إسرائيل والفلسطينيون: نهج العودة من الطريق المسدود

إسرائيل والفلسطينيون: نهج العودة من الطريق المسدود

لقد حان الوقت لإسرائيل والفلسطينيين لمواجهة الحقيقة المرة وقبول بعض الحقائق على الأرض، التي لا يمكن لأي طرف تغييرها دون وقوع كارثة. هذه الحقائق التي لا مفر منها ستؤطر ملامح اتفاق السلام في سياق كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية – أردنية.

القدس – أخضع القادة الإسرائيليون والفلسطينيون خلال 55 عاما من الاحتلال أربعة أجيال من الشباب لنفس المصير المرعب المضلل مثل آبائهم وحتى أجدادهم. لا يمكن لأي جانب أن يغير الأساسيات بشكل كبير حتى يبرر عن بعد المزيد من التضحيات التي سيتحملها الجيل القادم.

لقد حان الوقت لكلا الطرفين لإدراك أن حلّ نزاعهما يعتمد على قبول أن الصراع قد تغير وأن حقائق لا رجعة فيها على الأرض قد تطورت ولا تخضع لتغيير جذري بأي شكل من الأشكال دون وقوع حدث كارثي.

ويرى الصحفي الأميركي ألون بن مئير ضرورة التعايش بين الإسرائليين والفلسطنيين على أساس حل الدولتين، ويقترح لبلوغ ذلك إقامة الدولة الفلسطينية في سياق كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية – أردنية.

ويشير بن مئير إلى أن هذا الحل قد يثبت في النهاية أنه الحل الوحيد الدائم والقابل للتطبيق.

ويتم تعريف الاتحادات الكونفدرالية بأنها “تجمعات تطوعية لدول مستقلة، لتأمين بعض الأغراض المشتركة، توافق على قيود معينة على حريتهم في العمل وإنشاء آلية مشتركة للتشاور أو التداول. وفي اتحاد كونفدرالي إسرائيلي – فلسطيني – أردني تتحد الدول المستقلة بشأن القضايا ذات الاهتمام المشترك التي لا يمكن معالجتها إلا في ظل تعاون كامل في إطار كونفدرالي، مثل السكان المختلطين واللاجئين الفلسطينيين والأمن القومي والقدس”.

إقامة دولة فلسطينية
الكونفدرالية ستلبي المتطلبات الجماعية والفردية لجميع الكيانات الثلاثة دون المساس بسيادتها واستقلالها

بالنظر إلى أن الفلسطينيين لن يتخلوا أبدا عن حقهم في إقامة دولة، وتدهور العلاقات بشكل خطير بين إسرائيل والفلسطينيين، وانعدام الثقة المطلق بينهما، فإن قيام دولة فلسطينية أمر لا مفر منه.

وسترفض إسرائيل رفضا قاطعا حل الدولة الواحدة لأنه سيهدد الأغلبية اليهودية في الدولة، ولذا، فإن حلّ الدولتين هو الخيار الوحيد، وهو الذي سيرسي أيضا الأساس لاتحاد كونفدرالي. لن توافق إسرائيل على كونفدرالية ثنائية مع الفلسطينيين.

ولن يتم العثور على حل للصراع من وجهة نظري إلا في سياق كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية – أردنية. فالأردن، الذي وقع معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 1994 ويتعاون معها بشكل كامل على جبهات متعددة، لديه مخاوف أمنية جوهرية طويلة الأجل مرتبطة بالنزاع. ومن جانبه لن يوافق الأردن على تشكيل كونفدرالية مع الفلسطينيين ما لم تقم أولا دولة فلسطينية.

ولقد أوضح المسؤولون الأردنيون موقفهم بشأن هذه القضية بشكل قاطع: إذا كانت عمان في مرحلة ما جاهزة للانضمام إلى كونفدرالية إسرائيلية – فلسطينية، فيجب أولا تلبية هذا الشرط الأساسي مسبقا.

يتداخل السكان الإسرائيليون والفلسطينيون في الضفة الغربية مع بعضهم البعض، حيث يوجد ما يقرب من 2.3 مليون فلسطيني وحوالي 432.000 إسرائيلي.

ويوجد في القدس الشرقية ما يقرب من 361000 فلسطيني و233000 إسرائيلي، وفي إسرائيل نفسها هناك 1.8 مليون مواطن عربي إسرائيلي وحوالي 6.6 مليون يهودي إسرائيلي. وفي الأردن يقدر عدد السكان ما بين 55 و70 في المئة من أصل فلسطيني، وهو ما يترجم إلى ما يقرب من 6 إلى 8.2 مليون شخص.

وبينما يتم فصل ما يقرب من مليوني فلسطيني في غزة عن إسرائيل نفسها، فإنهم يحافظون على علاقات عميقة مع إخوانهم الفلسطينيين في الضفة الغربية الذين يتواصلون معهم بانتظام.

هذا الواقع المتمثل في تداخل السكان الإسرائيليين – الفلسطينيين والفلسطينيين – الأردنيين مع بعضهم البعض لم يخضع ولن يخضع للتغيير بأي طريقة جوهرية، هذا بخلاف ربما إعادة توطين ما بين 70.000 و80.000 مستوطن إسرائيلي في مستوطنات أخرى أكبر بموجب تبادل الأراضي، وهو ما وافق عليه الطرفان في الماضي من حيث المبدأ. وبالتالي، فإن التعايش بين السكان الإسرائيليين والفلسطينيين تحت أي ظروف سلام أو عداء هو قائم. ولا يمكن لأي طرف أن يطرد الطرف الآخر من الأراضي التي يحتلها حاليا، ولا خيار أمامهما سوى قبول هذه الحقيقة على الأرض بغض النظر عن شدة العنف بينهما ومهما طال الوقت.

بخلاف السكان المختلطين “والداخلين بعضهم ببعض”، فإن التواصل الجغرافي بين إسرائيل والأردن والأراضي الفلسطينية والأمن القومي المشترك بينها والتفاعلات على العديد من الجبهات الأخرى يزيد فقط من الحاجة إلى تعاون أكبر بين الأطراف الثلاثة. وهذا هو المكان الذي تصبح فيه الكونفدرالية أمرا مركزيا، لأنها ستلبي المتطلبات الجماعية والفردية لجميع الكيانات الثلاثة دون المساس بسيادتها واستقلالها.

منذ إنشاء إسرائيل عام 1948 ، الأمر الذي أدى إلى نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، أصر الفلسطينيون بدعم من الدول العربية على “حق العودة”. ومنذ ذلك الحين تضاعف عدد اللاجئين من حوالي 750.000 نزحوا من فلسطين إلى ما يقرب من 6 ملايين. ورفضت إسرائيل على مرّ الزمن بشكل قاطع عودة أي عدد كبير من اللاجئين. وتواصل السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة الإصرار على حق العودة باعتباره شرطا

لا غنى عنه للتوصل إلى اتفاق مع إسرائيل، وهي تعلم جيدا أنه لا يوجد أي احتمال بأن تتم تلبية مطالبها على الإطلاق.

وللأسف، إن لم يكن بشكل مأساوي، يستخدم القادة الفلسطينيون اللاجئين كأداة سياسية لتبرير رفضهم للتوصل إلى أي اتفاق تفاوضي، بينما يتخلون عنهم في مخيمات اللاجئين

لأكثر من سبعة عقود. فقط تخيل، أربعة أجيال من الفلسطينيين الذين يمثلون أكثر من 95 في المئة من جميع الفلسطينيين الذين يعيشون اليوم، ولدوا تحت الاحتلال.

ولقد تم تضليلهم للاعتقاد بأن يوم خلاصهم قد اقترب، في حين أن ذلك اليوم لم يأت ولن يأتي.

وعلاوة على ذلك، فقد تم استغلال اللاجئين الفلسطينيين وإساءة معاملتهم طوال هذه السنوات، حيث خدموا قادتهم الفاسدين والمتعطشين للسلطة الذين استخدموهم ككبش فداء لتبرير سياستهم المضللة بشكل مأساوي.

ويجب على القادة الفلسطينيين الحاليين والمستقبليين أن يكونوا صادقين مع جمهورهم وأن يبدأوا الحديث عن التعويض أو إعادة التوطين، ووضع حد لبؤس اللاجئين ويأسهم.

ويسمح إنشاء اتحاد كونفدرالي بتسوية مشكلة اللاجئين، فالأردن وإسرائيل والفلسطينيون بدعم مالي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية الثرية على وجه الخصوص، ستشارك بشكل كامل في عملية إما إعادة التوطين وإما التعويض وإما كليهما. ولا يزال هناك مخيمان للاجئين الفلسطينيين في الأردن، وهذان يجب أن يكونا أيضا جزءا من الحل الشامل لمشكلة اللاجئين في إطار الاتحاد الكونفدرالي.

قد يجد الأشخاص الذين هم على دراية بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني مزايا أو عيوبا محددة في خطة الاتحاد الكونفدرالي، لكن الحكومة الإسرائيلية الحالية مصممة على منع الفلسطينيين من إقامة دولة خاصة بهم، لكنها لن تنجح.

وستفشل إسرائيل لأن الفلسطينيين لن يتنازلوا أبدا عن حقهم في إقامة دولتهم وستستمر إراقة الدماء ما داموا محرومين من تحقيق تطلعاتهم.

وسوف تفشل إسرائيل لأن الفلسطينيين يتمتعون بدعم دولي لا يتزعزع وشبه إجماعي، بما في ذلك من الدول العربية. وستفشل لأن غالبية الإسرائيليين يدركون مخاطر استمرار الاحتلال وعواقبه الوخيمة على المدى الطويل.

وأخيرا، ستفشل بسبب الطبيعة المزعزعة للاستقرار للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في جميع أنحاء المنطقة وتأثيره السلبي على المصالح الجيوستراتيجية، وخاصة مصالح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية.

ونظرا لاستعصاء الصراع وتعقيداته وعمق انعدام الثقة والكراهية والعداوة بين إسرائيل والفلسطينيين، سيكون من السذاجة افتراض أن مثل هذا الحل يمكن التفاوض عليه ببساطة والتوصل إلى اتفاق.

وسيستغرق الأمر ما لا يقل عن عقد من عمليات المصالحة، سواء بين الناس أو بين الحكومات، للتخفيف من حدة الأجواء العدائية والريبة قبل أن يتم تحقيق اتفاق نهائي، طالما أن مبدأ تأسيس دولة فلسطينية مستقلة متفق عليه منذ البداية.

وفي غضون ذلك، يجب على كلا الجانبين التفكير في شيء واحد: أنّ تعايشهما أمر حتمي وغير محدود. والسؤال هو ما إذا كانوا يريدون العيش في سلام والنمو والازدهار معا، أو الاستمرار في إراقة دماء بعضهم البعض على مدار الـ75 عاما القادمة دون أي قدرة على تغيير جوهر الصراع بأي طريقة ذات جدوى.

العرب