قانون العفو العام: فصل جديد من الخلافات في العراق

قانون العفو العام: فصل جديد من الخلافات في العراق

تحالف إدارة الدولة في العراق الذي انبثقت منه الحكومة الحالية يمر بمنعطف جديد، فبعد أن تجاوز خلافات الموازنة الاتحادية بشأن حصة الأكراد يصطدم اليوم بمطلب القوى السنية تمرير قانون العفو العام باعتباره واحدا من مطالب ورقة الاتفاق السياسي.

بغداد – رغم مضي أكثر من 7 أشهر على عمر الحكومة العراقية، إلا أن قانون العفو العام ما زال محل جدل بين الكتل السنية والشيعية، ولم يتم الاتفاق على الفئات المشمولة به إلى غاية الآن.

ويتعرض رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لضغوط شديدة من قبل الإطار التنسيقي، للرجوع عن تعهدات قطعها لتحالف السيادة السني الذي يطالب بتمرير قانون العفو العام كجزء من اتفاق سياسي أدى إلى تشكل حكومة السوداني.

وحدد تحالف الفتح الذراع السياسية للميليشيات المسلحة الموالية لإيران، الأربعاء، موقفه من إقرار قانون العفو العام في الفصل التشريعي الجديد لمجلس النواب، فيما رفض إخراج الإرهابيين ومن تلطخت أيديهم بدماء العراقيين لإرضاء كتلة سياسية.

وأشار النائب عن تحالف الفتح أحمد الموسوي، في تصريح لوكالة شفق نيوز، إلى أن “أي اتفاق حدث في ائتلاف إدارة الدولة قبل تشكيل الحكومة كان نهاية لأي فقرة يكون تطبيقها على حساب الدستور والقانون العراقي”.

وأضاف الموسوي، القيادي في التحالف الذي يقوده زعيم منظمة بدر هادي العامري، “إذا كانت مواد وفقرات قانون العفو العام وفق الدستور لا إشكال بإقراره، إلا أن الخوف من إقرار قانون يقضي بخروج الإرهابيين ومن تلطخت أيديهم بدماء الشعب العراقي وتسبب في سقوط المدن بيد التنظيمات الإرهابية”.

وتابع أن “مجلس النواب لا يسمح بإقرار قانون العفو العام وفق الصيغة السياسية من أجل إرضاء كتلة أو شخصية سياسية وإخراج الإرهابيين من السجون”، لافتاً إلى أن “العفو العام يمكن النظر إليه إن تضمن فقط إخراج الأبرياء من السجون، وخصوصاً أن هناك بعض السجناء من الشباب اعتقلوا بسبب المخبر السري والعداوة الشخصية”.

ويعد قانون العفو العام أحد أبرز مطالب الكتل السنية التي اشترطت إقراره أثناء مفاوضات تشكيل إدارة الدولة الذي ضم الإطار التنسيقي الشيعي والكتل الكردية والسنية، والذي تمخض عن تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة محمد شياع السوداني.

ويتضمن البرنامج الحكومي، وفق نواب من المكون السني، إصدار قانون العفو العام والتدقيق الأمني في محافظاتهم وإلغاء هيئات، أو إيقاف العمل بها، كانت تشكل مصدر قلق وأزمة لديهم.

ولطالما رفضت القوى الشيعية الموالية لإيران والمتحكمة في المشهد السياسي العراقي على مدى سنوات تمرير قانون العفو، بذريعة أن من بين المستفيدين منه عناصر إرهابية، رغم أن القوى السنية أبدت مرونة كبيرة في التعاطي مع من سيشملهم القانون.

وتسود مخاوف من تسويف قانون العفو العام بشروط لا صلة لها برفع المظالم، حيث تبدو المقايضة بالعفو عن متهمين بقضايا الفساد وكأنها الطريق الوحيد المفتوح لتسوية ترضي الجميع.

ويرجح نواب عراقيون ألّا يحصل التوافق بشأن قانون العفو العام خلال الفترة القريبة المقبلة، وسط مخاوف من إفراغ القانون من محتواه.

ويعود الجدل بشأن قانون العفو العام إلى سنة 2016، حيث صادق البرلمان العراقي بنهاية أغسطس من ذلك العام على القانون بعد خلافات سياسية انتهت بحذف عدد من بنود القانون والفقرات المتعلقة بمراجعة ملف المحكومين وظروف محاكمتهم.

وتم إدخال تعديلات على قانون العفو في نوفمبر 2017، بعد طلب تقدمت به قوى تنضوي حاليا ضمن الإطار التنسيقي. وتضمنت أبرز التعديلات شمول الأشخاص المعتقلين من الذين تُجرى تسوية بينهم وبين ذوي الحق الشخصي بالعفو، بالإضافة إلى شموله مَن يتم تسديد ما بذمتهم من أموال للمصلحة العامة عن جرائم الفساد.

وجرى حينها التنصيص على فقرة تمنع العفو عن جميع من أدينوا وفقاً لقانون مكافحة الإرهاب المعمول به في البلاد بعد العاشر من يونيو 2014، وهو تاريخ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الموصل شمالي البلاد. كما عُدِّلَت الفقرة الخامسة في المادة الثالثة من القانون، والخاصة باستثناء جرائم الخطف والاغتصاب من إجراءات العفو.

ومُنح من أمضى ثلث مدة محكوميته بجرائم التزوير إمكانية العفو، مع استبدال ما بقي من فترة سجنه بواقع 50 ألف دينار (نحو 33 دولاراً) عن اليوم الواحد.

ورغم التعديلات التي مرت على القانون إلا أن القوى الموالية لإيران لا تزال تتحفظ عليه، في موقف لا يخلو من حسابات سياسية في علاقة بلعبة المساومات بينها والقوى السياسية السنية.

وتشكل مسألة العفو العام عقدة بالنسبة إلى الأحزاب السنية التي وعدت ناخبيها بإطلاق سراح عشرات الآلاف ممن اعتقلوا وحوكموا خلال الحرب الطائفية التي شنتها الجماعات الشيعية المسلحة في محافظات الأنبار والموصل وصلاح الدين.

وخلال السنوات الماضية، زُجّ بالآلاف من العراقيين داخل السجون، بناء على اعترافات انتُزعت منهم تحت التعذيب ومحاكمات غير أصولية، أو بسبب “التهم الكيدية” من قبل من يعملون “مخبرين سريين”، إذ اندرجت أغلب تلك القضايا التي أثيرت ضدهم تحت سقف العداوات الشخصية والتصفيات السياسية.

العرب