اياد العناز
تمر اليوم الذكرى السنوية الأولى لتوقيع الاتفاق السعودي الإيراني في العاشر من آذار 2023 عبر وساطة عراقية صينية أثمرت عن تقريب وجهات النظر والاتفاق السياسي بين الرياض وطهران وانبثقت عنه عدة لجان لمتابعة ما ورد فيه من بنود ونقاط مهمة تساهم في تعزيز حالة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والوطن العربي واعتبار الحوار والدبلوماسية أساس في حل المشاكل والمنازعات بين دول المنطقة والحفاظ على الأمن الإقليمي وحرية الملاحة في منطقتي الخليج العربي ومضيق هرمز ومنع أي حالة تدخل في الشؤون الداخلية البلدان المنطقة.
بعد سنة من الاتفاق، ما الذي حصل وكيف تم إدارة ملف العلاقات السعودية الإيرانية ومن كان المستفيد الأكبر من إبرام هذه الإتفاقية وما المتحقق منها سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا؟
تساؤلات تضعنا أمام العديد من الإجراءات واللقاءات التي تمت بين السعودية وإيران كان اهمها لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي على هامش مؤتمر القمة العربي الإسلامي الذي عقد في الرياض بتاريخ الحادي عشر من تشرين ثاني 2023 لمناقشة وضع الأسس لكيفية معالجة الأوضاع القائمة في قطاع غزة.
أخذت السياسة السعودية ولما عُرف عنها من ثوابت رصينة في التمسك بالعهود والمواثيق وعملت على فتح آفاق التعاون وتحديد أولويات نجاح الاتفاق عندما بادرت بفتح السفارات وتشجيع سفر رجال الأعمال وتعزيز فرص الإستثمار وتنويع مصادر التبادل التجاري والبدأ بإيجاد صيغ فعالة لتنشيط الاتفاق الأمني بين الرياض وطهران الذي اتفق عليه في بداية عام 2001 والذي يساهم في حوار أمني إقليمي جاد لوقف جميع العمليات التي تهدد الملاحة في المضائق والممرات البحرية ضمن الدائرة الإقليمية والدولية.
إلا أن النظام الإيراني استمر في اتباع سياسته الإقليمية وأهدافه الإستراتيجية في تقويض الحالة الأمنية التي كانت احد أهم الأسس التي أرست دعائم الإتفاقية، باستمرار دعمه لجماعة الحوثيين وتقويض مصالح الاقطار العربية المتشاطئة عبر الدعم المادي والتسليحي للمليشيات اليمنية والتي أثارت حفيظة العديد من المنظمات العالمية المهتمة بأمن البحرية الدولية والتطور النوعي الذي حصل للسلاح البحري الإيراني والذي أدى إلى احتجاج الصين وهي الحليفة الإستراتيجية لإيران مطالبة بإيقاف الدور الحوثي.
إن النظام في إيران لا يزال يعتبر أن مصالحه ومكتسباته التي حققها بعد احداث غزة واستطاع ان يوظفها لتعزيز استقراره الإقليمي، أنها أهم من أي حالة من التعايش السلمي وتحقيق الأمن الجماعي في المنطقة بل أنه عمل على توسيع دعمه العسكري للمواجهات الإيرانية وتفعيل دور المليشيات المرتبطة بالحرس الثوري على الساحة السورية بدلاً من المساهمة الفعلية وحسب ما جاء بالاتفاق السعودي الإيراني على مساعدة سوريا في العودة لعلاقتها العربية وتعزيز علاقتها مع دول الجوار، وهذا ما فعلته المملكة العربية السعودية بدعوتها للرئيس بشار الأسد وحضوره لجلسات مؤتمر القمة العربي الذي عقد بتاريخ التاسع عشر من أيار 2023.
أما على صعيد العلاقات الإيرانية الخليجية، فإن النظام الإيراني أقدم وخلال الأشهر الماضية من هذه السنة على تثبيت احتلاله للجزر الثلاث ( طنب الكبرى وطنب الصغرى وابو موسى) التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة عبر انشاء المباني السكنية وتوطين الايرانيين فيها وتشغيل المصانع والمعامل وتشجيع المواطنين على ممارسة اعمالهم التجارية والاقتصادية فيها،مما آثار حفيظة دول التعاون الخليجي عبر البيان الوزاري الذي صدر في دورته 159 بتاريخ الثالث من آذار 2024 والمنعقد في الرياض وادان بشكل جماعي السلوك والتوجه الإيراني بقيامه بفرض الأمر الواقع في الجزر الثلاث.
ان هذا العمل يخالف ما جاء في بنود الإتفاقية المشتركة بين الرياض وطهران في منع التدخل بالشؤون الداخلية وحل المشاكل بالطرق السلمية وعدم استخدام القوة وبأي شكل منها والتهديد بها، ثم أن إيران استمرت في سياسة التهديد وإظهار القوة بزيادة نسب تخصيب اليورانيوم وتوسيع خزينها من أجهزة الطرد المركزي المتعلق بالبرنامج النووي الإيراني، مما يثير قلق الرياض وعواصم دول مجلس التعاون الخليجي التي طالبت بحضور جلسات المفاوضات حول البرنامج النووي ومناقشة برنامج الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة وسلامة الملاحة والمنشأت النفطية، بعد الإعلان المستمر من قبل قيادات الحرس الثوري الإيراني عن التوسع في أنواع جديدة من الصواريخ البالستية والفرط صوت والجو فضائية.
وأخيراً كان الموقف الواضح للخارجية الإيرانية وعلى لسان ناطقها الرسمي ( ناصر كنعاني) الذي رفض بشدة الإجراءات الخليجية حول أحقية الكويت والسعودية باستثمار حقل الدرة واعتبرها ( إجراءات غير قانونية) مؤكدًا أن برنامج الصواريخ البالستية يأتي ضمن إطار العقيدة العسكرية الإيرانية التي تركز على الردع والحفاظ على الأمن القومي لبلاده.
ثم جاء الحديث عن نوايا إيران في استغلال الأوضاع العسكرية والمراجعات بين طرفي النزاع في السودان وقيامه بتزويد عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة بعدد كبير من الطائرات المسيرة، ساهمت في تعزيز موقفه في استعادة العديد من المناطق من قوات الرد السريع، مقابل انشاء قاعدة عسكرية بحرية على الساحل الغربي للبحر الأحمر، وهو ما يحقق لها دورًا استراتيجيًا ومحوريًا في المتغيرات السياسية والأمنية القادمة في هذه المنطقة الحيوية من العالم لتكون قريبة من حلفائها وأدواتها المهمة من الحوثيين في حالة استمراره بالتعرض على السفن البحرية وأحكام سيطرتهم على الممرات البحرية، وهذا ما يهدد الأمن القومي للمملكة العربية السعودية باتساع رقعة التواجد العسكري البحري لإيران في منطقة قريبة من الجهة الشرقية للبحر الأحمر التي تعتبر الرياض احد بلدانه المتشاطئة، وهو يخالف الاتفاق السعودي الإيراني بعدم التوسع الإقليمي والتدخل في الشؤون الداخلية للدول، ولكن إيران لديها حزمة من الأهداف الاستراتيجية وتسعى إلى مد نفوذها على اليمن ونقل قواعد الاشتباك من الخليج ومضيق هرمز إلى البحر الأحمر وخليج عدن باستخدام اسلحتها من الصواريخ البالستية والطائرات المسيرة التي تم تدريب الحوثيين عليها ولمعرفة مدى فعاليتها بعد التطوير الذي حصل عليها من قبل الخبراء الايرانيين وتعزيز دورها في المناطق الضعيفة سياسيًا وعسكريًا، وهنا نشير للدعم الذي قدمته للسودان مستغلة الأوضاع القائمة وهو ما يشكل حقيقة ميدانية يتصف بها السلوك الإيراني الذي بدأ يثير انتباه الجيش الأمريكي في المنطقة والذي من الممكن أن يؤثر على طبيعة المساعدة والعلاقة بين واشنطن والخرطوم بإيقاف الدعم للسودان والذي اخذ حيزًا مهمًا في مفاوضات جدة التي سعت لحل النزاع السوداني.
إن فكرة انشاء قاعدة بحرية عسكرية إيرانية يمنح النظام الإيراني ورقة مهمة من الأوراق التي قد يستخدمها للمساومة فيما يخص الأمن القومي السعودي وتحقيق بعض أهدافه في التمدد ولكنه سيعمل على إثبات حسن نواياه لتحقيق أغراض أخرى ويعلن عن عدم نيته أنشاء هذه القاعدة كما يتداوله المسؤولين السودانيين والإيرانيين بنفيهم هذا التوجه.
ان الاتفاق السعودي الإيراني لا يزال ضمن إطار الاختبارات ومدى إلتزام النظام الإيراني الذي اتخذ من الاتفاق فرصة لطرف أبواب الدبلوماسية واستعادة علاقته العربية والإقليمية وفتح مجالات للتعاون مع الجزائر وموريتانيا والسودان ومصر واستثمار الاتفاق لمحاولة رفع العقوبات الاقتصادية عن النظام وحل مشاكله الداخلية التي تعصف بالمجتمع الإيراني، ولهذا فإن الاتفاق وبعد مرور سنة لم يحقق الغاية الأساسية منه والتي تعيد المنطقة إلى حالة الأمن والطمأنينة.
وحدج الدراسات الإيرانية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية