ضغوط الديمقراطيين على السعودية تربك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

ضغوط الديمقراطيين على السعودية تربك السياسة الأميركية في الشرق الأوسط

بصمات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي تطوّع بإسداء خدمات مجانية لإيران على حساب حلفاء بلاده في المنطقة، وفي مقدمتهم السعودية، مازالت ماثلة في منظور الديمقراطيين للسياسة الخارجية الأميركية والذين يسعون لتسليط المزيد من الضغوط على المملكة، رغم ما تبين من مساوئ تلك السياسة.

الرياض – يعكس قرار يعمل مشرعون أميركيون على تمريره، وينص على ربط التعاون الأمني والدفاعي بين الولايات المتّحدة والمملكة العربية السعودية بأوضاع حقوق الإنسان في المملكة، حالة من هوس الديمقراطيين بالضغط على الرياض، في ظاهرة تحذّر دوائر أميركية من خطورة نتائجها على مصالح الولايات المتّحدة وعلى مستوى الاستقرار في الشرق الأوسط.

ويتمثل قرار مجلس الشيوخ الأميركي الحامل للرقم 109، والذي أعدّه السيناتور الديمقراطي كريس مورفي، في أن يقوم وزير الخارجية بتقديم معلومات بشأن حال حقوق الإنسان في السعودية قبل إسناد أي مساعدات أمنية أميركية للمملكة.

وقال الباحث الأميركي إريك بوردنكيرشر في تقرير نشره في مجلة ناشونال إنترست إنّ القرار يجب أن يسحب فورا وإلى الأبد، باعتباره مقدّمة لـ”مباردة أخرى كارثية للسياسة الخارجية للكونغرس في الشرق الأوسط”.

ويسعى الديمقراطيون بقرارهم لتقييد التدخل الأميركي في الصراع اليمني وإنهائه، بينما يبدو هذا الهدف، في نظر بوردنكيرشر، هامشيا حيث يتضمّن محاولة لتصحيح قضية ثانوية في السياسة الخارجية الأميركية على حساب اهتمامات وأهداف أكبر وأكثر إلحاحا.

ويذكّر التوجّه الحالي للديمقراطيين بسياسة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما الذي سلك منذ سنة 2015 مسار التفاوض مع إيران في نطاق ما عرف بخطة العمل المشتركة المعروفة إعلاميا باسم الاتّفاق النووي، وهو مسار صبّ في مصلحة الإيرانيين على حساب حلفاء الولايات المتّحدة الأكثر اشتراكا معها في الأهداف والمصالح.

ويظل أخطر ما في سياسات الديمقراطيين، لاسيما سياسة تسليط الضغوط على السعودية، هو المغامرة بإطلاق سباق تسلّح نووي في الشرق الأوسط، الأمر الذي يشكّل تهديدا مباشرا “لأمن الولايات المتحدة ويقوض المصالح الأميركية ويزعزع استقرار المنطقة ويضع الاقتصاد الدولي على شفا الخراب”.

وأدت محاولة إدارة أوباما للتوصل إلى تسوية بشأن طموحات إيران النووية إلى زيادة قلق السعودية من التخلي عنها وتركها لمصيرها.

وقد نظرت الرياض إلى الاتّفاق النووي باعتباره مظهرا لتقارب فعلي بين إيران والولايات المتحدة، وخيانة لتحالفها مع واشنطن الذي يعود إلى قرابة الثمانية عقود من الزمن.

ولطالما نظرت السعودية إلى النظام الإيراني باعتباره مصدر تهديد وجودي لها، وهو ما تعكسه مساعي ذلك النظام للحصول على قدرات نووية تشمل بنية تحتية لتخصيب اليورانيوم، كما يؤكّده دعمه للميليشيات المسلّحة الناشطة في عدد من بلدان المنطقة.

وفي الأشهر التي سبقت التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة، هددت السعودية بالحصول على قدرات مماثلة لقدرات التخصيب النووي المقدمة لإيران بموجب الصفقة المقترحة.

ربط التعاون الأمني مع السعودية بحقوق الإنسان يشكل تراجعا عن التزامات الولايات المتحدة إزاء المملكة

وفي مسعى لإنجاح الاتّفاق النووي بالتوازي مع تأمين منع انتشار القدرات النووية وتهدئة مخاوف الرياض التزم أوباما بمواصلة دعم السعودية والدفاع عنها، معتبرا أنّ الحماية التي تقدمها بلاده لها تشكل رادعا أعظم بكثير مما يمكن لها أن تأمل في تحقيقه من خلال تطوير قدرات نووية.

وإذ لا تزال المشاركة المحدودة للولايات المتّحدة في التدخل الذي تقوده السعودية في الحرب اليمنية تشكّل مظهرا لذلك الالتزام الأميركي بحماية المملكة، فإن تحقيق المشرّعين الديمقراطيين لهدفهم بإنهاء تلك المشاركة سيعني نهاية ذلك الالتزام، ما يعني بالنتيجة أن يسعى السعوديون إلى اتخاذ تدابير بديلة لحماية أنفسهم.

ويرى بوردنكيرشر أنّ أحد الاحتمالات هو سعي السعودية وراء امتلاك قدرات نووية لمعادلة القدرات الإيرانية. وبذلك يكون الديمقراطيون قد وصلوا في الأخير إلى نتيجة معاكسة تماما للسياسة التي سلكوها مع إيران على أساس أنّها ستؤدّي إلى منع الانتشار النووي.

وكنتيجة عكسية أخرى لتلك السياسة لن يكون لدى إيران أي حافز للعودة إلى اتفاق يقيد طموحاتها النووية عندما تكون غريمتها قد شرعت في تحقيق طموحات مماثلة.

وكما أنّ لقرار ربط المساعدات الأمنية الأميركية للسعودية بحقوق الإنسان تبعات أمنية محتملة، فإن له أيضا تبعات اقتصادية؛ إذ لا يخدم التوتّر في المنطقة، التي تعتبر محورا أساسيا لرفاهية العالم بما تحتوي عليه من مصادر الطاقة، الولايات المتّحدة ولا باقي الدول التي تريد دائما تأمين وصول موثوق وآمن إلى تلك الاحتياطيات الضخمة من النفط والغاز.

ويعتبر مراقبون أنّ حصول السعودية على قدرات نووية يظلّ مجرّد طرح نظري إلى حدّ بعيد اعتبارا لما سيواجهه ذلك المسعى من تعقيدات تقنية وأمنية وسياسية، إلاّ أنّهم يرون أنّ مجرّد التلويح به يعتبر بمثابة احتجاج سعودي على “الخيانة” غير المبررّة من قبل الحليف الأميركي.

ويبقى من المؤكّد، بحسب هؤلاء، أن العلاقات السعودية – الأميركية ليست في أحسن حالاتها. ورغم استمرار التواصل والتنسيق بين الطرفين في عدّة مجالات إلاّ أنّ منسوب الثقة بينهما يعتبر في أدنى مستوياته.

ويستدل المراقبون على ذلك بتنامي علاقات السعودية مع كل من الصين وروسيا وفقا لم أكده تصنيف مؤسسة كابيتال إيكونوميكس البريطانية للرياض باعتبارها أصبحت أقرب إلى بكين منها إلى واشنطن، واستنادا أيضا إلى استمرار السعودية في التنسيق مع روسيا في مجال النفط حفاظا على مصالحها وبعيدا عن رغبات الولايات المتّحدة التي لا يمكنها إلا أن تنظر إلى ذلك التنسيق بعين الريبة وعدم الرضا.

العرب