تنظيم داعش يعلن “حرب المقابر الكبرى” في الموصل

تنظيم داعش يعلن “حرب المقابر الكبرى” في الموصل

images-cms-image-000024109

القتل والغرامة والجلد عقوبات كان يتوقعها سعدون منذ اللحظة الأولى التي اعتقله فيها ديوان الحسبة التابع لـ”داعش”، لكنه لم يتخيّل عقوبةً يقضيها في المقابر.

قضى سعدون (27 سنة) الأسابيع الثلاثة الأخيرة من تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي في السجن بسبب متاجرته بالسجائر، ولم يُفرج عنه إلا بعد هدم عشرات القبور، في إطار حملة أطلق عليها التنظيم اسم “إزالة المظاهر الشركية” وتشمل اكبر مقابر الموصل.

محمد الشماع إمام وخطيب جامع النبي يونس الذي فجّره “داعش” في تموز (يوليو) 2014 بحجة وجود قبر فيه يعلق: المتشددون يحرّمون وضع نصب حجرية على القبور او إبرازها بالتراب، “لكي لا يعبدها الناس من دون الله”.

يضيف الشماع المقيم في دهوك بتعجب “هذه عقول مريضة، هل شاهد احد أناساً يعبدون قبرا. انهم يحرفون الدين الإسلامي على نحو فضيع”.

من معتقلات عديدة في الموصل ينقل تنظيم “داعش” سجناء فرض عليهم عقوبة التعزير، أي التأديب على مخالفات لم ترد في القران او أحاديث النبي محمد، كتجارة السجائر والتدخين وعدم الالتزام بإطالة الذقن او التخلف عن أداء صلاة الجمعة وغيرها.

يقول سعدون لـ”نقاش” بعد اطلاق سراحه: أمرنا السجّانون بالاستعداد للذهاب الى المقبرة، وعند صباح اليوم التالي عصبوا عيني ووضعوني وآخرين في سيارة سارت بنا بضع دقائق ثم توقفت، وعندما حرروا أعيننا وجدنا أنفسنا وسط مقبرة كبيرة. فتهامس السجناء: إنها مقبرة (الموصل الجديدة) غربي الموصل.

ويضيف “ترجلنا وكنا (12) سجينا، سلمني احد عناصر التنظيم المتشدد الذين فرضوا علينا حراسة مشددة، مجرفة وحفارة يدوية ووجهني للعمل قائلا لي: “داخل السياج نحو خمسين قبرا، عليك أن تحطم نصبها الحجرية وتسويها بالأرض، لا نريد أثراً للقبور”.

الموصل المدينة المترامية الأطراف تضم أربع مقابر كبيرة وأخرى اصغر، فضلا عن ثلاث مقابر للمسيحيين، وكل منها مقطعة إلى مساحات لا تتعدى غالبا (250) مترا مربعا ومحاطة بسياج منخفض، وهذه القطع وزعتها البلدية على العائلات مسبقاً.

“الحملة على المقابر شاملة” هذا ما يؤكده هاني خلف الذي اعتاد مشاهدة مقبرة الإصلاح الزراعي منذ طفولته عبر نافذة غرفته في الطابق العلوي من منزله الذي يفصله عن المقبرة شارع بعرض أمتار قليلة، ويبين الشاب لـ”نقاش” انه قبل عشرة ايام استيقظ من نومه ليرى رجالا يحطمون القبور ويعبثون بها.

ويضيف “أجزاء المقبرة التي وصلها التخريب صارت أرضاً مستوية فقد اختفت معالم القبور التي كنت أميّزها عبر النُصُب الحجرية الصغيرة المزروعة على أطراف القبور”.

معاول الهدم امتدت إلى أكبر مقبرتين هما وادي عكاب غربي الموصل والكرامة (التلفزيون) شرقيها، وبحسب الصحفي عامر الجميلي المقيم حاليا في بغداد فإن “داعش” فرض على المصورين الفوتوغرافيين بالموصل العمل فيهما.

وكتب في صفحته على فيسبوك: “من ‏العقوبات العجيبة التي فرضها ‏التنظيم على بعض المصورين الفوتوغرافيين الذين اعتقلتهم في الموصل مؤخرا، أن يقوم كل منهم بتسوية أربعين قبراً بالأرض”.

“نقاش” حصلت على شهادات أخرى تؤكد أن حملة هدم القبور امتدت إلى الأقضية والقرى أيضاً، إذ يقول ابو احمد البدراني ان عناصر “داعش” اقتادوا مجموعة سجناء إلى قرية الجرن جنوب الموصل وهدموا جميع القبور الموجودة على تلة صغيرة.

“من الآن فصاعدا يمنع وضع نصب للقبور أو رفعها عن الأرض بتكديس التراب عليها” هذا نص أمر كما ينقله البدراني وجهه عناصر التنظيم لأبناء الجرن حالما انتهوا من تخريب مقبرتها وهم في طريقهم إلى قرى مجاورة.

بدأ “داعش” بهدم القبور بعد ايام قليلة من سيطرته على الموصل، واستهلها بتجريف قبر البنت أحد الشواهد الأثرية أواخر حزيران (يونيو) 2014، واستمرت سلسلة الهدم والتفجير لتشمل اهم الجوامع التي يعود بعضها إلى ألف عام، كما هدموا مقابر المسيحيين في دير ماركوكريس الشهير وغيرها.

السجناء هم أبطال حملة هدم القبور الجديدة، إنها فرصة ليروا النور لأن داعش يفرض سرية تامة على سجونه، لكن ذلك لا يعني أنهم يخرجون الى نزهة بل هي أعمال شاقة.

وبحسب سعدون، فانه أُجبر على هدم مئة قبر، مبينا ان العدد يزيد وينقص بحسب عقوبة التعزير المفروضة على كل سجين، فمن يتاجر بالسجائر ينال عقوبة أقسى من المدخن وهكذا.

ويشير إلى أن التنظيم سمح للسجناء بطلب مساعدة أقاربهم وأصدقائهم لقضاء هذه العقوبة. “لسوء حظي، عندما وصلني بعض أقاربي في اليوم الثاني من العمل، كنت قد انتهيت من القبر المئة” يستدرك.

بعد أسبوعين من العمل المتواصل تمت تسوية مقبرة موصل الجديدة بالكامل، وقاد الفضول خضر العكيدي إليها دونما يعترضه احد، ولم يفاجأ لرؤية قبور أجداده وأعمامه قد خربت فقد شاهد من بعيد عمليات الهدم فيها.

يقول العكيدي “كنت اعرف جميع قبورنا عبر النصب الحجرية، الآن أصبح الأمر صعباً ولولا أنهم ابقوا السياج الخارجي لمقبرة عائلتنا لما ميزتها عن المقابر الأخرى”.

اذا سأل سائل عن رأي سكان الموصل في الحملة، سيبدو تعليق سعدون مناسبا للرد عليه: “لم نعد نكترث للأموات، نحن نحاول البقاء أحياء في هذا الظرف العسير جدا”.