تونس على أبواب رمضان: قدرة شرائية منهكة وتوجس من الأسعار

تونس على أبواب رمضان: قدرة شرائية منهكة وتوجس من الأسعار

شهر رمضان يحمل أعباء كبيرة للتونسيين، الذين يعمدون إلى مضاعفة الاستهلاك في ظرف يتسم بمحدودية القدرة الشرائية، وفي ظل مخاوف من ندرة السلع وصعوبة توزيعها.

تونس- يستعد التونسيون عادة للشهر الكريم من خلال تخزين كميات كبيرة من المواد الغذائية الأساسية. ولكن هذا العام يؤثر ارتفاع الأسعار وسط الركود الاقتصادي وارتفاع معدّلات البطالة بشكل كبير على قدرتهم الشرائية.

وتفصح متقاعدة في أحد أسواق العاصمة التونسية “هذه هي المرة الأولى في حياتي التي أشتري فيها الفواكه والخضروات بالقطعة” في بلد يواجه سكانه “المنهكون” أصلا ارتفاعا متواصلا لتكاليف المعيشة مع اقتراب شهر رمضان الذي يزداد فيه الاستهلاك العائلي.

وتقول فايقة (65 عاما) المتقاعدة لوكالة فرانس برس في سوق “باب الفلّة” الشعبي في تونس العاصمة “لست فقيرة، لكن لم أعد قادرة. معاشي التقاعدي لم يعد يسمح لي بتغطية احتياجاتي”.

تحرم نفسها حتى من اللحوم الحمراء المفرومة، التي يتجاوز سعر الكيلوغرام منها 40 دينارا (أكثر من 12 يورو)، مقابل راتب شهري متوسط قدره ألف دينار (حوالي 300 يورو). وتقول بأسف “اليوم لا أستطيع شراء سوى المواد متدنية الجودة وبالقطعة”.

وتتابع “لم يكن الوضع صعباً وخانقاً إلى هذا الحد من قبل. أضطر إلى الوقوف في طوابير للحصول على بعض المنتجات (تلك التي تدعمها الدولة) ودفع فواتير الكهرباء والمياه، وأحياناً بشكل متأخر”.

ويتخوف التونسيون من عودة ظاهرة الصفوف خلال رمضان، وخاصة ما تعلق بالمواد التموينية الأساسية، في شهر ترتفع فيه درجة الاستهلاك بشكل غير معهود.

ويؤرّق تواصل فقدان بعض المواد الاستهلاكية الأساسية في الأسواق، على غرار الزيت والسكر والحليب والقهوة، مقابل غلاء أسعار أخرى، المواطنين في تونس، الذين يصطفون يوميّا في طوابير طويلة من أجل الظفر بالقليل من تلك المواد.

وحتى إن توفرت تلك المواد الاستهلاكية، فإن أغلب المساحات الكبرى والمتاجر تحدد لزبائنها كمية الشراء لبعض المنتجات.

وعلى الرغم من أن وزارة التجارة تتدخل بضخّ كميات من تلك المواد في السوق كلما لاحظت وجود تشكيات من المواطنين أو نقصا في توفرها، إلا أن تلك المواد لا تصل إلى المواطن بالطرق الكافية، وهو ما يطرح تساؤلات حول مصيرها.

ولم يعد محمد الدرعي بائع الخضار البالغ 69 عاما يعرض أسعاره في لافتات للعموم خشية نفور زبائنه. ويُبين مشيراً إلى الشارع الضيق حيث حركة المارة تبدو ضعيفة “في هذا الوقت في السابق لم يكن من الممكن أن تطأ قدمك السوق لأنه كان مزدحماً للغاية، وتغير الوضع اليوم”.

وعانت تونس، التي تعدّ 12 مليون نسمة، من ارتفاع معدلات التضخم لمدة عامين (10 في المئة في المتوسط سنويا) مع ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بعض الأحيان إلى ثلاثة أضعاف، مما أدى إلى تراجع أوضاع الطبقات العاملة والطبقة الوسطى.

وبلغت نسبة النمو الاقتصادي خلال العام 2023 نحو 0.4 في المئة متأثرة بأزمة جفاف متواصلة منذ 5 سنوات أهلكت المحاصيل الزراعية.

ودخلت البلاد في ركود اقتصادي بنهاية 2023 وعاودت البطالة الارتفاع (16.4 في المئة في نهاية عام 2023 مقارنة بـ15.2 في المئة في العام 2022) فيما يعيش 4 ملايين تونسي تحت خط الفقر.

وفي محل لبيع اللحوم، تطلب خمسينية على استحياء 150 غراما من لحم البقر. وتهمس للبائع “لقد توفي زوجي مؤخراً ولا أستطيع شراء المزيد”.

ويوضح القصّاب مصطفى بن سلمان، (52 عاما) “هناك الكثير والكثير من الناس الذين يطلبون دينارين من اللحم المفروم (أقل من 100 غرام) أو 1.5 دينار من النقانق. لا أستطيع أن أقول لهم لا. الناس منهكون”، مضيفا أنه “سئم الوضع”.

ويضيف “يعاني معظم الناس من صعوبات مالية. فقد تم صرف الرواتب قبل شهر رمضان، ولن تصل (الرواتب التالية) إلا قبل وقت قصير من العيد (المرتقب في 10 أبريل)، لذلك يجد معظم الناس أنفسهم بلا دخل”، بينما يكثر خلال شهر رمضان المصروف والاستهلاك.

وأثار غلاء أسعار اللحوم الحمراء جدلا واسعا في تونس، وسط مطالب ملحة للسلطات بالتدخل والبحث عن حلول لتعديل الأسعار.

وشهد استهلاك التونسيين للحوم الحمراء، بحسب أرقام حكومية، اضطرابات خلال السنوات الماضية، حيث ناهز 8 كيلوغرامات سنويا للفرد الواحد وهو أقل من المعدل العالمي، بينما استهلك التونسيون خلال العام الماضي 130 ألف طن.

ويشتكي عدد كبير من المواطنين من تواصل فقدان الزيت المدعم في المحلاّت التجارية والأسواق، مطالبين السلطة بإيجاد حلول عاجلة لهذه الأزمة، في ظل الوضع الاجتماعي الخانق للعديد من الأسر التي يجعلها غير قادرة على شراء الزيت النباتي غير المدعم.

ويعمد بعض أصحاب المحلات الغذائية إلى البيع المشروط للزيت المدعم بشراء مواد غذائية أخرى، فضلا عن بيعه خلسة لزبائنهم فقط.

وتستورد تونس سنويّا 165 ألف طنّ من الزيت، بمعدّل 14500 طنّ شهريّا تتوزّع على 42 وحدة تعليب، تتولّى توزيعها على تجّار التفصيل بأسعار مدعّمة.

ويبلغ سعر اللتر الواحد من الزيت المدعّم 900 ملّيم (0.29 دولار)، فيما يصل سعر شرائه الحقيقي إلى 2356 مليما (أكثر من 0.768 دولار) وفق دراسة أعدّها المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية حول منظومة الدعم.

وارتفعت كلفة دعم الزيت من 168 مليون دينار (54.79 مليون دولار) سنة 2015 إلى 480 مليون دينار (156.35 مليون دولار) سنة 2022، وفق أرقام وزارة التجارة.

وقبل أيام، أعلن مسؤول بوزارة التجارة التونسية عن توريد ألفي طن من الموز من مصر بمناسبة حلول شهر رمضان في ظل النقص الكبير لهذه الفاكهة في السوق وارتفاع أسعارها.

ونقلت وكالة تونس أفريقيا للأنباء عن المدير العام للمنافسة والأبحاث الاقتصادية بوزارة التجارة وتنمية الصادرات حسام الدين التويتي قوله إن الكميات المستوردة ستعرض للبيع للعموم بسعر لا يتجاوز 5 دينارات الكيلوغرام الواحد (1.6 دولار).

وتناقص الموز، الفاكهة الأكثر شعبية في العالم، بشكل كبير في الأسواق المحلية لارتفاع أسعارها حيث وصل سعر الكيلوغرام إلى مستوى 15 دينارا لدى الباعة في السوق السوداء.

ويقول الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي “من الناحية الاقتصادية، نحن نشهد فترة من الركود التضخمي، أي انخفاض في النمو وارتفاع في التضخم” وهو ما له “تأثير مزدوج على القدرة الشرائية للتونسيين”، مما يؤدي إلى “انخفاض الدخل الحقيقي”.

ومن أسباب الوصول إلى هذا الوضع، يشير الخبير الاقتصادي إلى “الاختيار المتعمد للسلطات لتفضيل سداد الديون، وخاصة الديون الخارجية، على حساب تزويد السوق بالمواد الغذائية الأساسية والمواد الزراعية” كالأسمدة والأعلاف.

وتحتكر الحكومة التونسية مركزية شراء المنتجات المدعومة، كما أن نقص الأموال في الخزينة العامة، المثقلة أيضًا برواتب أكثر من 650 ألف موظف حكومي، يتسبب بانتظام في نقص بعض المواد كالدقيق أو الأرز أو السكر.

فضلا عن ذلك يتزايد الطلب على البنوك التونسية لتمويل ديون البلاد (80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، مما يقوض قدرتها على إقراض القطاع الخاص والشركات الصغيرة والمتوسطة.

وينجم نقص الموارد أيضا عن “خيار تعليق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”، بحسب تقديرات الشكندالي.

ورفض الرئيس قيس سعيّد العام الماضي اتفاقا مبدئيا أبرم مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بقيمة ملياري دولار، معتبرا الإصلاحات التي يوصي بها الصندوق من إعادة هيكلة الشركات الحكومية والرفع التدريجي للدعم على بعض المنتجات الأساسية، “إملاءات”.

العرب