مع تصاعد تهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر، أطلق الاتحاد الأوروبي مهمة بحرية جديدة لتأمين الاستقرار في المنفذ البحري الحيوي، إلا أن المهمة لها تداعيات وتعترضها تحديات.
بروكسل – تمثل البعثة البحرية الأوروبية الجديدة في البحر الأحمر إشارة إلى استعداد أوروبا لاتخاذ إجراءات ضد حالة عدم الاستقرار الحالية، على الرغم من ضرورة القيام بعمل كبير للتنسيق مع المبادرات القائمة وإقناع المسؤولين في المنطقة بفائدة المهمة.
وأطلق الاتحاد الأوروبي الأحد الثامن عشر من فبراير، القوة البحرية “أسبيدس”، وهي بعثة بحرية جديدة منظمة للتصدي لما يشهده البحر الأحمر من اضطرابات متنامية ولاستكمال العمليات الأميركية الجارية في المنطقة.
وتحقق الصلاحية المنوطة بالعملية التوازن بين مختلف الأساليب على مستوى الدول الأوروبية التي يشارك بعضها في الضربات الجوية والصاروخية ضد الحوثيين في اليمن بينما يفضل البعض الآخر اتخاذ موقفا أكثر دفاعيا.
وتقول الدبلوماسية سيلين أويسال في تقرير نشره معهد واشنطن إن البعثة لا تسعى إلى معالجة الأزمة الحالية فحسب بل إلى تعزيز الإستراتيجية البحرية طويلة الأمد للاتحاد الأوروبي أيضا و(التي كان شمال غرب المحيط الهندي من أولوياتها)، فضلا عن الجهود الدبلوماسية التي يبذلها تجاه الدول العربية ونشوء دفاع أوروبي.
وبينما لا يزال الاتحاد الأوروبي منقسما نسبيا بشأن الحرب في غزة، فقد توصلت الدول الأعضاء إلى توافق في يناير الماضي حول إنشاء بعثة بحرية في خضم تصاعد تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، وكانت السفن التي تملكها وتشغلها شركات أوروبية، على سبيل المثال شركة ميرسك الدنماركية، من ضمن أهداف الحوثيين منذ اندلاع الحرب.
وتستأثر الممرات في البحر الأحمر بشكل عام بنسبة تصل إلى حوالي 12 في المئة من التجارة العالمية و40 في المئة من التجارة بين آسيا وأوروبا، لذا فإن الاضطرابات المستمرة يمكن أن تهدد المصالح الإستراتيجية الأوروبية.
وتقتضي مهمة “أسبيدس” تعزيز الردع في المنطقة وحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين. ووفقا لبعض التقارير، ستستقبل اليونان البعثة وتقودها، في حين ستكون فرنسا وألمانيا وإيطاليا من الدول الرئيسية المشاركة.
وتأتي بعثة “أسبيدس” لاستكمال عملية “حارس الازدهار” الحالية التي تعمل بقيادة الولايات المتحدة ومشاركة الكثير من الدول الأوروبية، لاسيما الدنمارك واليونان وهولندا. كما تدخل فرنسا وإيطاليا في عضوية تلك البعثة، إلا أنهما تعملان في المنطقة تحت إمرة قيادتهما الوطنية.
ولطالما كانت حرية الملاحة من أولويات الاتحاد الأوروبي. ومع تزايد الجدال حول المضائق والممرات البحرية الأساسية، صنّف الاتحاد الأوروبي منطقة شمال غرب المحيط الهندي بأنها منطقة بحرية ذات أهمية في عام 2022، تمتد على مساحة كبيرة من مضيق هرمز إلى مدار الجدي ومن البحر الأحمر نحو وسط المحيط الهندي، ويتطلب ذلك زيادة التنسيق البحري الأوروبي من خلال آلية تسمى “الوجود البحري المنسق”.
كما يتوافق هذا التصنيف مع اهتمام الاتحاد الأوروبي الدؤوب بمنطقة شمال غرب المحيط الهندي منذ أن بدأت ببذل الجهود لتحقيق التكامل على الصعيد البحري. فوسط تزايد التهديدات وانعدام الاستقرار في القرن الأفريقي، أطلق الاتحاد الأوروبي في عام 2008 عملية “أتالانتا”، وهي بعثة بحرية تضطلع حاليا بمكافحة القرصنة، ومكافحة تهريب المخدرات والأسلحة، وحماية شحنات برنامج الغذاء العالمي وغيرها من العمليات المعرضة للخطر.
حذر أوروبي واسع بشأن الفوائد المترتبة على التصعيد المنضبط في المنطقة، الذي يعتقد أنه لن ينجح في تشكيل الردع
وأما في الخليج العربي فقد قادت فرنسا ثماني دول أوروبية أخرى (بلجيكا والدنمارك وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا والنرويج والبرتغال) في إطلاق بعثة مراقبة بحرية مؤقتة في عام 2020 بهدف ضمان العبور الآمن في مضيق هرمز. ويقع المقر الرئيسي للمبادرة في القاعدة البحرية الفرنسية في أبوظبي وهي تشتمل على مسار دبلوماسي (البعثة الأوروبية للتوعية البحرية في مضيق هرمز) ومسار عسكري (عملية أجينور).
وفي هذا الإطار، تسعى باريس إلى تأدية دور فعال في الأمن البحري الإقليمي منذ “حرب الناقلات” في ثمانينات القرن الماضي عندما نشرت بصفة مستقلة مجموعة لحاملة طائرات قتالية في الخليج، لذا فإن دورها القيادي في هذه “البعثة” / عملية “أجينور” ومبادرات أخرى مهمة أمر طبيعي.
وتعدّ “أسبيدس” جزءا إضافيا من الجهود المتفرقة المتنامية التي تبذلها الدول الأوروبية لتأدية دور أكثر فعالية وتسجيل حضور أقوى في المنطقة، وهي تتوافق مع المساعي الدبلوماسية التي تقوم بها أوروبا في المنطقة، وتحديدا استخدامها للأمن البحري كمجال رئيسي للتعاون مع دول الخليج، وتأمل أن يمتد إلى دول عربية أخرى مثل مصر والأردن. وستطلق البعثة أيضا إشارة في الوقت المناسب على الساحة الدولية مع احتدام الجدل مجددا حول الحكم الذاتي الإستراتيجي الأوروبي.
وقد تطرح قواعد الاشتباك تحديات أمام المهمة الجديدة. وستدعم بعثة “أسبيدس”، ومعناها الدرع باللغة اليونانية، سياسة خفض التصعيد وحرية الملاحة، باضطلاعها دورا دفاعيا في الغالب. ويشير ذلك إلى حذر أوروبي واسع النطاق بشأن نسبة التكاليف إلى الفوائد المترتبة على “التصعيد المنضبط” في المنطقة، الذي يُعتقد أنه لن ينجح في تشكيل الردع.
وهولندا هي الدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي التي شاركت في الضربات الأميركية على أهداف للحوثيين في اليمن، والتي تم شنها في إطار مختلف عن عملية “حارس الازدهار”. ومع ذلك، فإن الحذر بشأن التصعيد لا يستبعد استخدام القوة: ففي العاشر من ديسمبر، أسقطت الفرقاطة الفرنسية “لانغدوك” عدة طائرات بدون طيار تابعة للحوثيين. ولذلك سيتعين على البعثة الحفاظ على توازن دقيق بين هدفها المتمثل في عدم التصعيد والاستخدام المحتمل للقوة.
ويشكّل التنسيق تحديا آخر من التحديات التي تواجه عمل بعثة “أسبيدس”، حيث سيتعيّن على المشاركين التواصل مع بعثتين بحريتين أوروبيتين أخريين في المنطقة “أتالانتا” و”أجينور” بالإضافة إلى المبادرات التي تقودها الولايات المتحدة.
ويعود إنشاء “أسبيدس” إلى حدّ ما إلى إحجام إسبانيا عن توسيع نطاق بعثة “أتالانتا” إلى البحر الأحمر في السياق الحالي للأزمة الإقليمية. وحالما يهدأ الوضع وتتقلص المخاطر السياسية، سيكون من الأسهل إعادة تنظيم المبادرات الحالية، وربما دمج “أتالانتا” و”أسبيدس”.
وسيُعدّ تأمين مشاركة الشرق الأوسط في “أسبيدس” كنجاح دبلوماسي كبير، فقد توخت الكثير من الحكومات في المنطقة الحذر بشأن المشاركة في الأمن البحري منذ السابع من أكتوبر خوفا من اعتبار الأمر على أنه خيانة للقضية الفلسطينية أو استعداء لإيران، التي لا تزال تسعى هذه الحكومات إلى تخفيف حدة التوترات معها.
ولكن إذا اقتنعت دول المنطقة المترددة والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بجدوى المهمة ما بعد انقضاء الأزمة الحالية، فيمكن أن تشكل محطة حقيقية في الجهود الرامية إلى تعزيز دبلوماسية أوروبا تجاه شركائها العرب، ووجودها البحري في شمال غرب المحيط الهندي، وإستراتيجيتها الناشئة في ما يخص منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
العرب