هل تستطيع إيران العيش من دون الأسد؟

هل تستطيع إيران العيش من دون الأسد؟

original

اللقاء رفيع المستوى الذي جرى بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمرشد الأعلى في إيران، آية الله علي خامنئي، في طهران يوم 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، ولَّد تكهنات بأن الجانبين يدرسان خيارات سياسية جديدة حول سورية. وكان السؤال الرئيسي، كما هو حاله دائماً، هو مصير الرئيس السوري بشار الأسد.
ما من شك في أن زيارة بوتين لإيران كانت ذات أهمية بالغة. وقد ادعى مستشار خامنئي للسياسة الخارجية، علي أكبر ولايتي، بأن اجتماع الرئيس الروسي مع خامنئي كان الأهم في تاريخ جمهورية إيران الإسلامية، مبيناً أن بوتين وافق على أنه “لن يحدث أي نوع من الاتفاق حول سورية… من دون التنسيق مع إيران”.
سوف يدعم التنسيق الإيراني النظام السوري بشكل شبه مؤكد. وعندما قابل ولايتي الرئيس السوري بشار الأسد يوم 29 تشرين الثاني (نوفمبر)، أشار إلى أن إيران لن تقبل أي خطة سلام لا تحظى بموافقة الحكومة أو الدولة في سورية. وتحافظ إيران على خط أحمر صارم، مؤكدة أنه لا يجب إجبار الرئيس السوري على التنحي عن السلطة، وأنه يجب السماح له بالترشح لأي انتخابات خلال العملية الانتقالية.
وستكون لدى الرئيس الأسد فرصة جيدة للفوز في أي انتخابات تجري في الأشهر المقبلة، بسبب الاستغلال الديموغرافي للنظام في الأراضي التي يسيطر عليها، وتغيير أمكنة إقامة نصف الشعب السوري تقريباً. وما من شك في أن إيران سوف تقاتل بشدة من أجل إقرار هذا الخيار.
ولكن، ماذا لو قامت موسكو بإجبار طهران على القبول بمغادرة الأسد كجزء من تسوية متفاوض عليها؟
يشكل هذا بوضوح احتمالاً مرعباً بالنسبة للمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، ولقادة جهاز الحرس الثوري الإسلامي الإيراني الذي يدير الملف السوري. فسوف تحتاج طهران إلى مرشح مقبول لدى عدد من الدوائر الرئيسية في داخل النظام السوري، بما في ذلك الجيش وأجهزة الاستخبارات والأقليات في قلب الدولة السورية، والطائفة السنية المتبقية التي ما تزال تدعم الرئيس. وفي الوقت الراهن، يبقى الأسد هو المرشح الوحيد المناسب لكل هذه الدوائر. ومن غير المرجح أن يكون أي مرشح تسوية آخر قادراً على توحيد الدوائر الانتخابية المتنوعة، وتفادي نشوب اقتتال داخلي يصيب البلد بالشلل.
ما يزال الأسد قيد خطر التعرض للاغتيال منذ بداية الحرب الأهلية السورية في العام 2011. وما من شك في أن طهران درست البدائل. فما الذي يمكن أن تقبل به إيران لسورية من دون الأسد؟
شخص ما من دائرة الأسد الداخلية
على السطح، سيكون هذا منهاجاً مفضلاً للعمل. لكن المشكلة هي: من سيكون هذا الشخص؟. إن النظام البعثي المتشكك في دمشق ليس مصمماً لتهيئة خلفاء. وبدلاً من ذلك، كان يركز منذ اندلاع الحرب الأهلية على القضاء على الأنداد المحتملين. بل إن بعض القادة الإيرانيين أقروا بأنه ليس هناك أحد آخر يتمتع بقابلية الحياة في القمة، على الرغم من حنقهم من قيادة الأسد. وبغض النظر عن ذلك، من المرجح أن يكون مثل هذا الشخص غير مقبول على الإطلاق لدى مجموعات المعارضة السورية وداعميها من العرب والأتراك.
مرشح تسوية من إحدى أقليات البلد
سوف يكون زعيم آخر من طائفة الأسد العلوية نفسها، أو ربما حتى مسيحي أو درزي، شخصية جذابة لدى معظم القوى العالمية، بما في ذلك روسيا. ولكن، وعلى الرغم من تحالفها الوثيق مع الأسد، فإن إيران تتوافر على القليل من الوصول إلى الأقليات الأخرى في سورية، وهي تكافح للعمل مع العائلات العلوية (والقومية) القوية الأخرى.
ضابط سُني من الجيش السوري
قد يروق هذا الخيار للروس، لكن من الصعب رؤية كيف يمكن لكل من الإيرانيين والنخب العلوية أن يولوا الثقة لمثل هذا الشخص مع ذلك.
نظام “طغمة” جمعي
أحد الاحتمالات هو لامركزة السلطة وتسليمها إلى مجموعة من ضباط الجيش الذين يمثلون كل واحد من المجتمعات والطوائف السورية الرئيسية. لكن هذا سوف يعمل فقط إذا حصلت إيران على تأكيد بأنها تستطيع الهيمنة على عملية صنع القرار في المجموعة.
المراهنة بكل شيء على “إيرانية” سورية
قام جهاز الحرس الثوري الإيراني بتجويل الجيش السوري عبر تجنيد أكثر من 150.000 رجل ميليشيات محلي، من أجل زيادة عدد، وأحياناً إعادة إنبات، الجيش السوري الذي يذهب إلى مزيد من الضعف باستمرار. كما خلقت إيران أيضاً قوة مقاتلة مدججة وغير مسبوقة من جهاز الحرس الثوري الإسلامي وحزب الله اللبناني والقوات السورية ووحدات ميليشيات شعبية أجنبية حول المنطقة. وقد تأمل طهران بأنها قد أنجزت ما يكفي من التقدم في الأعوام القليلة الماضية بحيث إن مَن يُسمى “رئيساً” سيكون رهناً لجهاز أمني يتبع إلى حد كبير لجهاز الحرس الثوري الإيراني.
لكن أياً من هذه الخيارات لا يهزم الأسد. وتعد سياسات موسكو التدخلية الجديدة في الشرق الأوسط انتقالاً جيوسياسياً محتملاً عميقاً لصالح إيران. ومع ذلك، فإنها تصنع قلقاً غير مريح من أن يصدر قرار سياسي عن سورية مدفوعاً في نهاية المطاف من جانب روسيا، وربما على حساب المصالح الإيرانية الرئيسية. تجدر الإشارة إلى أن طهران تراهن في العادة على جياد متعددة، وربما تقوم أصلاً بإرساء أرضية عمل لسوية متحدة لما بعد الأسد، بقدر ما قد يكون تحقيق ذلك صعباً. وإذا كان ثمة خطة “ب” لإيران، فانها ربما ستضم عناصر من العديد من الخيارات الخمسة المذكورة أعلاه:
– الاستمرار في القتال على الأرض لتحسين موقف النظام السوري.
– العمل مع روسيا لإيجاد مرشحين يحظون بدعم الجيش والطائفية العلوية.
– منع نجوم أي قائد يتمتع بشعبية مفرطة أو يكون قوياً بحيث يطرد إيران من سورية في وقت لاحق.
– ضمان أن تحتفظ إيران بحق النقض “الفيتو” على العملية الانتقالية، إما مباشرة أو ضمنياً، من خلال التهديد بنسف أي صفقة يتم التوصل لها في فيينا.
– وفوق كل شيء، التركيز على استمرار بناء “دولة عميقة” عسكرية ومخابراتية إيرانية الطابع في سورية، والتي تكفل حرية الحركة للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، والمقاومة طويلة الأمد للنفوذ الغربي والسعودي أو الإسرائيلي.
لقد كانت إعادة قولبة سورية لتتحول من دولة عربية بعثية علمانية إلى حكومة أكثر قرباً من النموذج الإيراني هي لعبة إيران الطويلة على الدوام. لكنه يظل متبقياً لدى خامنئي مستقبل يبدو أكثر رعباً من إسقاط الأسد: روسيا غير حريصة كثيراً على خطة سورية من تصميم إيران.

عبدالرحمن الحسيني

صحيفة الغد الأردنية