراء في عموم العراق يزيد عن 10 ملايين نسمة، وهي نسبة تمثل ربع عدد السكان تقريبا، يتوزعون بنسب مختلفة ومتباينة بين محافظة وأخرى بحسب الوضع الاقتصادي والاجتماعي لكل محافظة.
أكد بعض الباحثين الاقتصاديين، ان محافظة الديوانية “القادسية سابقا” تعتبر عاصمة العراق الزراعية، ويعتمد سكانها على الزراعة والصناعة المدعومة من قبل الدولة من خلال عمليات التجهيز والتسويق، وكان والقطاع الصناعي نشط فيها الى حد ما ، لكن سوء الإدارة والتخطيط والإهمال والفساد، جعلت نحو نصف سكانها يعيشون تحت مستوى خط الفقر، بعدما كانت المحافظة من بين أغنى المحافظات لما تمتاز به من إنتاج زراعي وصناعي.
سياسة إغراق السوق العراقية:
بعد عام 2003 وبعد رفع الإجراءات الحمائية عن منتجات القطاع الزراعي وإهمال هذا القطاع، أصبح العراق يستورد سلة غذائه من دول الجوار خاصة من إيران وتركيا والدول الأخرى، وبعد ان كان العراق يحتل المرتبة الأولى في العالم في إنتاج وتصدير التمور العراقية، أصبح اليوم يستوردها من إيران والسعودية والإمارات، وهو دليل واضح على سوء إدارة القوى المتنفذة الحاكمة لشؤون البلاد، وازدادت بشكل مضطرد سنويا سياسة إغراق الأسواق المحلية بالمنتجات المستوردة الزراعية والصناعية، وعدم تفعيل القوانين والضوابط لحماية القطاع والفلاح، وعدم تنظيم عملية استيراد البضائع او إخضاعها الى قوانين الفحص والتقييس والسيطرة النوعية، وأصبح الإغراق معضلة تتطلب حلولا جذرية. فما المقصود بالإغراق السلعي؟
الإغراق السلعي هو قيام الدولة بتصدير منتج بسعر يقل عن قيمته المعتادة (أقل من سعر بيعه المحلي او أقل من تكاليف إنتاجه)، وهو أسلوب يتَّبع عادة من قبل الشركات المصدرة التي تبيع في سوق دولة أخرى.
لقد أدى النمو الهائل في حجم الإنتاج العالي لجميع السلع الى انتشار صراع وتنافس بين دول العالم للسيطرة على الأسواق وفقا لنظرية التهام السوق التي تتخذها الشركات متعددة الجنسية شعارا لها، ويمكن التحقق من الإغراق في أبسط صورة عند مقارنة الأسعار في سوقي البلدين المستورد والمصدر.
و تعد ظاهرة الإغراق السلعي واحدة من التحديات التي تواجه الاقتصاد العراقي ، ولا سيما بعد عام 2003، حيث شهدت السوق العراقية انفتاحا كبيرا أمام السلع المستوردة من مختلف دول العالم، وكان لهذه الظاهرة أثر كبير على الاقتصاد العراقي في جوانبه المختلفة، حيث أدت الى تراجع القطاع الصناعي والزراعي، وتزايد معدلات البطالة وزيادة الميل نحو الاستهلاك . ومما ساهم في استشراء هذه الظاهرة هو عدم وجود قوانين تنظم الاستيراد، فضلا عن الضعف الواضح في أجهزة الرقابة وتأخر الحكومات المتعاقبة في وضع الحلول لهذه الظاهرة.
القطاع الصناعي لا يختلف كثيرا، بوضعه الحالي، إذ لا يمكنه المساهمة بالتصدير مالم يجري الإصلاح الزراعي والاقتصادي بشكل أساسي ، وتوفير الدعم له ووضع حد لسياسة الإغراق ومعالجة أوضاع الكهرباء والوضع الأمني.
تتميز حاليا المنتجات الصناعية بالتراجع وعدم قدرتها على منافسة المستورد، إذ مازالت منتجاتنا وانخفاض كفاءتها وارتفاع أسعارها وبعدها عن تطبيق إدارة الجودة العالمية (iso 9000 ) لذا ينبغي ان تمتلك منتجاتنا الصناعية قدرة تنافسية حتى يمكن تصديرها للأسواق العالمية.
هذا يثبت القطاع الصناعي لا يزال يعاني الكثير من المعوقات والتهميش وضعف الخبرات والتخطيط ، وهو غير قادر على منافسة المنتوجات الصناعية الأجنبية المتطورة التي فتحت الأبواب الى إغراق السوق المحلية بها وأغلقت العديد من المصانع أبوابها كما انخفض عدد المنشآت الكبيرة من 418 منشأة عام 2002 الى 411 منشأة عام 2006 وانخفض عدد المنشآت المتوسطة من 80 منشأة عام 2002 الى 52 منشأة عام 2006. أما بالنسبة للمنشآت الصناعية الصغيرة فقد انخفضت من 17929 منشأة عام 2002 الى 11620 منشأة عام 2006 بسبب تطبيق سياسة تحرير التجارة وما نتج عنها من سياسة الإغراق التي أدت الى توقف هذه الصناعات التي كانت تنتج ما مقداره (70- 80)% من الإنتاج الوطني.
ختاما يجب ان تلتفت الحكومة الى أهمية التنسيق والتخطيط واستقطاب الأفكار والخطط التي تتناسب مع الوضع الحالي لتحسين القطاع الزراعي وتفعيل المبادرات والمساهمات لهذا القطاع وإعطاء دور أكبر وتحفيز بشكل واع للوقوف على خطط صحيحة، للتنمية والاستثمار ، وتأتي الخطوات التالية نحو الصناعة والتجارة، كما يجب ان يقوم التعاون بين جميع المؤسسات والقطاعات لتحقيق هذه الخطوة .
وحدة الداسات الاقتصادية / مكتب شمال امريكا
مركز الرابط للبحوث والدراسات الاقتصادية