أنقرة- دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط الاحتجاجات في مدينة كركوك العراقية مرسلا إشارات تهديد بالتدخل في حال تم تسليم المحافظة الغنية بالنفط إلى الأكراد وفق اتفاق بين أربيل والحكومة الاتحادية في بغداد.
وقال الرئيس التركي إن “كركوك هي موطن التركمان، ومنطقة تعيش فيها الثقافات المختلفة بسلام لمئات السنين، ولن نسمح بزعزعة أمنها وتهديد وحدة أراضيها”.
وأضاف “لن نسمح بأي ضرر يصيب وحدة واستقرار هذه المنطقة الجغرافية”.
ويرى مراقبون أن تصريحات أردوغان تحمل رسالة واضحة، مفادها أن تركيا لن تبقى على الحياد تجاه الصراع القائم حاليا في كركوك بين الأكراد، الذين يريدون الاستفادة من اتفاق سابق لوضع أيديهم على المدينة، من جهة وبين أحزاب شيعية، تريد الاحتفاظ بها تحت سلطة الحكومة المركزية المحسوبة على إيران، من جهة أخرى.
ويشير المراقبون إلى أن تركيا وجهت إلى الأكراد والحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني تحذيرا خفيا من أن الانفتاح التركي على الحزب وعلى قيادة الإقليم لا يعني بأي حال السكوت عن محاولات وضع اليد على كركوك التي يراهن الأتراك عليها كحجة لِشَرْعنة تدخلهم في شؤون العراق باسم حماية التركمان.
◙ الأتراك عارضوا بشدة إلحاق كركوك بحكم الأكراد، وهم يرون أن تعدد الأعراق في المدينة لا يلغي فكرة أن “الهوية الأساسية لكركوك تركمانية”
وحث أردوغان وزير الخارجية هاكان فيدان ورئيس جهاز الاستخبارات إبراهيم قالن على ضرورة متابعة ملف كركوك عن كثب.
وأوضح أنّ هدوءا نسبيا يسود مدينة كركوك في الوقت الحالي على ضوء نتائج اللقاءات التركية مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ومع أسرة بارزاني في إقليم شمال العراق.
وفي ردّ فعل من عائلة بارزاني على ما تعتبره تقاربا بين بغداد وأنقرة، تظاهر الآلاف من الأكراد رافعين أعلام الإقليم احتجاجا على تأخّر دفع رواتب موظفي الإقليم الحكوميين، ومحمّلين الحكومة المركزية في بغداد مسؤولية ذلك.
وتجمع الآلاف من المتظاهرين، ارتدى بعضهم الزي الكردي، وسط مدينة دهوك في شمال العراق وحمل معظمهم أعلام إقليم كردستان، ورفعوا لافتات بها شعارات مثل “كردستان لن تتراجع في وجه الممارسات السياسية العدائية للسلطات العراقية” و”إقليم كردستان وحدة فيدرالية دستورية لها كل الحق في حماية وجودها الدستوري” و”نتضامن مع أهلنا في كركوك”.
وتأتي تصريحات أردوغان بعد يومين من تصريحات شديدة اللهجة أدلى بها وزير الخارجية التركي في مؤتمر مشترك مع نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان، جاءت في قالب تهديد مبطن.
وقال فيدان إن أنقرة ستقف ضد جعل حقوق التركمان “موضع مساومات سياسية” وستستمر في دعمهم في كافة المجالات، مطالبا بـ”ضمان التمثيل المتساوي لجميع مكونات المجتمع في كركوك ومشاركتهم في الإدارة، وحماية حقوق ومصالح أبناء جلدتنا التركمان”.
ويزيد التدخل التركي في مسألة كركوك من الضغوط على حكومة السوداني، التي تريد تهدئة مع الأكراد لتسهيل تقاسم عائدات النفط، لكن استعداء أنقرة ليس في صالحها لامتلاك الأتراك أدوات ضغط متعددة على رأسها النفط والمياه.
وعارض الأتراك بشدة إلحاق كركوك بحكم الأكراد، وهم يرون أن تعدد الأعراق في المدينة لا يلغي فكرة أن “الهوية الأساسية لكركوك تركمانية”.
وسبق أن لوح دولت بهجلي، زعيم حزب الحركة القومية وحليف حزب أردوغان في البرلمان، بالتدخل لنصرة التركمان، وقال إن “الأقلية التركمانية العراقية التي تربطها صلات عرقية بتركيا لن تُترك لحالها في كركوك”.
وينتقد التركمان استبعادهم من مناصب مهمة في المجالات العسكرية والأمنية والاستخباراتية، ويرون أنها حكر على المكونات الأخرى، وبالأساس الشيعة والأكراد.
وفي نوفمبر الماضي حذّر نواب في البرلمان العراقي عن المكون التركماني من “التفاهمات السرية” بين تحالف الإطار التنسيقي والقوى الكردية حول كركوك. وقال ممثل التركمان في البرلمان العراقي أرشد الصالحي إن هذه التفاهمات “تمت بمعزل عن التركمان، وهي محل شك بالنسبة إلينا “، في إشارة إلى مفاوضات تشكيل حكومة السوداني.
وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق “أمرا ولائيّا” يقضي بإيقاف إجراءات فتح مقر للحزب الديمقراطي الكردستاني في محافظة كركوك وتسليمه المقر المتقدم لقيادة العمليات المشتركة، وهو ما يعيق صفقة الحزب مع الإطار التنسيقي للعودة إلى المدينة.
وقالت المحكمة إنها أمرت “بإيقاف تنفيذ أمر السيد رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة المؤرخ في 25 – 8 – 2023 والمتضمن ‘إخلاء البناية المشغولة حاليا من قبل المقر المتقدم لقيادة العمليات المشتركة في محافظة كركوك والآثار التي ترتبت عليه’، إلى حين حسم الدعوى المطالب بموجبها الحكم بإلغائه. وذلك بغية الحفاظ على الأمن في محافظة كركوك وتغليب الوحدة الوطنية والتعايش السلميين والمصلحة العامة، قرارا باتا وملزما لكافة السلطات”.
◙ تصريحات أردوغان تؤكد أن تركيا لن تبقى على الحياد تجاه الصراع في كركوك بين الأكراد والأحزاب الشيعية
وخاض أبناء الأقليتين العربية والتركمانية اعتصامات واحتجاجات إثر صدور قرار رئيس الحكومة، الذي لم يأخذ بعين الاعتبار أجواء الاحتقان السائدة في المدينة، وكاد يتسبب في اندلاع حرب أهلية بين الأكراد من جهة وبين العرب والتركمان من جهة أخرى.
وأدت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين إلى سقوط ثلاثة قتلى على الأقل ونحو 20 جريحا. وهو ما دفع السوداني إلى إعلان حظر التجول، قبل أن يتم رفعه بعد صدور قرار المحكمة الاتحادية.
وتستند السلطات العراقية في تبعية كركوك إلى المركز على الإحصاء السكاني عام 1957، الذي يُظهر أن الأكراد وإن كانوا الأقلية الأكبر عددا (نحو 48 في المئة من مجموع السكان في ذلك الوقت) فإنهم أقلية في موازاة الأقليتين العربية (28 في المئة) والتركمانية (21 في المئة)، فضلا عن وجود أقليات أقل عددا.
وسجلت الإحصاءات التالية التي جرت في عامي 1977 و1997، تزايد الأقلية العربية إلى 45 في المئة و72 في المئة على التوالي، بموجب سياسات “التعريب” التي اتبعتها الحكومات السابقة. وهو ما تحوّل، بمرور الوقت، إلى حقيقة ديمغرافية تصعب إزاحتها.
العرب