أوطان جديدة للاجئين

أوطان جديدة للاجئين

580

في مختلف بلدان أوروبا والولايات الأميركية تجري الآن المناقشات والمناظرات حول المخاطر المترتبة على قبول المزيد من اللاجئين من سوريا، أو في واقع الأمر من أي دولة ذات أغلبية مسلمة حيث يستطيع أعضاء تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية أو المتعاطفون مع مثل هذه المنظمات أن يتسللوا مع أسرهم. بيد أن هذه المناقشة جانبها الصواب في أمرين مهمين.

أولا، لا يوجد دليل حتى الآن يشير إلى أن أيا من المهاجمين قَدِم بالفعل من سوريا كلاجئ. ويبدو أن جواز السفر الذي وُجِد بالقرب من جثة أحد المهاجمين كان مسروقا. وقد نشأ المهاجمون الذين حددت الشرطة هوياتهم في بلجيكا أو فرنسا. أي أنهم مواطنون متطرفون وليسوا أجانب فارين.

وثانيا، أصبح عدد اللاجئين على مستوى العالم الآن 60 مليون لاجئ. ويعادل هذا الرقم تقريبا عدد سكان بلجيكا أو المجر أو السويد ست مرات. وإذا كان لهم أن ينشئوا وطنا خاصا لهم، فسوف يكون بحجم فرنسا. وفي مواجهة هذه الأرقام المذهلة، فإن التعهدات بقبول الآلاف أو حتى عشرات الآلاف من البشر لن تفعل أي شيء تقريبا لتخفيف بؤس الملايين.

وبدلا من الخلط بين قضايا اللاجئين وقضايا الإرهاب، ينبغي للساسة والمشرعين أن يعكفوا على معالجة كل على حدة. وفيما يتعلق بمسألة اللاجئين، ينبغي للدول الغربية أن تستقبل أكبر عدد ممكن يستطيع سكانها استيعابه، وأن تُظهِر استعدادها لاحترام القيم العالمية التي تجاهر بها سواء كان ذلك لأسباب أخلاقية أو سياسية.

بيد أن العالم يحتاج أيضا إلى حلول أكثر جرأة من أساليب القرن العشرين مثل حصص اللجوء المحدودة ومخيمات اللاجئين “المؤقتة”. وبشكل خاص، حان الوقت الآن لتبني إمكانية بناء مدن وليس مخيمات للاجئين، أماكن حيث يستطيع مليون من اللاجئين من أي جنسية بعينها أن يعيشوا بسلام وأن يتعلموا كيف يبنون مستقبلا أفضل.

وقد بدأ المعهد الديمقراطي الوطني يعيد تصور مخيمات اللاجئين ومخيمات النازحين داخليا، بوصفها أماكن حيث يستطيع المواطنون “العثور على أصواتهم” باعتبارهم ناخبين ومشاركين في العملية الديمقراطية. فبدلا من بقائها كتجمعات من اليائسين المعدمين والضعفاء الذين ينتظرون يوم العودة الذي قد لا يأتي أبدا، ينبغي لنا أن نعيد تصور مستوطنات اللاجئين جوهريا، باعتبارها مراكز للتعلم والمبادرة، والحقوق المتساوية التي يمكنها أن ترتكز على شبكات من الأقارب والأصدقاء تمتد إلى الموطن الأصلي ومختلف أنحاء العالم.

وبدلا من استقبال الأفراد الذين يطلبون اللجوء من بيئة سامة ومهلكة في مخيمات، يصبح من الممكن استقبالهم في مدن أولية، حيث يستطيع “المجتمع العالمي”، ممثلا في المؤسسات الدولية، والمنظمات غير الحكومية، والحكومات، والمواطنين، أن يشجع الأمل في حياة مختلفة أكثر أمانا عن طريق رعاية بذور إيجابية تتمثل في المعرفة، ورأس المال، والحكم الذاتي الليبرالي.

تُرى هل هذا مستحيل؟ الواقع أن الملياردير المصري نجيب ساويرس يتفاوض حاليا مع مالكي جزيرتين يونانيتين على خطة لإعادة توطين مئات الآلاف من اللاجئين وتشغيلهم في بناء المساكن والبنية الأساسية.

إذا كان أصحاب الملايين قادرين بالفعل على شراء جزيرة لاستخدامها مكانا للاستجمام -عن طريق موقع “جزر خاصة” على شبكة الإنترنت على سبيل المثال- فلماذا لا تُشترى هذه الجزر مقصدا لمئات الآلاف من النازحين من البشر الذين يصبح بوسعهم آنئذ بناء البنية الأساسية اللازمة لحياة جديدة؟ ولماذا لا تفعل منظمات دولية نفس الشيء؟

بوسع البلدان المجاورة بدلا من ذلك أن تغتنم الفرصة، بالاستعانة بالقدر الكافي من المساعدة الدولية، لبناء المدن التي ستصبح مراكز قيمة للتجارة والتعليم لسكانها. من المعروف أن الصين تسعى إلى تنفيذ هذه الإستراتيجية على وجه التحديد، حيث تبني المدن للملايين من البشر من أجل خلق مراكز للنشاط الاقتصادي والاجتماعي في مختلف المناطق الريفية.

ومن شأن هذا النهج أن يجعل كل البلدان أفضل استعدادا وأكثر مرونة في التعامل مع التدفقات المستمرة من الملايين من البؤساء والغاضبين في نهاية المطاف. فكثيرا ما تعمل مخيمات اللاجئين اليوم كمرتع لتوليد الإرهاب وأوهام الانتقام والتمرد المسلح. وعلى النقيض من هذا، تستطيع المدن التي يسكنها أناس مشردون بلا دولة، تحت حماية المنظمات الدولية، أن تزود مواطنيها بالأدوات اللازمة لبناء حياة أفضل.

من ناحية أخرى، نحن نعرف عن المواطنين الغربيين المتطرفين الذين يقاتلون في صفوف داعش أكثر مما توحي به التقارير الإعلامية. وقد قامت مؤسسة نيو أميركا البحثية التي أتولى رئاستها بتجميع قاعدة بيانات عن 466 فردا من 25 دولة غربية تركوا ديارهم للذهاب إلى سوريا. وفي الأسبوع الماضي، أطلق الباحثون بيتر بيرجن وكورتني شوستر وديفد ستيرمان دراسة بعنوان “داعش في الغرب: وجوه جديدة للتطرف”، حيث ظهرت ملامح مميزة للعديد من هؤلاء الأفراد.

ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن أغلبيتهم تربطهم علاقات أسرية بجهاديين آخرين. إذ تشير تقارير حديثة عن بلدية مولينبيك في بروكسل، باعتبارها حاضنة رئيسية لأنصار القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، إلى أن العلاقات الأسرية والمجتمعية تشكل أهمية كبرى. وكانت “مساجد النقاط الساخنة” تحت أنظار الباحثين في مجال مكافحة الإرهاب وفرق عمل الشرطة لفترة طويلة.

وتكشف خريطة هذه الأسر والمساجد والضواحي عن شبكة تبدو أشبه بخرائط انتشار المرض، فتتعقب انتشار الميكروب وهو ينتقل عبر مسالك حيث من الممكن أن تصيب عدواه آخرين. وقد أثبت تطبيق أساليب البحوث الوبائية في تعقب وعزل وعرقلة انتقال العنف والأيديولوجيات المتطرفة التي تولده، نجاحه في سياق الولايات المتحدة بالفعل.

على سبيل المثال، تعمل منظمة “عالجوا العنف” مع العصابات في المناطق الحضرية وتعالج العنف “وكأنه وباء” فتمنعه من خلال “وقف انتشاره من المنبع”. وقد يكون المصدر الأيديولوجي للإرهاب الجهادي في نهاية المطاف في سوريا أو العراق أو أفغانستان أو مالي، ولكن مصدر جنود المشاة في الغرب هو المجتمعات التي تحتوي على شباب مبعدين مستوحشين جوهريا.

الواقع أن التجمعات السكانية التي تعيش في خوف من الممكن أن تستحضر بسهولة صورا للاجئين متطرفين ينسلون عبر الحدود وكلهم إصرار على نشر الفوضى. بيد أن الحقائق المحيطة بكل من اللاجئين والإرهابيين أكثر تعقيدا من ذلك إلى حد كبير.

ومن حسن الحظ أن الدراسة المتأنية للحقائق في كلتا الحالتين من الممكن أن تفضي إلى مسارات جديدة واعدة لحلول أطول أمدا وأكثر قدرة على إيجاد التوازن بين المتطلبات الأمنية والإنسانية.

آن ماري سلوتر

نقلا عن الجزيرة