احتفل الفلسطينيون بيوم الأرض، على طرفي «خطّ النكبة»، الذي يفصل حدود إعلان دولة إسرائيل عام 1948، عن الأراضي المحتلة بعد هزيمة العرب في عام 1967، كما على طرفيّ الجغرافيا والسياسة الذي تشكّله السلطة الوطنية في رام الله، وسلطة «حماس» في غزة، وامتدادا إلى فلسطينيي اللجوء العربي والشتات العالمي.
واقعة الاحتفال (أو حتى الإحساس الجمعي الفلسطيني بأهمية هذا اليوم فحسب) هي عمليا كسر للحدود التي فرضتها النكبات والهزائم، وتذكير بنضال الفلسطينيين لتغيير الواقع المفروض عليهم منذ 75 عاما، حين أعلنت دولة إسرائيل (وقبلها الاحتلال البريطاني عام 1920).
لا شيء أكثر من الأرض يمكن أن يلخّص مسألة الوطنية الفلسطينية ونضالها لإعادة الالتئام والتوحد، والتعبير عن آمال وآلام شعب واحد انهمكت المعادلات الدولية، والتغيرات العربية، والاحتلال الإسرائيلي، على تقسيمه، على أمل إلغائه.
واجه «يوم الأرض»، منذ اعتماد الفلسطينيين له في 30 آذار/مارس عام 1976، فكرة إسرائيل نفسها، باعتبارها هجوما مسلّحا للسطو على أراضي شعب عميق الجذور، يشكّل الفلاحون نسبة غالبة فيه، كما كان ردا واضحا على سياسات المصادرة والاستيطان، بقدر ما كان إعلانا عن الوحدة الوطنية الفلسطينية.
تزامنت هذه المناسبة، أمس، مع خبر تجريد الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) لإندونيسيا من حق استضافة كأس العالم تحت 20 عاما، وكذلك إعلانه عن «عقوبات» محتملة ضد الاتحاد الإندونيسي للعبة، على خلفية اعتراض جاكارتا على مشاركة منتخب إسرائيل.
إندونيسيا دولة تسكنها أغلبية مسلمة، وليست لديها علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، وكانت تتطلع لتلك البطولة لكنّ ضغوطا سياسية وشعبية أدت لقرار استبعاد إسرائيل، الذي كلّفها خسارة البطولة، وهو أمر مثير للتفكّر، لأنه يأتي من دولة بعيدة جغرافيا عن فلسطين، ولكونه يبدو غريبا بالمقارنة مع تهافت دول عربية على التطبيع مع تل أبيب، رغم تصاعد المدّ اليميني العنصري المتطرّف، واشتداد الهجمات على الفلسطينيين.
يعطي مثال إندونيسيا أملا للفلسطينيين بأن قضيتهم ليست منسيّة، وأن حسابات السياسة والرياضة والمصالح والأمن والتجسس والتسلح، لا تتفوق على المبادئ الإنسانية، وهو ما يوجب التحيّة لجاكارتا، كما لكل من يساند الفلسطينيين.
يرتبط الموضوعان الآنفان، بالضرورة، بالأزمة التي خلقها الائتلاف العنصريّ المشكّل للحكومة الإسرائيلية، والذي جعل مهمّته الأولى هي إخضاع القضاء الإسرائيلي لسلطة الحكومة، وهو أمر يعني الفلسطينيين بأكثر من شكل، فرغم مواقف «المحكمة العليا» الإسرائيلية المؤيدة للاحتلال والاستيطان وانتهاك حقوق الفلسطينيين، فإن سيطرة نتنياهو وعصابة بن غفير وسموترتش على القرار الإسرائيلي من دون ضوابط قضائية، يعني أن بإمكانهم اتخاذ قرارات تمليها أجندة الأحزاب القومية الدينية المتطرفة، مثل منع العرب من دخول الكنيست، أو حرمانهم من حق التصويت، أو اتخاذ قرارات تطهير عرقية.
آخر ما طلع به نتنياهو، ضمن محاولته إرضاء عصابات العنصرية القومية الدينية وعده بتشكيل «حرس وطني» يكون خاضعا مباشرة لبن غفير، وهو ما يعني تكوين عصابات مسلّحة تقوم باستهداف الفلسطينيين، من ناحية، وضرب المظاهرات الإسرائيلية المناهضة لنتنياهو، من ناحية أخرى. إقرار هذا المشروع يعني دفعا باتجاه تعزيز حصول «حرب أهلية» إسرائيلية، كما أنه سيكون ذراع الفاشية القومية الدينية لبن غفير وسموتريتش في إرهاب الفلسطينيين واستهدافهم.
ما يجمع الوقائع الثلاث هو خيط واحد، تكون فيه فلسطين سرّة العالم، ويكون الدفاع عن الأرض الفلسطينية، دفاعا عن الأرض كلها، وقتال الفاشية القومية الدينية في إسرائيل، قتالا للعنصرية في كل العالم.
القدس العربي