تثير بحوث الهندسة الجيولوجية لتعديل الإشعاع من أجل خفض حرارة الأرض الكثير من الجدل، فمن المنتقدين من يقول إن هناك مئة حل لخفض الانبعاثات دون أن تتضمن تقنيات رش الكبريت في الغلاف الجوي، في حين يقول آخرون إن محاكاة الانفجارات البركانية طريقة علمية فاعلة لإنقاذ الكوكب.
أوسلو – فاز العلماء في الدول النامية بأموال جديدة لدراسة ما إذا كان تعتيم ضوء الشمس عن طريق محاكاة الانفجارات البركانية يمكن أن يكون وسيلة آمنة بما يكفي لتبريد مؤقت لكوكب أكثر سخونة.
وأحرز البحث في “الهندسة الجيولوجية الشمسية”، ربما باستخدام الطائرات أو البالونات لرش الكبريت العاكس للشمس في الغلاف الجوي الطبقي، تقدما ضئيلا على الرغم من القلق بشأن ارتفاع درجات الحرارة والتحول العالمي البطيء من الوقود الأحفوري إلى الطاقة المتجددة.
وفي محاولة لبناء الزخم، أعلنت مبادرة ديغريز، وهي مجموعة غير حكومية مقرها المملكة المتحدة، الأربعاء عن تمويل جديد للهندسة الجيولوجية الشمسية بقيمة 900 ألف دولار أميركي للباحثين في 15 دولة بما في ذلك نيجيريا وتشيلي والهند.
وستُدفع الأموال مقابل أبحاث مثل نمذجة الكمبيوتر لدراسة كيف يمكن لتعديل الإشعاع الشمسي أن يؤثر على كل شيء من الرياح الموسمية والعواصف إلى موجات الحر والتنوع البيولوجي.
وتلي المنح الجديدة جولة أولية بقيمة 900 ألف دولار في 2018 تدعم مشاريع في 10 دول نامية لفهم المخاطر مثل تفاقم حالات الجفاف في جنوب أفريقيا أو الآثار المحتملة على إنتاج الأرز والذرة في الفلبين.
وتسيطر حتى الآن الجامعات في الدول الغنية مثل هارفارد وأكسفورد على الأبحاث المتعلقة بتعديل الإشعاع الشمسي على كوكب الأرض.
وقال آندي باركر الرئيس التنفيذي ومؤسس مبادرة ديغريز إن الهدف هو توزيع القدرة على اتخاذ القرارات بحيث تتمكن البلدان الأكثر تأثرا بها من قبولها أو رفضها.
وكان التمويل الجديد من مشروع مشترك بين مبادرة ديغريز العلمية بتمويل من أوبن فيلانثروفي ودعم جزئي من المؤسس المشارك لفيسبوك داستن موسكوفيتز والأكاديمية العالمية للعلوم.
وقال باركر إن “مستوى الأبحاث منخفض بشكل صادم حول العالم نظرا للمخاطر الكبيرة”، وقدّر أنها اجتذبت “عشرات الملايين من الدولارات” على مستوى العالم سنويا.
ويقول المنتقدون إن اتباع هذا الاتجاه كطريقة محتملة للتعامل مع تغير المناخ يمكن أن يعطي شركات الوقود الأحفوري ذريعة للتقاعس عن العمل، ويمكن أن يعطل أنماط الطقس، وربما يؤدي إلى تفاقم الفقر في الدول الأكثر فقرا.
وقال شوكويماريجي أوكيريكي مدير مركز تغير المناخ والتنمية في جامعة أليكس إيكويمي الفيدرالية في نيجيريا، إن الأمر مثير للجدل “يمكنني تحديد 100 حل يمكن للعالم اتباعها لإبطاء تغير المناخ، ولن تظهر الهندسة الجيولوجية من بينها”.
كما أشار أوكيريكي وهو أستاذ زائر في كلية لندن للاقتصاد، إلى أن لجنة رئيسية من علماء المناخ في الأمم المتحدة لم تذكر حتى تعديل الإشعاع الشمسي في ملخص من 48 صفحة العام الماضي لتوجيه صانعي السياسات حول كيفية معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويقول مؤيدو تعديل الإشعاع الشمسي إن التقنية تستمد الإلهام من البراكين، فقد أدى ثوران بركان جبل بيناتوبو في الفلبين سنة 1991، على سبيل المثال، إلى خفض درجات الحرارة العالمية لأكثر من عام، حيث انتشر الغطاء الرمادي عاليا فوق الكوكب.
ويقول العلماء إنه مع السنوات الثماني الماضية التي سجلت أعلى درجة حرارة مسجلة، حيث ارتفعت درجات الحرارة العالمية بالفعل بنحو 1.2 درجة مئوية فوق عهد ما قبل العصر الصناعي (مقتربة من الحد الأدنى البالغ 1.5 درجة مئوية المنصوص عليه في اتفاقية باريس لسنة 2015)، فإن إيجاد طرق للحد من التدفئة يصبح أمرا بالغ الأهمية.
وانتقد فرانك بيرمان أستاذ حوكمة الاستدامة العالمية في جامعة أُترِخت، تعديل الإشعاع الشمسي باعتباره إلهاء عن حاجة الأثرياء إلى خفض الانبعاثات.
وقال إن المواطن الأميركي ينبعث منه 14.7 طنا من ثاني أكسيد الكربون المؤثر على المناخ سنويا، مقارنة بـ1.8 طن فقط للفرد في الهند.
وأضاف أنه إذا كان نصيب الفرد من الانبعاثات في العالم يساوي مثيله في الهند (أو أفريقيا أو معظم أميركا اللاتينية)، فلن يكون تغير المناخ مشكلة كبيرة.
وقال بيرمان إن التخفيضات السريعة لانبعاثات الأثرياء يجب أن تكون محور التركيز الحقيقي للجهود المبذولة لمعالجة مخاطر المناخ بدلا من الحلول التقنية التي تهدف إلى كسب الوقت للتخفيضات.
وتساءل “لمن نشتري الوقت؟ هل لسكان العالم، الفقراء والضعفاء؟ أم لصناعة النفط، وصناعة الغاز، وصناعة الفحم؟”.
وأضاف بيرمان أن 390 عالما وقّعوا على رسالة تحث على حظر استخدام تعديل الإشعاع الشمسي. ورحب بقرار المكسيك الشهر الماضي بحظر التجارب بعد أن أطلقت شركة ناشئة أميركية “ميك سنسيتس” بالونات تحمل الكبريت في المكسيك دون تراخيص.
وعلقت ميك سنسيتس خطط الإطلاق الجديدة منذ ذلك الحين، لكن الباحثين المشاركين في جولة تمويل تعديل الإشعاع الشمسي الجديدة قالوا إن اكتساب المزيد من المعرفة حول خيارات التعامل مع تغير المناخ أمر حيوي.
وقال أندرياس ماير الباحث في جامعة كيب تاون الذي سيدرس كيفية تأثير تعديل الإشعاع الشمسي على التنوع البيولوجي، إن التخفيضات العميقة في الانبعاثات كانت أفضل حل لتغير المناخ.
لكنه أضاف أن “هناك حاجة إلى مزيد من البحث في تعديل الإشعاع الشمسي لفهم فوائده وعيوبه المحتملة”.
وسيدرس فريقه كيف يمكن أن يؤثر ضباب يعتم الشمس على بقاء الحيوانات وتكاثرها، باستخدام قاعدة بيانات تضم 30 ألفا من الثدييات والطيور والبرمائيات والزواحف والأسماك واللافقاريات البحرية.
كما سيلقي الفريق نظرة على كيفية تأثير استخدام تعديل الإشعاع الشمسي على الأمراض التي ينقلها البعوض.
وقالت بوناكباي نارنبيتاك من وكالة تطوير العلوم والتكنولوجيا في تايلاند ومديرة أحد فرق البحث، إنها رحبت بفرص علماء تعديل الإشعاع الشمسي في جنوب الكرة الأرضية للحاق بالبحث الذي أجري في الجزء الشمالي العالمي.
وسيعمل فريقها على دراسة كيف يمكن أن يؤثر استخدام تعديل الإشعاع الشمسي على تدفقات الأنهار في حوض نهر تشاو فرايا في تايلاند، من بين أمور أخرى.
وتوقع باسكال لامي الرئيس السابق لمنظمة التجارة العالمية الذي يرأس لجنة تبحث في ما يجب فعله إذا تجاوزت درجات الحرارة حد 1.5 درجة مئوية، خيارات صعبة في المستقبل مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، مما يؤدي إلى تقلبات الطقس القاسية.
وقال “حتى لو كانت هناك مخاطر واضحة في تعديل الإشعاع الشمسي، هناك أيضا مخاطر هائلة في ظاهرة الاحتباس الحراري. إنها مخاطرة مقابل مخاطرة”.
وستصدر لجنة التجاوزات المناخية، التي ينتمي إليها لامي وتضم الرئيسين السابقين للمكسيك وكيريباس تقريرا في أواخر هذا العام.
وصرّح لامي “أشعر بأنني أمشي في حقل من الألغام الأرضية” عند التفكير في استخدام تعديل الإشعاع الشمسي.
العرب