مع اعتبار مجموعة من الأحزاب المعارضة والمراجع الدينية في لبنان أن حادثة منطقة الكحالة تشكل تطورا أمنيا خطيرا، معلنة تمسكها بخيار الدولة في وجه نقيضها المتمثل بـ”دويلة حزب الله”، رد الحزب باستعراض سلاحه.
بيروت – لجأ حزب الله اللبناني الاثنين إلى استعراض سلاحه على وقع توترات طائفية مع المسيحيين، في خطوة قال محللون إنها بمثابة رسالة ترهيب مضمونة الوصول لكل من يعارض ترسانته العسكرية ويدعو إلى نزعها.
وتناقل مناصرو الحزب صوراً ومقاطع فيديو تظهر مدرعات ومدافع ودبابات مجمعة في مكان في البقاع في شرق لبنان. ويعدّ عرض المدرعات في لبنان الأول من نوعه في تاريخ الحزب، حيث اكتفى سابقاً بعروض عسكرية رمزية غير مسلحة.
وتعالت الأصوات مؤخرا داخل البيت المسيحي بضرورة نزع سلاح حزب الله على وقع حادثتين منفصلتين اتهمت فيهما أوساط مسيحية الجماعة الشيعية بالوقوف وراءها.
وكانت حادثة مقتل مواطن مسيحي على يد جماعة حزب الله في منطقة الكحالة القطرة التي أفاضت الكأس، بعد أن سبقها اغتيال إلياس الحصروني (71 عاما)، وهو مسؤول سابق في حزب القوات اللبنانية، في عين إبل ذات الأغلبية المسيحية واتهم رئيس الحزب سمير جعجع حزب الله بالوقوف وراء الحادثة.
وقُتل اثنان أحدهما عضو في حزب الله والآخر مسيحي من سكان قرية الكحالة في تبادل لإطلاق النار في القرية الواقعة بالقرب من بيروت، في حادث بدأ عندما انقلبت شاحنة تابعة للجماعة الشيعية محملة بالذخيرة في أثناء مرورها بالمنطقة.
وكانت هذه المواجهة هي الأكثر دموية بين حزب الله المدعوم من إيران ولبنانيين معارضين له منذ اشتباكات وقعت في بيروت قبل عامين، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في بلد يعاني بالفعل من أزمات سياسية واقتصادية كبيرة.
وكشف جعجع “أن المسؤول السابق للقوات في بنت جبيل إلياس الحصروني تم خطفه وقتله ولم يكن مجرد حادث”، مؤكدا “أن ما حصل هو عملية قتل منظمة. وأظهرت الفيديوهات التي تم اكتشافها بأن العملية هي عملية قتل متعمد وليست حادثة عابرة، وعلى الفور، تم التواصل مع الأجهزة الأمنية وإيداعهم الفيديوهات، واليوم، وقد مر نحو أسبوع على التحقيقات، لم يصدر أي معطى عن هذه الأجهزة، من هنا يزداد منسوب الشكوك لدينا”. وقال “ننتظر ما ستظهره تحقيقات الأجهزة الأمنية، لكن وفقا للمعطيات الموجودة، الشكوك تدل على تورط حزب الله”.
وعن حادثة الكحالة، دعا جعجع حزب الله إلى “قراءة الحادثة جيدا، ليس وفق منطق فليسقط واحد من فوق”. وقال “أظهرت الحادثة أن هناك أكثرية ساحقة من اللبنانيين باتت لديهم حساسية مطلقة نحو حزب الله وممارساته. والمؤشرات واضحة، وهي نزول أهالي الكحالة على مختلف انتماءاتهم السياسية إلى الشارع لدى معرفتهم بأن الشاحنة تتبع لحزب الله، ومن هنا، الدرس الأساسي من الحادثة أن أكثرية ساحقة من الشعب اللبناني باتت ضد تصرفات الحزب وممارساته”.
وأعلن وزير الداخلية اللبناني بسام المولوي الاثنين، رفع حالة “الجاهزية الأمنية” في عموم البلاد، بعد أحداث عنف متفرقة في الآونة الأخيرة، مؤكدا أن ما حصل من أحداث لا يزال “مدار تحقيقات جارية وفق الأصول”.
وأكد المولوي “رفع الجهوزية الأمنية التامة لمواكبة التطورات وحماية المواطنين”، مشددا على أن “ما حصل من أحداث هو مدار تحقيقات جارية وفقا للأصول عند السلطات الأمنية، تحت إشراف السلطات القضائية في سبيل تأكيد الاستقرار”.
ويقصد بـ”رفع الجاهزية الأمنية” تشديد إجراءات الأمن كزيادة نقاط التفتيش المفاجئة في الطرقات وتكثيف الدوريات الأمنية. وأشاد المولوي بـ”حكمة القيادات العسكرية في الجيش والقوى الأمنية التي تصرّفت بطريقة حمت المواطنين والسلم الأهلي”. وظهر حزب الله بعد الحادثة مكشوفا مسيحيا، وهذا يتضح في ردة فعل كل القوى السياسية والدينية المسيحية.
ودعا بطريرك الموارنة في لبنان الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الأحد، إلى سيطرة الدولة على الأسلحة، بعد أيام من وقوع اشتباك قاتل بين قرويين مسيحيين وجماعة حزب الله المدججة بالسلاح.
وقال في إشارة على ما يبدو إلى ترسانة حزب الله “لا يمكن العيش على أرض واحدة فيها أكثر من دولة وأكثر من جيش وأكثر من سلطة وأكثر من سيادة”.
وحزب الله الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982 هو أقوى جماعة في لبنان. ولطالما كانت ترسانة الجماعة من بين أسباب الصراع في لبنان، حيث يتهمها معارضوها بتقويض الدولة.
ويقول مراقبون إن الأجواء الأمنية الملتهبة بعد حادث الكحالة تشير إلى أن البيئة السياسية تلتهب بدورها إلى درجة تتراجع معها فرص التعايش مع أي من خيارات حزب الله.
حادث الكحالة يشير إلى أن البيئة باتت ملتهبة إلى درجة تتراجع معها فرص التعايش مع أي من خيارات حزب الله
ومع الأوضاع التي تمضي في ظل انهيار سلطة الدولة، حيث لا قانون ولا قضاء، وحيث ينسحق اللبنانيون في ظل أزمة اقتصادية وانهيار نقدي وتدهور معيشي حاد، فإن الدعوات إلى “حمل السلاح في مواجهة سلاح حزب الله”، حتى وإن تبدو خيارا مرفوضا بالنسبة إلى أحزاب المعارضة، إلا أنها تثار في بيئة سياسية تزداد فيها القناعات بأن التعايش مع حزب الله بات عسيرا.
ويقول الكاتب علي حمادة إن حادثة الكحالة كشفت حجم الرفض لسلوك حزب الله ولما يمثله في سياق مشروع غلبة يزحف شيئاً فشيئاً لابتلاع لبنان، مما يدفع إلى أن “المزاج الغالب في جميع البيئات بات أكثر راديكالية تجاه ‘تكتيك’ اللعب تحت الطاولة والتواطؤ مع طرف صارت الهوة بينه وبين غالبية اللبنانيين عميقة إلى أبعد الحدود”.
وساهمت حوادث العنف المتفرقة في تأجيج الخلافات السياسية بين حزب الله وحليفه المسيحي الأبرز التيار الوطني الحر الذي انتقد حادثة الكحالة بشدة واتهم حزب الله بـ”القصور”.
وتأتي السجالات بين الحزبين في وقت أعلن فيه التيار الوطني الحر القبول بمرشح حزب الله للرئاسة سليمان فرنجية مقابل تركيز مشروع اللامركزية، وهو تطور لا يزال الحزب يدرسه لكنه ماض في تفعيله.
وأفاد عضو المجلس المركزي في حزب الله نبيل قاووق الاثنين، بأن الحزب “عمل على تطويق حادثة الكحالة وقطع طريق الفتنة من موقع المسؤولية الوطنية والحرص على السلم الأهلي”.
وأضاف قاووق “الحوار بين حزب الله والتيار الوطني الحر متواصل ويتقدم بإيجابية ولن يتأثر”، وتابع “إننا اليوم أكثر تصميماً وإصراراً على إيصال رئيس للجمهورية يؤتمن على حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية”.
ومن ضمن أهم المواصفات التي يشترطها حزب الله في الرئيس اللبناني القادم هو أن يكون صديقا لسلاح الحزب ويتعهد بعدم المساس به، وهي صفات يوفرها مرشحه سليمان فرنجية.
العرب