توعد رونين بار، رئيس جهاز الأمن الإسرائيلي العام (شاباك) بالقضاء على «حماس» «في كل مكان، في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، وفي قطر» مشبها ذلك بـ«عملية ميونيخ» التي قام فيها جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي (موساد) بعمليات اغتيال لقيادات فلسطينية بزعم المشاركة في التخطيط لهجوم ميونيخ في أيلول/سبتمبر 1972.
زعم بار حينها أن تلك الاغتيالات ستستغرق سنوات، ولكنّ عملية اغتيال صالح العاروري، نائب رئيس «حماس» وسمير فندي وعزام الأقرع القائدين في «كتائب القسام» في بيروت، أول أمس، جرت بعد شهر فقط من ذلك التصريح.
بعد العملية خفض رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي، دافيد برنياع، هدف «القضاء على حماس» في تصريح بار، إلى «محاسبة الذين اجتاحوا غلاف غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر، بمن في ذلك المخططون والمحركون للهجوم» وباغتيال العاروري، بدأ عمليا الهجوم خارج نطاق فلسطين التاريخية، ليشمل الضاحية الجنوبية، معقل «حزب الله» اللبناني، في بيروت، فاتحا قوس التهديد بتنفيذ اغتيالات خارجية أخرى في قطر وتركيا.
على المستوى الإنساني فقد تحوّل العدوان الإسرائيلي إلى عملية إبادة جماعية، وهو ما رفع منسوب شطحات بن غفير وسموتريتش حول تحويل ما يجري إلى نكبة ثانية يتم فيها تهجير الفلسطينيين خارج غزة، لكنّه، على المستوى الميداني، تحوّل إلى جمود وإرهاق للجيش الإسرائيلي، دفعه لسحب 5 ألوية من قواته في غزة، وإلى جمود وإحساس مبكّر بالفشل في فرضية «القضاء على حماس» وضغوط داخلية لدفع نتنياهو للتفاوض مع «حماس» لإطلاق الرهائن.
النتيجة المنطقية الأولى للعملية، من جانب «حماس» هي تجميد المفاوضات، واستمرار الحرب، وتجهّيز قيادات الفلسطينيين، كافّة، وليس «حماس» فحسب، للسيناريوهات القيامية التي فتحتها إسرائيل على الفلسطينيين والمنطقة.
دراسة نمط ردود «حزب الله» تشير إلى أن قيادته تخطط الآن للرد على العملية الإسرائيلية التي اخترقت «قواعد الاشتباك» المعمول بها، وقدّمت تهديدا غير مباشر لزعيم الحزب حسن نصر الله، والأغلب أن إسرائيل، برغم الجنون الطاغي على مجلسها الحربي، ستضبط، بدورها، حجم ردود فعلها على ما سيقوم به الحزب، بحيث لا تتطوّر الأمور إلى حرب شاملة.
على المستوى الأمريكي، الحليف الأكبر لإسرائيل، وجدنا صورتين متناقضتين تعكسان تناقضات إسرائيل نفسها، الأولى عبّر عنها سحب حاملة الطائرات الأمريكية الأكبر، جيرالد فورد، من البحر المتوسط، والثانية، قيام إدارة جو بايدن بإنجاد آلة القتل الإسرائيلية بصفقتي تسليح، متجاوزة في ذلك موافقة الكونغرس.
أظهرت الحرب أيضا، أن لا وزن مضادا يمكن أن ينتج عن أغلب حكومات الغرب المنسجمة مع الموقف الأمريكي، لكنها أظهرت، أيضا، أشكالا من الفعل المفيد، ولو لم يكن مرجّحا للمواقف داخل الاتحاد الأوروبي، من قبل حكومات إسبانيا وإيرلندا وبلجيكا ومالطا، وكذلك أشكالا من التعاطف الحقيقي في جنوب أفريقيا، وفي بعض دول أمريكا اللاتينية.
عملية اغتيال العاروري، ضمن السياق الآنف، هي محاولة من نتنياهو، ومجلس الحرب الإسرائيلي، لكسر احتمالات الضغوط الداخلية، التي أضافت مصداقية إليها، المحكمة العليا الإسرائيلية برفض مقترحات نتنياهو «القضائية» ولفرملة أي أثر للضغوط الأمريكية والأوروبية، ولو بدفع المنطقة، خطوة أكبر، نحو حرب مع لبنان، وربما مع إيران، وقد تكون عملية كرمان، التي جرت أمس، ضمن هذا الإطار.