تشهد الموارد المائية في تونس حالة إجهاد خطيرة، ما استدعى تحركا عاجلا من السلطات على أمل تفادي الأسوأ، ويرى مراقبون أن أزمة المياه في البلاد ليست وليدة العام الجاري، وإنما تعود إلى سنوات، وأن الحكومات المتعاقبة تعاطت مع الأزمة بلامبالاة واستسهال، رغم تحذيرات الخبراء المتكررة.
تونس – اضطرت الحكومة التونسية إلى اتخاذ جملة من الإجراءات العاجلة في مواجهة أزمة جفاف محتدمة تعيش على وقعها البلاد، وأدت إلى تراجع غير مسبوق في المياه المخزنة في السدود.
وأصدر وزير الزراعة الجمعة قرارا يقضي باعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان حتى سبتمبر المقبل، كما أمر بالحد من استعمال المياه الصالحة للشرب في الأغراض الزراعية وري المساحات الخضراء وتنظيف الشوارع والأماكن العامة وغسيل السيارات، مضيفا أنه ستتم معاقبة المخالفين.
وقالت الوزارة إن القرارات المتخذة جاءت نتيجة “تواتر سنوات الجفاف وضعف الإيرادات بالسدود مما انعكس سلبا على مخزونها المائي الذي بلغ مستوى غير مسبوق”.
ووفقا لقانون المياه يعاقب المخالفون بغرامة مالية وبالسجن مددا تتراوح بين ستة أيام وستة أشهر. كما أن هذا القانون يمنح السلطات حق تعليق الربط بالماء الصالح للشرب الذي توفره شركة توزيع المياه الحكومية.
وتشهد الموارد المائية في تونس منذ سنوات استنزافا كبيرا بسبب قلة التساقطات والإفراط في استغلال المياه، ولهذا السبب يؤكد المسؤولون أنه أصبح من الضروري اليوم وقف نزيف الموارد المائية عبر إعلان حالة الطوارئ المائية.
ولم تتجاوز نسبة امتلاء السدود 31 في المئة، وبعضهما أقل من 15 في المئة في بلد يعتمد اقتصاده أساسا على الزراعة. وتعاطت الحكومات المتعاقبة بعد الثورة بلامبالاة مع تدهور الموارد المائية للبلاد، على الرغم من تحذيرات الخبراء.
وتتزامن القرارات المستجدة مع حلول شهر رمضان وتحدث سكان في مناطق مختلفة بالعاصمة التونسية خلال الأيام الأخيرة عن انقطاع المياه ليلا.
وقال ياسين مامي النائب في البرلمان الجديد إن “مسؤولا في الشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه أخبره بأن الانقطاع المتكرر للمياه في مناطق مدينة الحمامات ليس بسبب أعمال صيانة، وإنما يعود إلى سياسة تقسيط المياه لأن البلاد مهددة بشح المياه”.
وأظهرت الأرقام الرسمية أن مخزون سد سيدي سالم في شمال البلاد، وهو مزود رئيسي بمياه الشرب لعدة مناطق، انخفض إلى 16 في المئة فقط من سعته القصوى البالغة 580 مليون متر مكعب. وبدأت النقابات الزراعية في دق ناقوس الخطر للموسم الزراعي وخاصة في ما يتعلق بقطاع الحبوب.
وأفاد “الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري” في بيان بتضرر آلاف الهكتارات جراء نقص الأمطار وتدني مستوى السدود إلى جانب تضرر الأشجار المثمرة والخضروات وغيرها.
ولفت المتحدث باسم الاتحاد أنيس خرباش في تصريحات إعلامية إلى أن موسم الحبوب “سيكون كارثيا وموسم الحصاد منعدم” هذا العام، وأن تونس ستنتج “2 مليون قنطار” فقط من الحبوب. وهذا الرقم لا يكفي حتى لبذور الموسم القادم.
وقال المتخصّص في التنمية والتصرف في الموارد المائية بكلية العلوم في تونس حسين الرحيلي “حذرنا بشأن الوضع المائي في البلاد منذ سنوات، إذا لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة”.
◙ اعتماد نظام الحصص لتوزيع المياه على السكان حتى سبتمبر المقبل، والحد من استعمال المياه الصالحة للشرب في الزراعة
وأشار الرحيلي في تصريحات سابقة لـ”العرب” إلى أن “نسبة امتلاء السدود الحالية تقدّر بـ30 في المئة على المستوى الوطني، ونسبة امتلاء سد سيدي سالم، وهو من أكبر السدود في البلاد، لم تتجاوز 17 في المئة، وهي نسبة لم يشهدها السد منذ بدء استغلاله خلال ثمانينات القرن الماضي”.
ولفت إلى أن “الصيف المقبل سيكون صعبا للغاية بخصوص التزود بالمياه”، وقال إن “تونس تصل لأول مرة إلى هذا الوضع المتدهور جدا، نتيجة لتراجع التساقطات خلال فصلي الشتاء والخريف، ليتواصل انحباس الأمطار، ما أثر بشكل كبير على مخزونات السدود”. وأشار الرحيلي إلى أن “التعامل مع الأزمة انطلق مبكرا هذه السنة منذ شهر مارس، بدلا من بداية فصل الصيف الذي يتزايد فيه الطلب على الماء”.
وأوضح أن “ندرة المياه أدت إلى تراجع زراعات الخضر والفواكه، مقابل ارتفاع أسعارها في السوق، وكان يفترض على الدولة أن تنظر في خياراتها الزراعية منذ عام 1995، في ظل وجود زراعة مستنزفة للماء”، داعيا إلى “ضرورة أن تصارح الحكومة الناس بالحقائق، وتشرع في تنظيم حوار تشاركي حول المياه”.
ويرى البعض أن السلطات التونسية تخاطر، عبر قرار قطع المياه الذي قد يصل إلى ساعات يوميا، بتأجيج التوتر الاجتماعي في بلد يعاني من ارتفاع معدلات التضخم واقتصاد عليل. لكن خبراء يجمعون على أنه ليس أمام السلطات أي حل سوى ترشيد استهلاك المياه لتفادي الأسوأ في ظل واحدة من أسوأ موجات الجفاف.
وتفيد مؤشرات بأن الإجهاد المائي في تونس ارتفع من 66 في المئة في عام 2000 إلى 109 في المئة في عام 2020 وإلى 132 في المئة سنة 2021. والإجهاد المائي هو مؤشر يقع من خلاله قياس ندرة كمية المياه العذبة المتجددة والمتوفرة لكل شخص في كل عام من إجمالي الموارد المائية المتاحة لسكان المنطقة.
العرب