طهران– في 27 فبراير/شباط الماضي، أعلنت إيران اكتشاف الليثيوم في سهل قهاوند، الواقع على بعد أكثر من 50 كيلومترا شرق مدينة همدان غربي البلاد.
وقدّر محمد هادي أحمدي، المسؤول في وزارة الصناعة والتعدين والتجارة الإيرانية، احتياطيات الليثيوم المكتشف (صخور الليثيوم) بنحو 8.5 ملايين طن، في حين أوضحت وسائل إعلام إيرانية أن الاحتياطيات تأتي من منجمين منفصلين بمساحات تبلغ نحو 6 كيلومترات مربع.
وبهذا الاكتشاف أصبحت إيران تحتل المركز الرابع على المستوى العالمي في احتياطيات الليثيوم بعد بوليفيا التي يُقدّر إجمالي مخزونها 21 مليون طن، تليها الأرجنتين 19 مليون طن ثم تشيلي التي تمتلك 11 مليون طن من الليثيوم.
وحددت “هيئة المسح الجيولوجي الأميركية” العام الماضي، أن هناك 89 مليون طن من الليثيوم في جميع أنحاء العالم، وأثار الإعلان عن اكتشاف إيران نحو عُشر احتياطيات الليثيوم عالميا تساؤلات عن مدى قدرتها على التعدين والاستخلاص.
ما أهمية الاكتشاف الجديد على المستوى العالمي؟
يعرف معدن الليثيوم بـ”الذهب الأبيض” لأهميته البالغة في الصناعات الحديثة من جهة واحتمالات نفاد المناجم المكتشفة من جهة أخرى، ما يجعل الدول المنتجة لهذا المعدن ذات أهمية كبيرة على غرار الدول النفطية الكبرى.
كما يؤدي الاهتمام المتزايد بالعربات الكهربائية في القرن الـ21 إلى سطوع نجم الليثيوم وارتفاع الطلب عليه باعتباره المادة الرئيسية لوحدات تخزين الطاقة للسيارات الكهربائية.
ويعد الليثيوم مادة رئيسية في الصناعات النووية والعسكرية والفضائية والتكنولوجية ويستخدم في صناعة الهواتف المحمولة ورقائق الحواسيب العملاقة وإنتاج الطاقة الشمسية.
وتخطط طهران للاستفادة من الليثيوم للنهوض بالقطاعات الصناعية المتعثرة وتوفير فرص عمل جديدة وموارد إضافية من العملة الصعبة، بالإضافة إلى رفع الناتج القومي للبلاد وربط الاقتصاد الوطني بالاقتصاد العالمي.
وتصف الدكتورة زينب دارائي زاده الأستاذة في قسم الجيولوجيا بجامعة بوعلي سينا الإيرانية معدن الليثيوم بأنه مادة إستراتيجية، مشيرة إلى أن أهمية اكتشافه تكمن في استخداماته الفريدة من نوعها في صناعات مثل صناعة الطائرات وذلك لخفة وزنه وصلابته ومقاومته العالية.
وأوضحت دارائي زاده أنه بسبب صعوبة استخلاص الليثيوم وأسعاره المرتفعة، لا يتم بيع المعدن الأبيض إلا بكميات صغيرة لا تتعدى الكيلوغرامات، ولفتت إلى أن حجم المخزون المكتشف من الليثيوم في إيران يجعلها ضمن الدول الأولى على الصعيد العالمي، ومن شأن ذلك أن يحدث تحولا هائلا في اقتصاد إيران الوطني.
متى ستبدأ طهران بإنتاج الليثيوم؟
أعلن محمد هادي أحمدي، أحد مسؤولي وزارة الصناعة والمناجم والتجارة الإيرانية، أن بلاده ستبدأ الإنتاج من رواسب خام الليثيوم المكتشف في محافظة همدان بحلول عام 2026، موضحا أن طهران تعكف في الوقت الراهن على دراسة القدرات التقنية المتوفرة في دولتين متطورتين في إنتاج الليثيوم، وذلك من خلال عقد شراكة مع مستثمرين من القطاع الخاص.
وفي هذا السياق يقول محمد معاني جو، أستاذ علم الجيولوجيا الاقتصادية في جامعة بوعلي سينا الإيرانية، إن الخطوة التالية بعد اكتشاف مخزون الليثيوم تتمثل في استقطاب الاستثمارات وتوفير المعدات اللازمة لمعالجة المناجم واستخلاص معدن الليثيوم النقي، موضحا أن بلاده بحاجة لاستثمارات بملايين الدولارات لتحويل المناجم إلى مشاريع مجدية اقتصاديا.
وأكد معاني جو، في تصريحات صحفية، ضرورة التشاور مع الدول المتطورة في مجال استخلاص الليثيوم للاستفادة من التجارب والتقنيات التي توصلت إليها، موضحا أنه لا جدوى كبيرة متوقعة من خلال بيع صخور الليثيوم والمواد المنجمية الخام، لذلك لا بد من التخطيط لاستخلاص المعدن النقي حيث يوجد نحو 85 غراما من المعدن الأبيض في كل طن من المواد المعدنية الخام.
من ناحيته، يشير الباحث الاقتصادي، بيمان يزداني، إلى أن بلاده لا تمتلك التجربة الكافية والتكنولوجيا اللازمة لاستخلاص الليثيوم في الوقت الراهن، وتوقع أن تتجه طهران نحو حلفائها الشرقيين للاستثمار في مناجم همدان، وذلك في ظل التنافس بين القوى الشرقية والغربية على الاستثمار والحصول على أكبر كميات من الليثيوم.
وفي حديثه للجزيرة نت، أكد يزداني أن بلاده لم تتفق بعد بشكل نهائي مع أي من الأطراف الخارجية للاستثمار في مناجم الليثيوم، إلا أن الصين تتصدر قائمة الأطراف المحتملة للتعدين والتنقيب عن الليثيوم في إيران تليها روسيا في المرتبة الثانية، مستدركا أنه لا يستبعد التشاور مع قوى شرقية أخرى مثل اليابان وكوريا الجنوبية.
ما قدرة الاكتشاف الجديد على إنعاش الاقتصاد الإيراني المحاصر؟
رغم تفاءل محمد إسلامي الباحث في الاقتصاد السياسي، في أن يسهم الاكتشاف الجديد بتحسين حال الاقتصاد الوطني وإبطال مفعول العقوبات الأجنبية، إلا أنه سرعان ما يستدرك بأن إيران غنية بالفعل بالعديد من المعادن النفيسة لكن العقوبات تعرقل عجلة التنمية وتحول دون ازدهار بعض القطاعات مثل النفط والغاز.
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى إسلامي أن الاكتشاف الجديد سيغني البلاد عن استيراد هذا المعدن الإستراتيجي على أقل تقدير خلال الفترة المقبلة، لكنه استبعد في الوقت نفسه أن يحدث ذلك طفرة هائلة في الاقتصاد الوطني.
وأوضح إسلامي، أن صناعة تعدين الليثيوم ليست متطورة في بلاده، وأن عملية الإنتاج التقليدية تواجه عراقيل عديدة، مما يجعل تحويل المناجم والصخور المكتشفة إلى مشاريع عملاتية يستغرق ما لا يقل عن 10 أعوام.
المصدر : الجزيرة