تدمير الغابات يعيق مسار تحفيز تجارة الكربون

تدمير الغابات يعيق مسار تحفيز تجارة الكربون

اتسعت شكوك الخبراء في جدوى الاتجاه نحو تكريس تجارة الكربون المتبع حاليا، بعدما وقفوا على مدى الانتكاسة التي تتعرض لها جهود التقليل من التلوث ومكافحة الاحتباس الحراري وخاصة مع الإمعان في تدمير الغابات.

لندن – تصاعدت تحذيرات الخبراء من أن العالم يفشل في الوفاء بوعده بإنهاء إزالة الغابات وتغيير الاتجاه السائد على هذا الصعيد بحلول العقد المقبل، إذ ازدادت في العام الماضي المساحات الحرجية التي تعرضت للقطع.

ويعيق الاستمرار في تدمير الغابات، التي تغطي 31 في المئة من مساحة الأرض مسار تحفيز تجارة الكربون خلال المرحلة المقبلة من أجل إثبات القدرة على معالجة مشكلة التغير المناخي.

وتبدي الكثير من الشركات وخاصة الكبيرة استعدادها لكل شيء لتعويض انبعاثاتها، والظهور في مظهر الجهات المحايدة كربونيا، لكن المتابعين للمسار يشككون في قدرتها على التعامل مع ذلك على النحو الأمثل.

وصارت أحد الخيارات الشائعة بشكل متزايد في السنوات الأخيرة شراء أرصدة من المشاريع، التي تساعد في تجنب انبعاثات الغازات الدفيئة أو إزالتها من خلال طرق مختلفة.

ومن بين الأساليب الحفاظ على الغابات التي تخزن الكربون أو تحويل غاز الميثان المتسرب من مواقع دفن النفايات إلى غاز حيوي أو توزيع مواقد طهي أكثر كفاءة تستخدم وقودا أقل.

ويتم استخدام الأرصدة من الشركات والمؤسسات لتعويض الانبعاثات عند احتساب بصمتها الكربونية، وهي مدعومة بمشاريع تعوض عن الانبعاثات، مثل غرس الأشجار أو توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وفي عام 2021، التزم قادة أكثر من مئة دولة ومنطقة تضم الغالبية الساحقة من غابات العالم بوقف وعكس اتجاه فقدان الغابات بحلول عام 2030.

لكن التقويم السنوي الذي صدر الثلاثاء وجد أن إزالة الغابات في العالم زادت بنسبة 4 في المئة العام الماضي، وأن العالم لا يزال بعيدا عن المسار الصحيح للوفاء بتعهداته.

ويأتي نشر التقرير قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (كوب28)، والذي سيجمع قادة العالم في دبي أواخر نوفمبر المقبل.

وقالت إيرين ماتسون، إحدى المعدين الرئيسيين للتقرير الذي حمل عنوان “تقويم إعلان الغابات”، إنّ “هدف 2030 لم يُوضع فقط من أجل تقديم وعود منمّقة، بل من الضروري الحفاظ على مناخ صالح للعيش للبشرية”.

وليست الغابات موائل أساسية للحياة الحيوانية فقط، بل تضمّ أيضا عناصر تنظيمية مهمة للمناخ العالمي وبنوك الكربون التي تمتص الانبعاثات الناجمة عن الأنشطة البشرية.

وكانت إزالة الغابات في العام الماضي، أعلى بنسبة 20 في المئة مما كان ينبغي أن تكون عليه للوفاء بالالتزامات التي قطعها زعماء العالم.

وتشير التقديرات إلى أن حوالي 6.6 مليون هكتار فقدت من الغابات، معظمها من الغابات الأولية في المناطق الاستوائية.

ويحذر التقييم، الذي أشرفت عليه أكثر من عشرين منظمة بيئية وهيئة بحثية، من أن تدهور الغابات لا يزال يمثّل مشكلة كبيرة.

ويشير مصطلح تدهور الغابات إلى مجموعة واسعة من الأضرار التي تؤثر على الحالة العامة للغابة، بما يشمل حرائق الغابات وفقدان التنوع البيولوجي.

وقالت ماتسون “تميل البيانات من سنة إلى أخرى إلى التغيير، لذا فإن تقويم الوضع عن سنة واحدة ليس الحل الأمثل، لكن المهم حقا هو الاتجاه. ومنذ الفترة المشمولة بالتقرير من 2018 إلى 2020، نسير في الاتجاه الخطأ”.

والصورة ليست سلبية تماما، حيث يُعتقد أن حوالي خمسين دولة تسير على الطريق الصحيح لإنهاء إزالة الغابات. وقد سجلت البرازيل وإندونيسيا وماليزيا بشكل ملحوظ “انخفاضات مذهلة” على صعيد المساحات الحرجية المفقودة.

ومع ذلك، يحذر التقرير من أن هذا التقدم مهدد، حيث يتطلب جهودا أكبر تراعي تحقيق الأهداف، التي يتوقع أن تعود بالفائدة في شكل استثمارات كربونية.

ويرتبط نجاح إندونيسيا جزئيا على هذا الصعيد بقرار البلاد تعليق إزالة الغابات، لكن البعض يخشى أن يؤدي تشريع محلي جديد بشأن استحداث فرص عمل إلى إضعاف هذا الالتزام.

ورغم الاهتمام المتجدد بحماية منطقة الأمازون في البرازيل، فقد بات نظام بيئي رئيسي آخر، وهو منطقة سيرادو سافانا، هدفا لعمليات القطع.

ويشيد التقرير بالقواعد الجديدة التي أدخلها الاتحاد الأوروبي بهدف منع واردات السلع التي تشجع على إزالة الغابات.

لكنّ الباحثين دعوا إلى تحرك عالمي أقوى، بما في ذلك تخصيص المزيد من الأموال لحماية الغابات وإنهاء إعانات الدعم لقطاعات مثل الزراعة التي تشجع على إزالة الغابات.

وتحذر فران برايس، المسؤولة العالمية عن الغابات في الصندوق العالمي للطبيعة، من أن “العالم يخذل الغابات، مع ما يترتب على ذلك من عواقب عالمية مدمرة”.

وتؤكد أن “منذ الالتزام العالمي فُقدت مساحة من الغابات الاستوائية بحجم الدنمارك”.

ومع ذلك، فإن إزالة الغابات قد تأخذ حيّزا من المناقشات حول الطاقة البديلة ومستقبل الوقود الأحفوري. وتقول برايس “نريد أن تكون الطبيعة والغابات أولوية. ونخشى ألا تكون (المناقشات) على المستوى المطلوب”.

ويرى الكثير من الخبراء أن أسواق ائتمان الكربون غير منظمة إلى حد كبير حيث لم تتفق الحكومات بعد على قواعد التداول.

وفعليا تفكر العديد من البلدان والشركات منذ فترة في التعويض كوسيلة للمساعدة في تحقيق أهداف انبعاثات الكربون الصافية الصفرية بحلول عام 2050، وهو هدف حاسم للتخفيف من آثار تغير المناخ.

ومع ذلك، لا يمكن القضاء إلا على ثلث 50 أو 60 غيغا طن من الانبعاثات التي يجب خفضها سنويا من خلال مصادر الطاقة المتجددة وإجراءات الكفاءة.

وحدد صندوق مؤسسة التمويل الدولية ما بين 250 و300 ألف طن من الاعتمادات التي يمكن شراؤها بحلول نهاية هذا العام.

وقدرت مكاتب دراسات تصاريح ثاني أوكسيد الكربون المتداولة في الأسواق العالمية بنحو 850 مليار دولار بنهاية 2021، ومعظمها في الاتحاد الأوروبي.

ووفقا لإيكوسيستم ماركتبلايس، وهي مجموعة بحثية ترصد التمويل البيئي، تجاوزت القيمة السنوية لسوق الكربون الطوعي حاجز المليار دولار لأول مرة في العام الماضي، أي أكثر من ضعف ما تم تسجيله في العام السابق.

العرب