أبياتغراسو (إيطاليا) – لم يبق سوى القليل من القطرات في قناة الري التي تغذي حقل أليساندرو سالموراغي من الكيوي في شمال إيطاليا. وقال إن “المشكلة المستمرة تكمن في نقص المياه. حتى لو قررت التنويع، يعني شح المياه غياب الحياة والإنتاج”.
وينتمي سالموراغي البالغ من العمر 49 عاما إلى الجيل الرابع من عائلته التي تزرع كاسينا سان دوناتو، وهي قطعة أرض مساحتها 24 هكتارا من الحبوب والخضروات والغلال (خاصة الكيوي). وتقع في سهل كان خصبا، وهو على بعد ساعة بالسيارة غرب ميلانو.
وقال من مزرعته التي بُني بها متجر لبيع الغلال والخضروات والمعلبات “اعتدنا الحصول على كميات أكبر من المياه. لا تصلنا الآن سوى قطرات صغيرة. وإذا قرر مزارع آخر الري غدا، فسيتوقف التدفق بسهولة”.
ويتسبب تغير المناخ في زيادة حدة الطقس في أجزاء كبيرة من أوروبا التي تشهد موجات الجفاف الأطول والأقسى وموجات الحر التي يمكن أن تُفشل المحاصيل.
ويمثّل ذلك تهديدا لملايين من المزارعين مثل سالموراغي الذين يعتمدون على محاصيلهم في أوروبا لضمان العيش الكريم. كما يجبر الحكومة الإيطالية على اتخاذ خطوات جديدة لإدارة النزاعات على المياه وتجديد البنية التحتية. وأشار سالموراغي إلى أن “المناخ تغير في السنوات العشر الماضية”، مشيرا إلى تراجع برد فصول الشتاء.
وكان السهل الذي توجد به مزرعته خصبا، وطالما تغذت بمياه الأنهار الجليدية في جبال الألب السويسرية التي تذوب في تيسينو، أحد أكبر روافد نهر بو الذي يعدّ أطول نهر في إيطاليا.
ولكن شح هطول الأمطار الشتوية وقلة تساقط الثلوج في جبال الألب عبر شمال إيطاليا لم يجددا الاحتياطيات، وأثار وصول الربيع مخاوف من تكرار معاناة جفاف 2022 الذي كان الأسوأ منذ 70 عاما.
ويمثل الوادي الشاسع الواقع على طول ضفاف نهر بو، الممتد حوالي 650 كيلومترا من جبال الألب الجنوبية والحدود الإيطالية الشمالية الغربية مع فرنسا إلى شواطئ البحر الأدرياتيكي في الشرق، حوالي ثلث الإنتاج الزراعي الإيطالي.
وتمكّن الكثيرون من المشي عبر قاع النهر في بعض الأماكن خلال العام الماضي. وبرزت سفينة غرقت في الحرب العالمية الثانية في الوحل، وأظهرت أجهزة القياس مستويات مياه أقل مما يُعد في العادة صفرا.
وليست إيطاليا الوحيدة في مواجهة شح المياه. ويعاني الإنتاج الزراعي في فرنسا وإسبانيا من عوائق مماثلة، وحددت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن 3.2 مليار شخص في جميع أنحاء العالم يعيشون في مناطق تواجه ندرة كبيرة في المياه.
50 في المئة نسبة ما تزرعه إيطاليا من الأرز المنتج في الاتحاد الأوروبي، وفق جمعية كولديريتّي
وقال أتيليو فونتانا رئيس إقليم لومبارديا الإيطالي الشهر الماضي إن مستويات تخزين المياه الإقليمية كانت أقل من نصف المستويات المعهودة خلال هذه الفترة من العام.
وقالت جمعية “كولديريتّي” للمزارعين بإيطاليا إن القطاع خسر نحو ستة مليارات يورو (6.6 مليار دولار) العام الماضي وتتوقع أن تتضرر 300 ألف شركة زراعية إذا لم ينتهي الجفاف.
ويقول الخبراء إن ذلك يتطلب هطول أمطار متواصلة من الآن حتى مايو ويونيو، عندما يبدأ معظم المزارعين ري حقولهم.
وقال ماسيمو سيرتوري عضو المجلس المسؤول عن الموارد المائية في لومبارديا “إذا لم تهطل الأمطار في أواخر الربيع، فسندخل إدارة الطوارئ مثلما فعلنا العام الماضي لتأجيل موسم الري”.
وحددت جمعية كولديريتّي أن إيطاليا تزرع نحو 50 في المئة من الأرز المنتج في الاتحاد الأوروبي، لكنها من المقرر أن تخفض إنتاجها هذا العام بسبب الجفاف. ويُزرع حوالي 94 في المئة من محصول إيطاليا في لومبارديا وبيدمونت، حول تورينو. وتعدّ المحاصيل الأخرى في خطر أيضا.
وقال لورنزو بازانا الخبير الاقتصادي في كولديريتّي “نحن قلقون بشكل خاص بشأن محاصيل الربيع. ينطلق المزارعون في هذا الوقت من العام في بذر الذرة وفول الصويا وعباد الشمس والأرز وزراعة الطماطم والبطاطس. ويواجه كل هؤلاء مخاطر أكبر”.
وإذا اضطر المزارعون لتقليص الزراعة، فسيضر ذلك بسلسلة التوريد الزراعية بأكملها. وتعدّ الذرة على سبيل المثال علفا مهما للخنازير والأبقار الأساسية في منتجات اللحم والأجبان التي تشتهر بها إيطاليا على مستوى العالم.
وصدّرت إيطاليا 61 مليار يورو (66.6 مليار دولار) من المنتجات الغذائية والزراعية العام الماضي، وهو ما يمثل 15 في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
لكن سالموراغي فقد حوالي 30 في المئة من محصوله من الذرة العام الماضي ويخشى أن تصبح ندرة المياه الوضع الطبيعي الجديد قريبا.
ويتوقع أحدث تقرير صادر عن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن هطول الأمطار في نهر بو سيتغير أكثر في السنوات القادمة.
قال اتحاد أوليتاليا لشركات المرافق إن الجفاف الشديد يؤثر بالفعل على 6 في المئة من المدن في لومبارديا وبيدمونت، وتعاني 19 منها من أعلى مستوى النقص.
وذكر أن بعض البلدات بدأت بالفعل في تلقي المياه في شاحنات صهريجية. وأكّد أليساندرو براتي الأمين العام للسلطة المشرفة على حوض نهر بو أن “الوضع لا يزال حرجا للغاية”.
301 مليار متر مكعب سنويا، متوسط هطول الأمطار في إيطاليا لكنها لا تجمع وتعيد توزيع سوى 11 في المئة منه.
وساعدت مياه البحيرات الكبيرة في تخفيف تأثير الجفاف في 2022. لكن المياه في بحيرة غاردا التي تتدفق في النهاية إلى نهر بو تقل عن نصف المستويات الطبيعية، وفقا لهيئة الحوض.
وبعثت رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني الشهر الماضي غرفة تحكم لمراقبة الطاقة المائية في جميع أنحاء البلاد، ومن المقرر أن يتم تعيين مفوض وطني للإشراف على هذه القضية.
وسيتمكن المفوض من التدخل في قضايا إدارة المياه والتوسط بين هيئات الدولة. ووافق مجلس الوزراء الأسبوع قبل الماضي على مجموعة من الإجراءات قصيرة المدى لتبسيط الإجراءات وتسريع أعمال البنية التحتية المائية. ويواجه أولئك الذين يسحبون المياه بشكل غير قانوني الآن غرامات تصل إلى 50 ألف يورو.
ويعد تخزين المياه غير الكافي مشكلة كبيرة. وذكرت دراسة جديدة أجرتها مؤسسة الطاقة والمياه وشركة بروجر أن إيطاليا تسجّل متوسط هطول أمطار قدره 301 مليار متر مكعب سنويا، لكنها لا تجمع وتعيد توزيع سوى 11 في المئة منه.
كما وجدت الدراسة أن 531 سدا رئيسيا في البلاد تعمل بأقل من طاقتها بسبب مشاكل فنية ونقص الاستثمار. وطلبت حكومة لومبارديا من شركات المياه ومشغلي الطاقة الكهرومائية الحد من استخداماتها.
وقال سيرتوري “نسعى لبلوغ نقطة توازن تسمح لنا بملء البحيرات دون إعاقة إنتاج الطاقة”. ويتوقع أن تكون البحيرات أساسية لتعزيز تخزين المياه على المدى الطويل، وانطلقت أعمال التجديد لتوسيع سعاتها الحالية.
العرب