في 17 كانون الأول/ديسمبر ترأس وزير الخزانة الأمريكي جاكوب ليو اجتماع قمةً لوزراء المالية [للدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي] من أجل تعزيز الجهود العالمية الرامية إلى مكافحة تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (الذي يُعرف اختصاراً بـ «داعش» أو «الدولة الإسلامية»). وكانت هذه المناسبة أهم بكثير من مجرد فرصة لالتقاط صوراً تذكارية.
لقد بُذلت جهود كثيرة لعزل تنظيم «الدولة الإسلامية» عن النظام المصرفي الدولي، غير أنّه يصعب على وزراء المالية وشركائهم في القطاع الخاص الوصول إلى جزء كبير من قاعدة إيرادات التنظيم. فلا يملك المنظمون الحكوميون ولا مسؤولو الامتثال في المصارف، الأدوات اللازمة لانتزاع المبالغ الطائلة التي يجمعها تنظيم «داعش» من خلال الأنشطة الإجرامية التي يمارسها على أراضيه. فقوات الائتلاف قد غادرت العراق [قبل بضع سنوات]، كما أن “خلية مكافحة التهديدات المالية في العراق“ التي كانت تعمل في “المنطقة الخضراء” في بغداد لاقتفاء أثر الأموال، غير قائمة [منذ مغادرة تلك القوات]. بالإضافة إلى ذلك، لا تتمكن وكالات إنفاذ القانون العراقية من التصدي بشكل فعال لأنشطة الابتزاز وفرض الضرائب الواسعة النطاق التي يمارسها تنظيم «الدولة الإسلامية». إن ذلك يترك خيار الضربات الجوية، التي هي من اختصاص وزراء الدفاع، مفتوحاً لتحرير الأراضي من متطرفي التنظيم ومحاولة حرمانهم من القدرة على فرض الضرائب على السكان المحليين وابتزازهم.
وعلى الرغم من ذلك، يمكن أن يتابع وزراء المالية عمل “مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم «داعش»” من خلال صب تركيزهم على استمرار وصول التنظيم إلى النظام المالي الدولي الذي يتضمن المصارف والشبكات غير النظامية على غرار مكاتب الصرافة. فقد اكتشف تنظيم «الدولة الإسلامية» طرقاً لنقل دفعات النفط والآثار المهربة عبر النظام المصرفي، بالإضافة إلى إتمام صفقات تجارية صغيرة الحجم من مقاتلين أجانب وغيرها. وما زالت عشرون مؤسسةً ماليةً سوريةً على الأقل تعمل ضمن الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وفقاً لما أورده “فريق العمل المعني بالعمليات المالية” هذا العام، ويستخدم الرئيس السوري المحاصر بشار الأسد – الذي يواجه معارك طاحنة – هذه المصارف لتعزيز مصالحه التجارية مع تنظيم «الدولة الإسلامية». وفي سوريا، استطاعت بعض فروع المصارف في الأراضي الواقعة تحت سيطرة التنظيم أن “تحافظ على روابطها مع النظام المالي”، على الرغم من أن معظم المؤسسات المالية قد أوقفت عملياتها التجارية مع هذه المصارف.
وفي العراق، أمر المصرف المركزي للحكومة المؤسسات المالية بمنع التحويلات التي تتضمن مصارف واقعة في الأراضي الخاضعة لسيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية»، لكنّ تنظيم «داعش» ما زال يستخدم المصارف الواقعة خارج الأراضي التي يحتلها للوصول إلى النظام المالي الدولي. ووفقاً للسلطات الأمريكية، تلقى التنظيم أموالاً عن طريق تحويلات إلكترونية للأموال “في مناطق تُعرف كمحاور لوجستية ومحاور تمويل وتهريب للمنظمات الإرهابية والمقاتلين الإرهابيين الأجانب”. كما وُضعت “ودائع نقدية طائلة” في حسابات أمريكية ومن ثم أُرسلت إلى مناطق قريبة من مواقع عمل تنظيم «داعش» من خلال تحويلات مصرفية.
وفي خطاب ألقاه في الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر، أشار وكيل وزارة الخزانة الأمريكية لشؤون مكافحة الإرهاب والاستخبارات المالية، آدم زوبين، إلى التعاون الدولي الذي تقوم بتسهيله “مجموعة عمل مكافحة تمويل تنظيم «داعش»”، بما في ذلك تشارك الاستخبارات المالية وتجميد تدفقات الإيرادات الخاصة بالتنظيم. إلا أنّه لا يمكن لمستوى عمل المجموعة أن يغطي الثغرات الحساسة على الصعيد السياسي التي تسمح لتنظيم «الدولة الإسلامية» بالاستمرار في الوصول إلى النظام المصرفي.
ونصل بذلك إلى اجتماع وزراء المالية في 17 كانون الأول/ديسمبر وإلى هدفين أساسيين هما: أولاً، دعم دول المواجهة وتمكينها، لا سيما تركيا، لمنع عناصر تنظيم «الدولة الإسلامية» ومؤيديه من الوصول إلى المصارف الواقعة ضمن أراضيه. وبما أنه لا يزال بإمكان التنظيم الوصول إلى المصارف في سوريا، حيث يشكل النظام جزءاً من المشكلة، يجب على وزراء المالية أن يضغطوا باتجاه التوصل إلى التزام على مستوى الأمم المتحدة من شأنه عزل سوريا عن النظام المالي الدولي. هذا وتعمل وزارة الخزانة الأمريكية منذ فترة مع الحكومات في منطقة الشرق الأوسط وخارجها على عزل تنظيم «داعش» عن النظام المالي الدولي. ففي آذار/مارس، حذر وفد من وزارة الخزانة الأمريكية المصارف في المنطقة بشأن ضرورة مراقبة التحويلات المالية للتنظيم الآتية من دول الخليج العربي عن طريق تركيا أو لبنان. ولكن، كما أشار السيد زوبين في خطابه في الأسبوع الأول من كانون الأول/ديسمبر: “لا تستطيع الولايات المتحدة بمفردها التصدي لعمليات تمويل تنظيم «الدولة الإسلامية»”.
ثانياً، لا بد من أن يتفق وزراء المالية على تعزيز التعاون بين القطاع المالي وحكومات بلدانهم. ووفقاً لما أفاد به مسؤول في “مكتب التحقيقات الفدرالي” الأمريكي الشهر الماضي، غالباً ما يكون لدى العناصر التي يجندها تنظيم «الدولة الإسلامية» من خارج سوريا آثار مالية يمكن استغلالها من قبل الجهات المسؤولة عن تعقبها. وقد ابتكرت “شبكة إنفاذ القوانين المعنية بالجرائم المالية” التابعة لوزارة الخزانة الأمريكية مجموعةً من “قواعد الأعمال” للتدقيق في تقارير الأنشطة المشبوهة التي تقدمها المصارف. فالبحث عن الأسماء وعناوين بروتوكول الإنترنت (IP) ورسائل البريد الإلكتروني وأرقام الهواتف يولد أكثر من ألف معلومة مفيدة للتحقيق كل شهر في الولايات المتحدة. ولا بد من تنظيم هذا النوع من التبليغ عن المعلومات بين وكالات القطاع الخاص والوكالات الحكومية عبر الحدود، بالإضافة إلى تبادل المعلومات الاستخباراتية. وفي هذا الصدد، وعلى ضوء الاجتماعات التي عُقدت في 17 كانون الأول/ديسمبر، من المتوقع صدور قرار يحث الدول الأعضاء على زيادة تبادل مثل هذه المعلومات الاستخباراتية.
[وبالطبع] لا يمكن لتنظيم «الدولة الإسلامية» الوصول بكل سهولة إلى النظام المصرفي، لكنّ مخططاته السرية القائمة على التحايل تعني أنه غير معزول تماماً عن النظام المصرفي. ولن يكون من السهل سد هذه الثغرات، إلا أنّه بإمكان وزراء المالية الذين اجتمعوا في 17 كانون الأول/ديسمبر اتخاذ خطوات قابلة للتطبيق في هذا الإطار.
ماثيو ليفيت
معهد واشنطن