بدأت الأحداث السياسية في العلاقة مع النظام الإيراني والدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو التصعيد والابتعاد عن دائرة التوافقات السياسية بسبب استمرار طهران في عدم الامتثال لقرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتصريحات الأخيرة لرئيسها رافائيل غروسي في 24كانون الثاني 2023 بأن إيران تتجه نحو إنتاج القنبلة الذرية بعد أن أصبح لديها 70 كغم خزين من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% و1000 كغم بنسبة 20 % وامتناعها عن السماح لمفتشي الوكالة بزيارة ثلاث مواقع حول مدينة طهران يشتبه بتخصيب اليورانيوم فيها منذ شهر نيسان 2022 ورفع 27 كاميرة مراقبة في مواقع ومنشآت نووية أخرى وهذا ما يشكل خروجا عن الاتفاق الموقع مع الحكومة الإيرانية واتفاقية برنامج العمل المشترك في اب 2015 .
تزامنت هذه المواقف مع قيام مجلس نواب الاتحاد الأوروبي باتخاذ قرار بإدراج الحرس الثوري الإيراني على قائمة المنظمات الإرهابية وفرض عقوبات مالية واقتصادية على 37 مسؤول وكيان ايراني بسبب الإجراءات والمواقف التي يتخذها النظام الإيراني، وهذا ما أدى إلى ردود أفعال من قبل المسؤولين الإيرانيين اتسمت بالمبالغة والتعنت والتصعيد فقد أعلن قائد الحرس الثوري محمد سلامي أن أيران لديها القدرة على اتخاذ إجراءات رادعة تهدد الملاحة في الخليج العربي والسواحل اليمنية المطلة على باب المندب وهي إشارة تؤكد عمق العلاقات الوطيدة مع مليشيات الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء ولديهم الإمكانية العسكرية على أحداث حالة من التوتر والانفلات الأمني في هذه المناطق المهمة التي ترتبط بالعمق المائي لقناة السويس والبحر العربي والمحيط الهادئ، كما نادت العديد من الصحف الإعلامية القريبة من مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي بالدعوة إلى إغلاق مضيق هرمز وتهديد المصالح الدولية والاوربية في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي.
ان النظام الإيراني بدأ يشعر أنه يفقد الكثير من علاقاته السياسية والاقتصادية مع شركائه وحلفائه الأوربية بعد قرار العقوبات الاخير وانه يبتعد كثيرا في علاقته مع الولايات المتحدة وهذا يشكل عائقا كبيرا في محاولات عقد جلسة الحوار العاشرة من مفاوضات البرنامج النووي الإيراني في العاصمة النمساوية فيينا ويفقد القدره على انفاذ شروطه وتوسيع امكانياته في الحوار بعدما كان يعتمد على المواقف الأوربية في تصحيح بعض من بنود الاتفاق أو محاولة استمالة الإدارة الأمريكية للقبول ببعض الشروط الإيرانية، وأمام هذه المواقف لم تجد القيادة الإيرانية سبيلا في الاتجاه إلى الشرق وبفعالة أكثر وبعلاقة اعمق وهذا ما تحقق في زيارة مساعد الرئيس بوتين ورئيس الدوما الروسي إلى إيران في الأسبوع الماضي والتي اتخذت طابعا اقتصاديا ووجهة في تعميق العلاقات الاقتصادية والتبادلات التجارية والاستثمارات المالية بين البلدين ولكنها في الحقيقة كانت ذات أبعاد سياسية وأمنية إستراتيجية مهمة اتت بعد تصويت البرلمان الأوروبي باعتبار الحرس الثوري على لائحة الإرهاب والمعلومات الميدانية عن قيام إيران بتزويد روسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة، وهذا ما دفع القيادة الروسية للأعلان عن مساندتها للنظام الإيراني في مواجهة الإدارة الأمريكية حيث أن موسكو بدأت تعمل على التصدي للوجود والمصالح الأمريكية في أي بقعة من بقاع العالم بعد موقفها الواضح من النزاع الروسي _الأوكراني والمحاولات الجارية لاستنزاف قدرة الجيش الروسي وتوسيع دائرة الدعم العسكري والمالي للرئيس الأوكراني من قبل دول الاتحاد الاوروبي وتصعيد العقوبات الاقتصادية ضد روسيا مع الإعلان الواضح عن تزويد الجيش الأوكراني بالمعدات والأسلحة الحديثة من الدبابات والمدافع وأنظمة الدفاع الجوي، وهذا ما دعى الروس إلى الاستماع لطلبات المسؤولين الإيرانيين بتزويدهم ببعض المعدات لتحسين امكانياتهم الدفاعية والهجومية العسكرية التي افتقدت الكثير منها بسبب الحصار المفروض عليها ، ومنها ما اتفق عليه بخصوص طائرات سو 35 الإستراتيجية ذات الأبعاد الدفاعية الهجومية ولمديات واسعة ومنظومة الدفاع أس400 وعدد من السفن والفرقاطات البحرية لدعم تواجد قطعات الجيش الإيراني في مضيق هرمز ومساعدة روسيا لإيران في مجالات التقدم العلمي والتكنولوجي الخاص بالأسلحة النووية .
اصبح الموقف الرسمي الإيراني مدرك لتطورات الأحداث وان سياسة العقوبات الأمريكية أصبحت تشكل ثقلا كبيرا على كيفية معالجة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي يعانيها وضعف امكانياته في مواجهة الاحتجاجات الشعبية التي امتدت إلى معظم المدن والاقضية الإيرانية وأصبحت تمثل إرادة حقيقية تطالب بتغيير وإصلاح النظام السياسي وابتعاده عن أساليبه المعتمدة في سياسته الداخلية والخارجية، وأن المسؤولين الإيرانيين أدركوا أن العلاقة مع روسيا أصبحت تعني لهم اختيار استراتيجي بعد أن خسروا الاوربين.
تحاول طهران أن تستغل الأحداث القائمة على المحور الروسي _الأوكراني لتحقيق العديد من الأهداف التي تساعدها على العودة لدورها الدولي والإقليمي وتحسين دورها التفاوضي في حوارات البرنامج النووي مع الدول الغربية وفرض شروطها اذا ما استمرت بعلاقات متميزة ومثيرة مع الجانب الروسي ومعرفة كيفية إدارتها بشكل فعال خاصة وأنها أصبحت جزءا من الدعم العسكري في جبهات القتال بعد أن عرفت إيران إمكانيات طائراتها المسيرة وفعاليتها وهذا ما يحقق لها تقدما فنيا وإمكانية قتالية ودور إقليمي تسعى إليه في منطقة الشرق الأوسط، كما وان مساعدتها لروسيا سينعكس بشكل إيجابي على حضورها الواسع في الميدان السوري بعد التحولات السياسية الأخيرة ومحاولة الروس الجمع بين الاتراك والسوريين وعقد عدة لقاءات على مستوى وزراء الدفاع وقيادات الأجهزة الأمنية لتسوية الأوضاع في الشمال السوري .
لهذه الأسباب مجتمعة نرى أن جميع الأطراف لا تذهب حاليا إلى أي مواجهة عسكرية تجاه النظام الإيراني من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل بعد المناورات العسكرية للطرفين جنوب تل أبيب والتي أخذت اهتماما إعلاميا واسعا كونها تعد أضخم مناورات عسكرية أمريكية في المنطقة العربية وهي الثالثة في غضون عام والأولى من حيث الاعداد ونوعية الأسلحة المستخدمة والامكانيات البشرية فيها خلال عقدين من الزمن ، مع هذا فإن جميع الاحتمالات تشير إلى عدم قيام أي فعل عسكري قادم بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي وان الأولوية لدى واشنطن هو الصراع الروسي _الأوكراني والاختلاف في الرؤى والتجاذبات السياسية حول أهمية الحفاظ على المنطقة العربية من أي أحداث تؤثر على انسيابية تصدير النفط والغاز للعالم وتحديدا القارة الأوربية وان أي عملية عسكرية لا تحظى باتفاق وتغطية أوربية وتراها غير ضرورية في هذه الأوقات وتؤثر على مصالحها وتوجهات الإدارة الأمريكية ولمستقبل الحوار حول البرنامج النووي الإيراني ، كما أن العقوبات الأخيرة كانت لا تستهدف بقاء النظام الإيراني وإنما بسبب تزويده لروسيا بالطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة.
تبقى الاحتمالات الميدانية قائمة في كيفية تسخير الخيار الروسي لخدمة الأهداف الإيرانية وتبادل المصالح المشتركة في منطقة حيوية ومهمة تعتبر إحدى مراكز الارتكاز الأساسي للسياسة الخارجية الأمريكية.
وحدة الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية