في الضفة الغربية المحتلة بعد اتفاقيات أوسلو، صادر المسؤولون الإسرائيليون أكثر من مليوني دونم، أو ما يقرب من 800 ميل مربع من الأراضي الفلسطينية، أي أكثر من ثلث الضفة الغربية -معظمها ملكية خاصة للفلسطينيين. وقد فعلوا ذلك بموجب مجموعة من المبررات، بما في ذلك تعيين الكثير من هذه الأراضي على أنها “أراضي دولة”. وقدرت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، التي تتابع مصادرة الأراضي الفلسطينية، أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت ما يصل إلى ربع أراضي الضفة الغربية “أراضي دولة”. ووجدت منظمة “بتسيلم”، التي تتعقب أيضًا عمليات الاستيلاء الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، أن المستوطنات والطرق والبنية التحتية التي تخدمها قد طوقت الفلسطينيين في الضفة الغربية فعلياً وقسمت الضفة إلى “165 ’جزيرة إقليمية‘ غير متجاورة” -وهي تجزئة لطالما قارنها المراقبون ببانتوستانات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
* * *
غالبًا ما تتحول مضايقات وتهديدات المستوطنين للفلسطينيين في مسافر يطا المستهدفة بالإخلاء إلى عنف مفتوح. ويطلب ناصر نواجحة، الناشط في منظمة “بتسيلم” الذي يوثق عشرات الحوادث من هذا القبيل منذ سنوات، من جيرانه الاستمرار في إبلاغ الجيش عن هجمات المستوطنين من أجل توثيق ما يحدث -حتى مع تخلي معظم الفلسطينيين عن الإبلاغ عنها لأنهم يخشون الانتقام، ولأنهم أصبحوا ينظرون إلى المستوطنين والجيش على أنهم الشيء نفسه.
وكتب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي إلى موقع “ذي إنترسيبت”، في رسالة بالبريد الإلكتروني، أن الجنود مطالبون بوقف انتهاكات القانون التي يرتكبها المواطنون الإسرائيليون، بما في ذلك احتجازهم. وأضاف المتحدث: “الفلسطيني الذي تضرر نتيجة لحادث عنف أو أضرار في ممتلكاته يمكنه أيضًا تقديم شكوى إلى الشرطة الإسرائيلية”.
وقبل وصولي بيوم واحد، كان مستوطنون قد هاجموا مزارعًا فلسطينيًا بجنازير نحاسية ونقل إلى المستشفى. وكان هؤلاء المستوطنون من سكان بؤرة استيطانية أنشأتها عائلة واحدة، “مزرعة تاليا”، التي سميت على اسم شخص من جنوب أفريقيا كان قد اعتنق اليهودية وانتقل إلى الضفة الغربية من جنوب أفريقيا في التسعينيات بعد نهاية نظام الفصل العنصري هناك.
وذات مرة، قال يعقوب تاليا، مؤسس البؤرة الاستيطانية، لصحفي إسرائيلي: “لقد أحببت الفصل العنصري. وما أزال أعتقد أن الفصل العنصري هو أفضل شيء في العالم”.
الكتاب الإرشادي للفصل العنصري
في التسعينيات، قسمت اتفاقيات أوسلو، بهدف إنشاء دولة فلسطينية، الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل وقطاع غزة إلى مناطق مختلفة. وكان ينبغي أن تسمح الأراضي المقسمة بحكم ذاتي فلسطيني محدود كمقدمة لقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف، وفي استجابة للمخاوف الأمنية الإسرائيلية، تسمح الاتفاقية لإسرائيل بالاحتفاظ بالسيطرة الكاملة على جزء كبير من الأرض. وتحتوي “المنطقة أ” حسب الخطة على أكبر المدن الفلسطينية، حيث يعيش 2.8 مليون نسمة تحت السيطرة المدنية والأمنية للسلطة الفلسطينية، وهي هيئة الحكم الذاتي وأقرب شيء إلى حكومة ذات سيادة مُنح للفلسطينيين على الإطلاق.
وتشمل “المنطقة ب” المناطق المحيطة مباشرة بالمدن، الخاضعة للإدارة المدنية الفلسطينية، ومن الناحية النظرية، السيطرة الأمنية الفلسطينية والإسرائيلية المشتركة. ثم هناك “المنطقة ج”، أكبر رقعة في الضفة الغربية. وإضافة إلى شمول جميع المستوطنات الإسرائيلية، سواء كانت حضرية أو ريفية، شملت المنطقة (ج) أيضًا الأراضي الرعوية والزراعية التي استمد منها الفلسطينيون قوتهم لأجيال، وشريان الحياة الاقتصادي لأي دولة مستقبلية. وظلت المنطقة (ج)، التي تغطي 60 في المائة مما كان يُفهم على نطاق واسع بعد أوسلو أنه أرض فلسطين المستقبلية، تحت السيطرة العسكرية الإسرائيلية الكاملة، مع قيام الجيش في كثير من الأحيان وبشكل متزايد بتوغلات في المنطقتين “أ” و”ب” أيضًا.
بمرور السنين، استغلت الحكومة الإسرائيلية معايير أوسلو التي لم يتم حلها لتصميم إطار معقد من سياسات الأرض والمبررات القانونية للاستيلاء على الأراضي التي يملكها الفلسطينيون. وربما كانت الأداة الأكثر فعالية في هذا الإطار هي تطوير المستوطنات.
تُعد جميع المستوطنات الإسرائيلية المقامة في الضفة الغربية غير قانونية بموجب القانون الدولي. وكجزء من عملية أوسلو، ومن أجل الحفاظ على إمكانية إقامة دولة فلسطينية، التزمت إسرائيل بعدم تغيير ما تسمى بـ”الحقائق على الأرض”. وكان ينبغي أن يعني ذلك عدم بناء مستوطنات جديدة، لكن المسؤولين الإسرائيليين استشهدوا بما وصفوه بالنمو السكاني الطبيعي كمبرر لتوسيع المستوطنات القائمة، وبناء المزيد من الأحياء والبلدات في التلال المحيطة بهذه المستوطنات، وغالبًا ما عمدوا إلى تسمية كل مشروع جديد برقم يوضع إلى جوار اسم المستوطنة الأصلي. وإضافة إلى تلك المستوطنات التي نمت في بعض الحالات لتصبح مدنًا كاملة مدعومة بالكامل من الدولة، ظهرت أكثر من 140 بؤرة استيطانية على مر السنين، قام ببنائها المستوطنون من دون تصريح رسمي. ولكن، بينما تصدر السلطات في بعض الأحيان -ونادرًا ما تنفذ- أوامر هدم ضد هذه البؤر الاستيطانية، فإن الدولة تزودها في كثير من الأحيان بالكهرباء والمياه والمواصلات العامة وحماية الجيش.
في مسافر يطا، على سبيل المثال، أصبحت المناطق الريفية المحيطة بيطا معزولة عن المدينة بسبب دائرة من المستوطنات والبؤر الاستيطانية الإسرائيلية الآخذة في التوسع، وهذه البؤر الأخيرة غير قانونية -ليس فقط بموجب القانون الدولي، ولكن أيضًا بموجب القانون الإسرائيلي نفسه. لكنّ السلطات الإسرائيلية اعترفت في العديد من الحالات في وقت لاحق بالبؤر الاستيطانية التي تم إنشاؤها بشكل غير قانوني وأضفت عليها الشرعية -كما هو الحال في أفيجيل، وهي بؤرة استيطانية بالقرب من مسافر يطا “شرعنتها” الحكومة الإسرائيلية إلى جانب بؤر أخرى عدة منحتها الشرعية في شباط (فبراير)، ظاهريا ردًا على هجومين نفذهما فلسطينيون في القدس الشرقية في ذلك الشهر.
بمرور السنين، حول المشروع الاستيطاني احتمال قيام دولة فلسطينية قابلة للحياة إلى شبه مستحيل من خلال تقويض كلٍّ من التواصل الإقليمي والوصول إلى ما يكفي من الأراضي لإدامة سكان الدولة المستقبلية. فالمستوطنات، التي عادة ما تبنى على قمم التلال، وغالبًا ما تكون لها طرق وصول ضيقة وطويلة بشكل غير طبيعي من أجل إنشاء حاجز أكثر طولًا، لا تتعدى على الأراضي الفلسطينية فحسب، بل إنها عزلت أيضًا المجتمعات الفلسطينية عن بعضها بعضًا. كما أن كل مستوطنة محاطة أيضًا بـ”منطقة أمنية” -عادة ما تكون غير رسمية- والتي تشكل من الناحية النظرية منطقة عازلة بين الفلسطينيين والمستوطنين حيث لا يُفترض أن يتواجد أحد. لكن المستوطنين توسعوا بانتظام في تلك المناطق أيضًا، مما دفع المنطقة الأمنية إلى مسافة أبعد، وبالتالي الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية.
بشكل عام، في الضفة الغربية، صادر المسؤولون الإسرائيليون أكثر من مليوني دونم، أو ما يقرب من 800 ميل مربع من الأراضي الفلسطينية، أي أكثر من ثلث الضفة الغربية -معظمها ملكية خاصة للفلسطينيين. وقد فعلوا ذلك بموجب مجموعة من المبررات، بما في ذلك تعيين الكثير من هذه الأراضي على أنها “أراضي دولة”. وقدرت منظمة “السلام الآن” الإسرائيلية، التي تتابع مصادرة الأراضي الفلسطينية، أن الحكومة الإسرائيلية أعلنت ما يصل إلى ربع أراضي الضفة الغربية “أراضي دولة”. ووجدت منظمة “بتسيلم”، التي تتعقب أيضًا عمليات الاستيلاء الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية، أن المستوطنات والطرق والبنية التحتية التي تخدمها قد طوقت الفلسطينيين في الضفة الغربية فعلياً وقسمت الضفة إلى “165 ’جزيرة إقليمية‘ غير متجاورة” -وهي تجزئة لطالما قارنها المراقبون ببانتوستانات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
تستحضر الإشارة إلى البانتوستانات جيوب الأراضي التي خصصتها حكومة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا للسكان السود، وفرضت إعادة توطينهم هناك بهدف إنشاء “أوطان” مستقلة في نهاية المطاف. وكانت هذه واحدة من العديد من الطرق التي تمت بها مقارنة نظام الهيمنة العنصرية الإسرائيلي على الفلسطينيين بنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا.
ومع ذلك، لا تقدم الإشارات إلى الفصل العنصري مقارنة تاريخية فحسب، بل مقارنة قانونية أيضًا. ففي حين أن تجربة جنوب أفريقيا صاغت المصطلح نفسه وأشاعت مفهوم الفصل العنصري (أبارتيد)، تم تعريف جريمة الفصل العنصري وقوننتها منذ ذلك الحين في عدد من المعاهدات الدولية، بما في ذلك اتفاقية الفصل العنصري للعام 1973 ونظام روما الأساسي، الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية.
خلصت منظمة “هيومن رايتس ووتش”، في تقريرها للعام 2021 عن الفصل العنصري الإسرائيلي، إلى أن “القوانين والسياسات والتصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين الإسرائيليين توضح أن هدف إدامة السيطرة الإسرائيلية اليهودية على التركيبة السكانية والسلطة السياسية والأرض هو الذي يوجه سياسة الحكومة منذ فترة طويلة”. وسعياً إلى تحقيق هذا الهدف، جردت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين من ممتلكاتهم، وحبستهم، وعزلتهم قسرًا، وأخضعتهم -بحكم هويتهم- بدرجات متفاوتة من الشدة”.
الحد الأقصى من الأرض، والأدنى من الفلسطينيين
في حين أن سياسات الفصل العنصري تشمل مجموعة من ممارسات التمييز المؤسسية -من القيود المفروضة على الإقامة لغير اليهود إلى إدخال مشروع قانون طُرح مؤخرًا يسعى إلى تشريع عقوبة الإعدام للفلسطينيين فقط- فإن عنصر الهيمنة العنصرية المتأصل في المفهوم واضح بشكل خاص في سياسات الأراضي الإسرائيلية.
يقول أوري جفعاتي، مدير المناصرة في “كسر الصمت”، وهي مجموعة من قدامى المحاربين الإسرائيليين المعارضين للاحتلال: “إنهم يريدون أقصى قدر من الأرض مع الحد الأدنى من الفلسطينيين. إنهم لا يريدون ضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين لأنهم سيضطرون في النهاية إلى منحهم الجنسية”.
ووصف جفعاتي، الذي خدم في الجيش في الضفة الغربية، التعاون الوثيق بين الدولة -من خلال الجيش- والمستوطنين الأيديولوجيين المتطرفين الذين يقودون الاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية. وقال إن الاثنين كانا يعملان معًا بانتظام، حيث يشارك ممثلو حركة الاستيطان في كثير من الأحيان في التدريبات العسكرية ويتحدثون إلى الجنود الذين يتم إرسالهم للخدمة في المنطقة.
وأضاف جفعاتي خلال زيارة إلى تلال جنوب الخليل: “في الأساس نحن نشهد نظامًا يحرم الفلسطينيين من أراضيهم ويهدف إلى دفعهم بعيدًا عن العيش في المنطقة (ج) وإلى المنطقتين (أ) و(ب). وهذا العنصر المتمثل في استخدام المستوطنات من أجل تقسيم الأرض واضح ومرئي جدًا هنا”.
من نواح كثيرة، تعد مسافر يطا نموذجًا مصغرًا حيث تتضخم الديناميكيات التي تُستخدم في جميع أنحاء الضفة الغربية من خلال تعيين “منطقة لإطلاق النار”. تتزايد المضايقات اليومية للفلسطينيين، والتوسع الاستيطاني غير القانوني، وعنف المستوطنين بشكل مطرد في جميع أنحاء الأراضي المحتلة منذ سنوات. وكذلك يفعل عدد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد القوات الإسرائيلية -الذي وصل في العام الماضي إلى أعلى عدد من القتلى منذ نهاية الانتفاضة الثانية في أوائل العام 2000. وحتى الآن، كان العام 2023 أكثر سوءًا، حيث أسفرت الغارات والمداهمات الإسرائيلية في مدن مثل نابلس وجنين عن مقتل العشرات، وأضرم المستوطنون النار في المنازل والسيارات في سلسلة من الهجمات التي تمت مقارنتها بـ”المذابح المدبّرة” التي ينفذها الرعاع، والتي شجعها كبار المسؤولين في الحكومة الأصولية الجديدة في إسرائيل.
كشف تطرف الحكومة الإسرائيلية الحالية من نواح كثيرة حقيقة مشروع الهيمنة الإسرائيلية. ومع وصول عنف المستوطنين في الضفة الغربية إلى أرقام قياسية تاريخية غير مسبوقة في الأشهر الأخيرة، دعا وزير المالية المتطرف الجديد، بتسلئيل سموتريتش، مؤخرًا، إلى “محو” قرية فلسطينية هاجمها المستوطنون، قبل أن يتم إجباره على الاعتذار. ومع وصول الاحتجاجات في إسرائيل إلى ذروتها في نهايات نيسان (أبريل)، توصل وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، وهو مستوطن أدين ذات مرة بدعم منظمة إرهابية إسرائيلية، إلى اتفاق مع نتنياهو لتأجيل الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل مقابل إنشاء قوة أمنية جديدة سوف تعمل بأوامر مباشرة من بن غفير -وهو احتمال شبهه البعض بتسليم الوزير المتطرف “ميليشيا خاصة”.
ولكن، حتى قبل أن يصل أمثال سموتريتش وبن غفير إلى أعلى المستويات في الحكومة الإسرائيلية، كان العمل الأساسي لمشروع التفوق اليهودي الذي دافعوا عنه قد بدأ منذ سنوات عديدة، وتم تطويره في ظل حكومات إسرائيلية أكثر ليبرالية أيضًا -بينما كان الكثير منه يتكشف مع انتقادات فاترة في أحسن الأحوال من أقرب حلفاء إسرائيل، بما في ذلك الولايات المتحدة.
عبر الخط الأخضر
في حين أن مصادرة إسرائيل للأراضي الفلسطينية أكثر وضوحًا في المنطقة (ج) من الضفة الغربية، إلا أنها حقيقة واقعة في القدس أيضًا، وكذلك حال الأراضي داخل إسرائيل التي كان قد تم تعريفها على أنها أراضي إسرائيل قبل احتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية في العام 1967، على الرغم من أن حدود إسرائيل ما تزال مسألة غير محسومة. هناك، كما هو الحال في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أدت مجموعة من القوانين والمبررات القانونية إلى الاستيلاء على الكثير من الأراضي التي يملكها الفلسطينيون الذين أصبحوا مواطنين في إسرائيل بعد أن أصبح ما يقدر بنحو 750.000 آخرين لاجئين خلال إقامة الدولة في العام 1948. واليوم، هناك ما يقرب من 1.6 مليون فلسطيني يحملون الجنسية الإسرائيلية، ويشكلون أكثر من 20 في المائة من سكان إسرائيل.
يقول ربيع إغبارية، محامي حقوق الإنسان والمواطن الفلسطيني في إسرائيل، إن الأداة الفعالة بشكل خاص التي تستخدمها إسرائيل هي التجزئة القانونية للفلسطينيين أنفسهم إلى فئات مختلفة، بهويات، وحقوق، وأطر قانونية مختلفة لكل منها. وقال لي: “إنه نظام تجزئة قانوني يصنف بعض الفلسطينيين كمواطنين، والبعض كمقيمين في الضفة الغربية، أو غزة، والبعض الآخر كسكان في القدس، ولكل منهم أوضاع قانونية مختلفة. إنه نظام يصمِّم أدوات مختلفة لتجربتها. إنها مختبرات القمع والهيمنة”.
وأضاف إغبارية أنه غالبًا ما يتم التغاضي عن الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين داخل إسرائيل. ولكن هناك أيضًا “نزع الملكية، وهناك الفصل العنصري في الطرق التي يتم بها توزيع إمكانية الوصول إلى الموارد والأراضي”.
منذ العام 1948، على سبيل المثال، سمح المسؤولون الإسرائليون بإنشاء أكثر من 900 “بلدة يهودية” داخل إسرائيل، لكنهم لم يمنحوا أكثر من عدد قليل من التصاريح للبلدات التي خططتها الحكومة للفلسطينيين. ومعظم هذه المجتمعات هي تلك التي أنشأتها الدولة الإسرائيلية للبدو الذين تواصل تهجيرهم عبر صحراء النقب -حتى مع مقاومة هؤلاء البدو طوال سنوات للترحيل القسري إلى هذه البلدات المنكوبة التي يضربها الفقر.
في صحراء النقب، الأرض التاريخية للبدو التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، أعلنت إسرائيل عن خطط لتهجير 36.000 شخص يعيشون في حوالي 40 مجتمعًا “غير معترف به”، من أجل توسيع مناطق التدريب العسكري وتنفيذ ما أسمته مشاريع “التنمية الاقتصادية”. وفي المجموع، يعيش حوالي 90.000 شخص في مجتمعات بدوية غير معترف بها في الصحراء، ويواجهون أيضًا مستقبلاً غامضًا. ويمثل مركز “عدالة”، وهو منظمة حقوقية مقرها إسرائيل، العديد من المجتمعات البدوية التي تواجه التهديد بالإخلاء بينما تناضل هذه المجتمعات في المحكمة من أجل الحق في البقاء على أراضيها.
“تقدم الخطة تأكيدًا واضحًا أن ’السلطة الإسرائيلية لتطوير وتوطين البدو في النقب‘ تميز بشكل علني ضد السكان البدو”، كما كتبت المجموعة، في إشارة إلى الوكالة الحكومية التي أنشئت للتعامل مع شؤون البدو -والتي يعتبرها البدو الوكالة المكلفة باضطهادهم وقمعهم. وتنظر “الوكالة”، وفقًا لـ”عدالة”، إلى البدو “كعقبة يجب إزالتها من المشهد من أجل تمهيد الطريق أمام الاستيطان اليهودي و’التنمية‘” في النقب.
ولا تختلف هذه الدينامية عن تلك التي تتكشف في مسافر يطا، حتى وإن كان البدو المستهدفون بالتهجير مواطنين إسرائيليين. بالنسبة لهؤلاء البدو، الذين شاهدوا على مدى عقود الصحراء وهي تصبح حضرية وتهدد أسلوب حياتهم، تشكل أوامر الإخلاء مفارقة مريرة.
الغد