لم يعد خافيا على أحد حجم التحديات التي تواجه القائمين على الحكم في العراق، بعد سلسلة الإخفاقات والخيبات التي رافقت إدارتهم للحكم منذ احتلال العراق وحتى الآن.
هذه الإخفاقات ترافقت مع أزمة ثقة بين القائمين على إدارة شؤون العراق، الأمر الذي تسبب في ضياع ثروته، وخروج نحو نصف مساحة البلاد عن السيطرة، ناهيك عن استقطاب طائفي وتحريض على تسعيره أدى إلى مقتل وتهجير ملايين العراقيين، سواء في داخل العراق أو خارجه.
المحزن في المشهد العراقي أن ساسته رغم كل هذه الخيبات، يتحدثون عن المصالحة الوطنية، وتكريس سياسة التسامح بين مكوناته، ناسين أن من يعيق تحقيق هذه الأهداف هم أنفسهم؛ من فرط تفردهم بالقرار السياسي من دون مشاركة الآخرين، الأمر الذي عطل كل المحاولات الجادة التي بذلت خلال السنوات الماضية لتحقيق المصالحة، فبقيت حبرا على ورق جراء سياسة الإقصاء والتهميش لمكونات لها الحق في المشاركة في صياغة مستقبل وطنها.
ولعل التظاهرات الاحتجاجية التي تشهدها بغداد وعدة مدن عراقية، هي الدليل على رفض الجمهور الذي ضاق ذرعا بساسة أوصلوا العراق إلى الحال التي يتخبط بها من دون أمل بالخروج من هذا النفق المظلم. ومع ذلك، يرفض هؤلاء الساسة تحقيق مطالب المحتجين، لاسيما إلغاء نظام المحاصصة الطائفية الذي تمترس خلفه ساسة فاشلون، احتموا بهذا النظام الذي كان سببا في تعطيل جميع الدعوات لإصلاح النظام السياسي، باستحواذ مجموعة من حيتان السياسة على مقدرات البلد الذي يتحملون فشل الإصلاحات الحقيقية التي تنقذه من محنته.
إزاء سياسة التعطيل التي تقف وراءها قوى متضررة من الإصلاحات المنشودة، هل يستطيع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي المضي قدما في إجراءاته الإصلاحية؟
يكمن الجواب في أنه في ظل الأوضاع الأمنية والمالية وأزمة الثقة بين القائمين على الحكم، فإن العبادي يواجه مصاعب في تنفيذ حزمة الإصلاحات التي تشكلت حكومته على أساسها، وذلك للأسباب الآتية:
*المعطلون للإصلاحات يدفعون باتجاه إعادة ترتيب الأولويات من خلال شعار محاربة “داعش” كأولوية تتقدم على جميع الأولويات، في محاولة لإفشال أي إصلاح حقيقي يستهدف مراكز قواهم في الحكم.
*سعي القوى المستهدفة بالإصلاح إلى إفشال وتفريغ شحنة الغضب الشعبي المتمثل في التظاهرات الشعبية والشعارات التي تشير صراحة إلى القوى والشخصيات التي تسببت في ضياع ثروة العراق، والانتكاسات الأمنية. ومن ثم، محاولة حصرها بمطالب لا ترتقي إلى الإصلاحات المنشودة.
*التشكيك بقدرة أي إجراء حقيقي قد يقود إلى مصالحة حقيقية ومشاركة الآخرين في صياغة مفهوم الشراكة والعيش المشترك.
*التلويح بعصا المليشيات المسلحة كخيار قد يلجأ إليه المتضررون من الإصلاحات عند الحاجة.
استنادا إلى ما تقدم، هل بإمكان القائمين على الحكم في العراق تجاوز مخلفات نظام المحاصصة الطائفية، ومستجدات الأزمات السياسية والأمنية والمالية، بإجراءات إصلاحية أثبتت الوقائع أنها غير قابلة للتطبيق؛ لأنها تمس مصالح المتمترسين خلف نظام المحاصصة الطائفية، ومن تسبب في وضع العراق في هذا الوضع الخانق الذي يتخبط فيه؟
ربما نحتاج إلى عملية إنقاذية غير متوفرة اشتراطاتها في الوقت الحاضر.
أحمد صبري
صحيفة الغد الأردنية