تتضارب المواقف العراقية بين مؤيد ورافض لأداء الحكومة الاتحادية، برئاسة محمد شياع السوداني، بعد انقضاء 100 يوم على تشكيلها، وسط جملة تحديات تواجهها على المستويين الداخلي والخارجي، أبرزها تلك المتعلقة بتدهور العملة أمام الدولار وانعكاسها على السوق العراقية التي تشهد ارتفاعاً لافتاً في أسعار المواد الغذائية الأساسية.
وفي 13 تشرين الأول/أكتوبر 2022 كلّف رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد مرشح «الإطار التنسيقي» الشيعي، محمد شياع السوداني، بتشكيل الحكومة الجديدة.
وصوّت مجلس النواب العراقي، في 27 من الشهر ذاته، بالتصويت على الكابينة الوزارية لحكومة السوداني، كما صوت بالأغلبية المطلقة على برنامجه الوزاري.
وفي جرّدة حساب لمرور 100 يوم على تشكيل الحكومة، دعت حركة «امتداد» المنبثقة عن حراك تشرين الاحتجاجي، حكومة السوداني إلى «الاستقالة».
وذكرت في بيان صحافي نهاية الأسبوع الماضي، إنه «خلال 100 يوم من حكومة محمد شياع السوداني، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الدينار العراقي لأرقام قياسية، وارتفعت أسعار المواد وزادت معدلات التضخم، واستمر تهريب العملة الأجنبية للخارج».
وأشارت الحركة إلى «الإخفاق والتعامل السيء مع ملف سرقة القرن والفشل بإدارته» لافتة إلى «تأخير ارسال الموازنة للبرلمان لإقرارها بسبب صراعات الكتل المتحاصصة».
وفي فترة الحكومة الحالية وثّق بيان الحركة الممثلة في البرلمان «إعادة أركان الدولة العميقة، والتكليف بالوكالة للدرجات الخاصة والهيئات المستقلة بدون وجه حق» فضلاً عن «استمرار عدم السيطرة على أموال الجمارك والمنافذ الحدودية، واهمال القطاع الخاص وعدم تفعيله كما وعدوا في البرنامج الحكومي، واستمرار توقف المشاريع المتلكئة والتي كلفت الدولة أموالا طائلة».
ووفقاً للبيان فقد دعت الحركة رئيس مجلس الوزراء إلى «تقديم الاستقالة فوراً للأداء غير الجيد لحكومته».
أما حركة «وعي» المعارضة، فأكدت إن حكومة السوداني «تكرر معها عودة المحاصصة المغطاة بغطاء التوافق» والتي تبقي الأبواب مفتوحة دائماً أمام «الدولة العميقة لإرتكاب الفساد والإثراء على حساب الشعب».
وفي بيان صحافي، أفادت الحركة بأن «النهج الذي انبثقت منه الحكومة لن يأتي بشيء جديد للمواطن سوى استنساخ الأزمات والكوارث وفي مقدمتها ارتفاع سعر الصرف، وسط غياب الإجراءات الرادعة بحق عصابات التهريب والمضاربة به والمسنودة من جهات سياسية متنفذة في الدولة».
وأشّر البيان غموضاً «في الموقف الحكومي من محاسبة الفاسدين واستحكام الأطراف الداعمة لها بالهيمنة على اللجان النيابية لافراغ دورها التشريعي من الرقابة والمحاسبة، فضلا عن مساع ترحيل الانتخابات المبكرة ومحاولات قوى السلطة لإعادة تصميم قانونها بما يضمن هيمنتها وبقائها إلى أطول فترة ممكنة».
في الطرف المقابل، يرى ائتلاف «دولة القانون» المنضوي في «الإطار التنسيقي» الشيعي، إن حكومة السوداني ورثت «تركة ثقيلة» من سابقتها، وإنها «قطعت شوطا طويلا» في تنفيذ برنامجها الخدمي خلال الأشهر الثلاثة الأولى.
وحسب النائب محمد سعدون الصيهود، فإن «حكومة السوداني واجهت تحديات كبيرة وخطيرة داخلية وخارجية منذ بداية تشكيلها ولحد الآن، كما واجهت تركة ثقيلة خلفتها حكومة الكاظمي ورغم تلك التحديات والتعقيدات إلا ان حكومة السوداني نجحت في تنفيذ جزئيات مهمة من برنامجها الحكومي منها تضمين أكثر من 750 ألف درجة وظيفية لتثبيت العقود في الموازنة ومباشرة الجهد الخدمي والهندسي في تأهيل وتطوير المناطق المحرومة واسترداد الأموال المسروقة، فضلا عن تفعيل الاتفاقية العراقية الصينية والتعاقد مع شركة سيمينز الألمانية». وحسب بيان صحافي للصيهود فإن الحكومة «وسّعت دائرة الشمول لمستحقي الرعاية الاجتماعية، وكذلك تخصيص سلة غذائية للمشمولين بشبكة الحماية الاجتماعية، فضلا عن انجاز مفردات الموازنة الاتحادية بوقت قياسي لأول مرة وبشكل غير تقليدي وبما يتناسب والبرنامج الحكومي».
وتختلف الحكومة الحالية عن سابقاتها في إنها تشكلت باتفاق سياسي لجميع الأحزاب، باستثناء التيار الصدري المقاطع للعملية السياسية، الأمر الذي يمنحها فرصة لتحقيق «الاستقرار» و«تصفير» الأزمات على المستويين الداخلي والخارجي.
الكاتب والمحلل السياسي علي البيدر، يقول لـ«القدس العربي»، إن «المشهد السياسي في البلاد متجه نحو الاستقرار أكثر، وان الأمور تزداد تماسكا بكون ان الجميع يدرك ان هذه الحكومة تمثل العامل المشترك الأكبر بين الكتل السياسية، إضافة إلى مواقف السوداني التي تميل إلى احتواء جميع الأزمات بغض النظر عن حجمها».
ووفقاً للبيدر فإن «السوداني يميل إلى الدولة ومؤسساتها أكثر من ميله إلى الأحزاب والتيارات السياسية» مؤكداً إن رئيس الحكومة «يخطط لتصفير جميع الأزمات، وفي حال تحقيق ذلك فإن هذه الحكومة ستكون الأنجح سياسيا، على الرغم من انها تواجه معارضة سياسية وبرلمانية ومجتمعية».
وأضاف: «سياسة السوداني في التعامل مع الأزمات ليست عدائية، فهو لا يميل إلى خلق أزمات وتصفية حسابات ومواجهة الخصوم والتسقيط» معتبراً إنه «حتى الآن لم تواجه حكومة السوداني أزمات حقيقية، بما في ذلك المتعلقة بإقليم كردستان العراق، وهذا الأمر يأتي نتيجة للتوافق» الذي أدى إلى تشكيلها.
وأشار إلى إن «هناك رغبة في تصفير الأزمات التي تشهدها البلاد، والتي أنتجتها الحكومات السابقة. حكومة السوداني غير مسؤولة عن هذه الأزمات، بما فيها أزمة الدولار» موضحاً أن «حكومة السوداني تحاول معالجة هذه الأزمة، «لكن هناك ردة فعل من قبل مافيات الفساد وهذا أمر طبيعي».
ويرى البيدر أن أزمة ارتفاع أسعار الدولار «وقتية وان البلاد لم تتأثر كثيرا بها» مؤكداً أنه «رغم وجود مخاوف من تدهور العملة العراقية وذهابها نحو ما شهدته العملة الايرانية واللبنانية والسورية إلا انها غير واقعية. الاقتصاد في العراق يختلف عن الاقتصاديات في هذه الدول، فهو يمتلك ثروات نفطية ولديه فائض مالي في البنك المركزي».
وعلى المستوى الخارجي، يحاول السوداني «مسك العصا من المنتصف» في مهمة يراها البيدر «صعبة لكنها غير مستحيلة» لافتاً إلى إن «السوداني نجح حتى الآن في إيجاد حالة من التقارب مع المجتمع العربي والإقليمي وحتى مع الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأ وروبا».
وأكد إن «هناك رغبة لدى الحكومة في خلق علاقات متوازنة مبنيه على اساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، الامر الذي يعزز من فرص نجاح الحكومة وفرض واقع عراقي جديد تقوده الدبلوماسية وليس الامزجة والرغبات الجانبية».
وزاد: «مثلما اقتضت المصالح الخارجية خلق ازمة في المشهد العراقي في مرحلة ما، تقتضي هذه المصالح اليوم الذهاب نحو الاستقرار وزيادة مستوى الدعم المقدم للعراق»، مبيناً إن «الزيارات التي اجراها السوداني إلى خارج البلاد، والزيارات المقابلة للوفود الدبلوماسية إلى العراق تؤكد هذا التوجّه».
القدس العربي