القوات التركية في نينوى لن تنسحب على رغم تهديد الحكومة العراقية باللجوء إلى مجلس الأمن. رئيس الوزراء التركي أعرب عن رغبة بزيارة بغداد لتهدئتها وتوضيح جهود أنقرة في تدريب عراقيين على قتال «داعش».
فوضى في التصريحات والاتهامات بين أطراف عراقيين وإقليميين، فليس الدخول العسكري التركي وحده ما يشكّل اختراقاً لحدود دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة، إذ سبقه ويواكبه دخول إيراني مدني وعسكري في ما يشبه حدوداً مفتوحة مع العراق، ويترافق ذلك مع وصول وحدات قتالية أميركية يعارضها «الحشد الشعبي» ولا تتناولها حكومة بغداد بكلام واضح.
الواضح أن أثيل النجيفي محافظ نينوى السابق ومعه ما يزيد على ثمانية آلاف عراقي من العشائر العربية هم من دعا الجنود الأتراك، وليس لحكومة حيدر العبادي علاقة، لأن سيطرتها تتوقف عند بيجي ولا تتخطاها إلى الشمال حيث «داعش» و «العشائر العربية» والأكراد المقرّبون من أنقرة وغير المقربين.
وإذا كانت موسكو سبقت بغداد إلى مجلس الأمن فلن تستطيع إقناع أعضائه وفي مقدّمهم الدول العظمى بأن أنقرة متّهمة وطهران بريئة من التدخُّل العسكري في العراق. ولماذا يُمنع الأتراك من مائدة عراقية يجلس إليها الإيراني ويتنعّم؟ بل لماذا يُمنع آخرون إقليميون ودوليون من المشاركة طالما أن العراق بلد مسيّب، وأن سياسييه الحاكمين والمعارضين لم يتفقوا بعد على موقف يراعي مصلحة وطنهم من دون أن يغفل مصالح الجوار الإيراني والتركي والسعودي والأردني. موقف واقعي لم يقفه أي حكم عراقي حتى في عهد صدام حسين، إذ كان الوهم ولا يزال يحكم طبقة سياسية عراقية لا تُدرك جغرافيا وطنها الصعبة وربما تتقصّد عدم الإدراك.
سياسيو المنطقة الخضراء في بغداد لا يعيرون اهتماماً لصراخ أنصار إيران الذين يخيّل لسامعيهم أن حرباً وشيكة ستقع بين العراق وتركيا. مجرّد شحن عاطفي، بل طائفي، يغيّب الوعي بخواء الطبقة السياسية العراقية وتهرّبها من المسؤولية، على الأقل وضع الحقائق أمام المواطنين، بدءاً من أن الحكومة العراقية مدعوّة إلى التهدئة مع تركيا وأخذ الصراع إلى مجال الديبلوماسية لا أكثر ولا أقل. فليس في وسع حيدر العبادي الطلب من أنقرة ما لا يستطيع طلبه من طهران وواشنطن، كما أنه مطالب من موقع المسؤولية المبدئية بالحفاظ على مصالح العشائر العراقية العربية في نينوى وإن كانت خارجة بحكم الجغرافيا عن سلطة حكومة «حزب الدعوة» العراقي.
وتركيا في العراق غيرها في سورية، فقبضة فلاديمير بوتين لم تصل إلى بلاد الرافدين ولن تصل. يكفيه أن يحصل على نفوذ في سورية بوجود قاعدة عسكرية روسية هناك أو أكثر، بل أن نفوذه سيكون مصحوباً بانفكاك ميداني وربما سياسي عن حليفه الإيراني، إذا أراد الرئيس الروسي إقناع اللاعبين الإقليميين والدوليين بالإبقاء على سورية موحّدة بعد بشار الأسد، وصولاً إلى دفع نوازع الأسلمة السياسية والفدرلة إلى العراق المهيأ، خصوصاً في ظل الحكم الهش لحزب إسلامي شيعي هو «الدعوة» وفي جوار حكمين إسلاميين، سنّي في تركيا وشيعي في إيران، مع الأخذ في الاعتبار ضبط القومية الكردية في كردستان العراق فلا تتعداه تركياً ولا إيرانياً.
منطقة الموصل، التي سمتها الدولة العراقية نينوى، انتظر الإنكليز حتى العام 1926 لضمها إلى العراق، أي بعد ثماني سنوات من نهاية الحرب العالمية الأولى وانهيار السلطة العثمانية. نينوى الآن يحتلها «داعش» ويحاول الأتراك الحلول محله. وربما لن تعاد المنطقة إلى العراق إلاّ بشروط لن يستطيع تلبيتها «حزب الدعوة» ولا أي حزب ديني آخر.
محمد علي فرحات
صحيفة الحياة اللندنية