إن انتقاد دبلوماسية الدول الغربية في تعاملها مع النظام الإيراني لا يتعارض بأي حال من الأحوال مع مساعي الإيرانيين المقيمين في الخارج لتغيير اتجاهات السياسة الخارجية للدول الغربية لمصلحة الثورة العلمانية في إيران. العالم الواقعي هو عالم الاحتمالات. كما أن هذا العالم الحقيقي هو أيضاً عالم الموارد والحقائق المحدودة على الأرض.
وأما السؤال الأكثر إلحاحاً للناشطين السياسيين الإيرانيين المقيمين في الخارج هو ما إذا كان تغيير السياسة الخارجية للدول الغربية يمكن أن يشكل أولوية معقولة لهم أم لا؟ وهل الحقائق على الأرض تشير إلى إمكانية حدوث هذا التغيير؟ أليس التركيز على الرأي العام ووسائل الإعلام الأكثر فعالية في تغيير السياسة الخارجية أنجع من غيره؟ لماذا بعد هذه المساعي الحثيثة لم يتم إدراج اسم الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب للدول الغربية؟ لمَ لم تطبق إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن العقوبات القائمة فحسب، لا بل تعمل على التفاف العقوبات وتسهل على النظام أن يحصل على مليارات الدولارات؟
إن تغيير السياسة الخارجية للدول الغربية بشكل عام وفي الكثير من الأحيان أمر صعب للغاية. لأن السياسة الخارجية لهذه الدول تقوم على العمل مع النظام الحالي أو أي حكومة أخرى في إيران. ولهذا السبب نجح لوبي الجمهورية الإسلامية في تطبيع وتحسين صورة النظام الإيراني في العقدين الأخيرين.
فالدول الغربية كانت مستعدة لشراء هذا المشروع ولوبي النظام تمكن من تسويقه وبيعه. إن الدبلوماسية بأي ثمن والحوار مع الإرهابيين والتعامل معهم (حكومات أو جماعات إرهابية) حتى وإن لم يتم الحديث عنه صراحةً، هو الأسلوب المعتاد للحكومات والدول الغربية في العلاقات الخارجية. الدبلوماسيون الغربيون على قناعة بأن “الدبلوماسية لا تنجح حتى تبدأ في العمل”.
ولا ينبغي الالتفات إلى تصريحات المسؤولين في وزارات الخارجية في الدول الغربية، سواء في إدانتهم للحكومات أو مدحهم إياها، لأن كلا الحالتين يمكن أن تكونا غير واقعيتين. وحتى الطرف المدان يعرف جيداً أن هذه التصريحات هي للاستهلاك المحلي، وبالتالي، يجب التفكير في العلاقات التجارية وفوائدها، إذ عادةً ما يصرحون لإرضاء مجموعة أو أخرى، ولكنهم سرعان ما يغيرون تصريحاتهم.
وتعلم الدبلوماسيون الغربيون أن يطلقوا بتصريحات لا تمت للواقع بصلة، بينما العلاقات العامة للدول ووسائل الإعلام تفسر هذه التصريحات على أنها نصوص مقدسة. إن الدبلوماسيين، سواء كانوا يمثلون الديمقراطيات أو يمثلون بوتين وصدام وملالي طهران، كلهم يتقنون مبداً “عدم القول بالقول” أو “القول بعدم القول”. إلا أن ما يميز الدبلوماسيين الغربيين عن نظرائهم الروس أو السوريين إنهم يكذبون بدرجة أقل من محمد جواد ظريف وأمير عبداللهيان.
الخصائص المشتركة للدبلوماسيين
في ما يتعلق بالدبلوماسيين الغربيين، هناك ثلاث خصائص يمكن ذكرها:
نادراً ما يكون لديهم رؤية حضارية ووطنية طويلة المدى. وغالباً ما يكونون سماسرة وبيروقراطيين. إنهم يفكرون في إعداد التقارير عما قاموا به، حتى وإن لم يفعلوا أي شيء. الدبلوماسيون على استعداد لقبول رأي مسؤول دولة معادية في إنكار الهجوم على قوات بلادهم وتجاهل كل الأدلة من أجل الحفاظ على علاقاتهم مع مجرمي ذلك النظام لتبقى الأبواب وقنوات الاتصال مفتوحة. بعض الدبلوماسيين مثل جون كيري امتدح “جزار سوريا” قاسم سليماني من أجل التوصل إلى اتفاق نووي.
لا ينشغلون بشؤون المواطنين وأعمالهم الإدارية (هذا من اختصاص الدائرة الإدارية في السفارات). إما إنهم منخرطون في مفاوضات مع مسؤولين الدول الأخرى أو منخرطون في السياسة الداخلية لبلادهم وضمان وظائفهم المستقبلية. إن العديد منهم يرون المصالح الوطنية لبلادهم في ظل الصراعات والمنافسات السياسية الداخلية، وليس في إطار مصالح البلاد وأمنها على المدى الطويل.
يحاولون أن يبقوا على علاقة مع الدول المتخاصمة معهم لدرجة التملق. وقد يؤدي هذا إلى إذلالهم أو إذلال أوطانهم. وقد يحافظوا على علاقات غير رسمية مع بعض الدبلوماسيين في الدول المعادية لتبرير أفعال هذه الدول المعادية. كما أن الدول الغربية لا تقوم برد فعل تحت ضغط الراي العام.
لا أمل في الغرب
بناءً على ما ذُكر أعلاه، فمن غير المتوقع أن يقف الدبلوماسيون الغربيون إلى جانب الشعوب المضطهدة (بخاصة تلك التي تقع تحت حكم الأنظمة الشمولية) والأمم التي ترغب بالحريات الفردية. إن وزراء الخارجية أو كبار المسؤولين العاملين في وزارات خارجية الدول الغربية أو مسؤولي الأمم المتحدة هم الأشخاص الأكثر سوءاً لا بل غير مناسبين كلياً لمناقشة انتهاكات حقوق الإنسان. إنهم بياعو كلام ليس إلا. لكنه ومن خلال ممارسة الضغط من الممكن التقليل من الأضرار التي تنجم عن مساعدتهم على بقاء الأنظمة الشمولية وآلة القمع والدعاية التي يقومون بها لمصلحة هذه الأنظمة.
أما السؤال المشروع الذي يطرح نفسه في هذا الوقت فهو أنه إذا كانت الأجهزة الدبلوماسية الغربية بطيئة ومنشغلة بالسياسات الداخلية والتواصل مع حلفائها، فلماذا أصبحت هذه الأجهزة في عجلة من أمرها في ثورة 1979 لتسهيل صعود الإسلاميين في إيران وأفغانستان. مما لا شك فيه، أن فرنسا “سمحت للخميني بدخول أراضيها” وأميركا “حيدت الجيش الإيراني” ومجموعة الدول الغربية في مؤتمر غوادلوب “قطعوا الدعم عن الحكومة البهلوية” لتعزيز وضع الثوار في إيران، وأزالوا العوائق من أمامهم حتى يتمكنوا من تولي الحكم بسهولة. صحيح أن الغربيين لم يكونوا هم السبب في حدوث الثورة في إيران عام 1979، إلا أنهم لم يقفوا ضدها ولم يكونوا على الحياد أيضاً.
وفي ثورة 2022، لم يهبوا لمناصرة من أرادوا الإطاحة بالنظام الديني في إيران، ولم يبقوا حتى على الحياد. كانت الحكومات الغربية تنتظر أن تهدأ الاحتجاجات على مقتل “مهسا أميني” حتى تعود إلى المفاوضات مجدداً.
هناك ثلاث مسائل لها علاقة بدور الدبلوماسيين الغربيين ووظائفهم:
لم يدرك بعد الدبلوماسيون الغربيون وذلك بسبب افتقارهم للمنظور الحضاري الشيعي، أن رجال الدين الشيعة هم بالأساس معادون للحضارة الغربية ولا يستطيعون الحكم بشكل طبيعي في هذا الوقت بالتحديد. المسؤولون والدبلوماسيون الغربيون على رغم مرور أربعة عقود من الإرهاب وتدريب ودعم القوى الثورية الشيعية في سوريا ولبنان وليبيا، إلا أنهم لم يتمكنوا بعد من التنبؤ بأن نظام الجمهورية الإسلامية في إيران سيتحول إلى نظام إرهابي متمرد، يحتجز الرهائن ويمتلك برنامجاً نووياً. بعض الدبلوماسيين الغربيين لم يفهموا ولم يستوعبوا هذه الحقيقة بعد.
قسم آخر من الدبلوماسيين الغربيين وبسبب تركيزهم على السياسة الداخلية وميولهم اليسارية، كانوا يعتقدون أن وجود الحكومات المعادية لأميركا ولإسرائيل تصب في مصلحة أيديولوجيتهم وفصيلهم السياسي. ورأي القسم الآخر، غير اليساري، هو أن القوى الدينية ستكون إلى جانبهم ضد الشيوعية، وذلك من دون أن يحسبوا حساب الأخطار التي تسببها القوى الدينية والأيديولوجيا الإسلاموية.
وخلال الثورة الإيرانية عام 1979، كان المسؤولون والدبلوماسيون الغربيون إلى جانب وسائل الإعلام البسيطة والقابلة للتلاعب من قبل الغرب (والتي عادة ما تكون ذات توجه يساري) كانوا مفتونين بالثورة الإيرانية. لأنهم خلال الثورات تلك كانوا يرددوا الشعارات الاشتراكية التي تنادي بالمساواة بين الناس.
ولهذه الأسباب تحديداً، لم يقف المسؤولون والدبلوماسيون الغربيون بعد إلى جانب الثورة العلمانية والمعادية للإسلاميين والتي لا تعادي أميركا وإسرائيل في إيران. إن الدور المهم التي كانت تؤديه ثورة “المرأة والحياة والحرية” في توفير الأمن للمجتمعات الغربية هو أعلى من مستوى فهمهم السياسي. لم يتخيلوا أن الفتيات اللواتي تتراوح أعمارهن بين 14 و20 عاماً من الطبقات الفقيرة والمتوسطة الدخل سيقفن ضد النظام الشمولي المناهض لأميركا. كما لم يفهموا بعد إلى أي مدى يمكن للثورة العلمانية في إيران أن تساعد في المحافظة على حضارتهم الغربية وإنقاذها من خطر الإسلام السياسي.
ضرورة الضغط على الدبلوماسيين الغربيين
في واقع الأمر، إن الطريق للتأثير في السياسة الخارجية للدول الغربية ليس مغلقاً. في العالم الغربي للرأي العام ووسائل الإعلام دور مهم جداً لا يمكن الاستغناء عنه بأي شكل من الأشكال. ويمكن للرأي العام أن يؤثر حتى في وسائل الإعلام المنحازة لمصلحة فصيل سياسي أو حزب أو سياسة معينة (على سبيل المثال لا للحصر، صحيفة “نيويورك تايمز” وشبكة “سي أن أن”). وعليه، فإن التأثير في الرأي العام في الدول الغربية يعد أولوية ولا بد من استثمارها.
إن التظاهرات المستمرة في الأماكن العامة والتواجد المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي ومطالبة المشاهير باتخاذ موقف ضد جرائم النظام الإيراني والمشاركة في النشاطات في البلدان الغربية مثل أعياد العمال والمناسبات الوطنية والاتصال الجماعي بالمشرعين الغربيين، تُعتبر من الأمور الفعالة جداً للتأثير في الرأي العام الغربي.
وخلاصة القول إن هذه الإجراءات هي التي تسببت في عام 2022، في حدوث بعض التغييرات وإن كانت بسيطة وبطيئة، وأحياناً شكلية، في تعامل منظمة الأمم المتحدة والدول الغربية مع الأوضاع في إيران.
نقلاً عن “اندبندنت فارسية”