لوس أنجلس (الولايات المتحدة) – أجراس الإنذار تقرع بصوت عال وواضح، فخبراء المناخ على مستوى الولايات المتحدة والعالم أكدوا مؤخرا أن عام 2023 كان أكثر الأعوام التي شهدها كوكب الأرض حرا، وأن عام 2024 قد يكون أشد حرارة.
وذكرت صحيفة لوس أنجلس تايمز نقلا عن خدمة كوبرنيكس للتغير المناخي التابعة للاتحاد الأوروبي، أن مع بلوغ متوسط درجة الحرارة العالمي 58.96 درجة فهرنهايت، أصبح كوكب الأرض على مسافة قريبة من الوصول إلى الحد الخطير، وهو 2.7 فهرنهايت أو 1.5 درجة مئوية من السخونة أكثر من مستوى فترة ما قبل الصناعة.
وهذا المؤشر له أهميته، ففي عام 2015 كانت الولايات المتحدة من بين 195 دولة وقعت على اتفاقية باريس الشهيرة للمناخ، وهي معاهدة دولية تمت صياغتها كرد فعل لما يمثله التغير المناخي من تهديد متزايد.
واتفقت الأطراف الموقعة على الاحتفاظ بالزيادة في درجة الحرارة العالمية، عند 2 درجة مئوية كحد أقصى فوق مستوى فترة ما قبل الصناعة، ويفضل أن تكون الزيادة تحت مستوى 1.5 درجة مئوية، من أجل الحد من أسوأ آثار للتغير المناخي.
وتشير فترة ما قبل الصناعة إلى عصر ما قبل بدء البشر في تغيير مناخ كوكب الأرض، بشكل ملحوظ من خلال استهلاك الوقود الأحفوري، وإنتاج الانبعاثات الغازية الأخرى التي ترفع درجة الحرارة.
غير أن الارتفاع الكبير في درجة الحرارة الذي شهده العالم في العام الماضي، يوضح أن تحقيق مؤشر 1.5 درجة مئوية في طريقه لأن يصبح بعيد المنال.
عام 2023 كان أكثر الأعوام التي شهدها كوكب الأرض حرا، وعام 2024 قد يكون أشد حرارة وأكثر خطورة
وتعلق كريستينا داهل، وهي عالمة بارزة في المناخ باتحاد العلماء المعنيين بالمناخ، على هذا التطور قائلة “في هذه المرحلة، يصبح من الصعب حقيقة أن نرى طريقا يوصلنا إلى الاحتفاظ بدرجة الحرارة عند أقل من 1.5 درجة مئوية”.
وتضيف أن تحقيق هذا الهدف يتطلب خفض الانبعاثات الغازية العالمية، بأكثر من 40 في المئة بحلول عام 2030.
وتتابع داهل “كما أن ذلك يتطلب الالتزام بمعدلات لتقليل الانبعاثات، وهو ما لا يتماشى مع الاتجاهات التي نراها حاليا. ومن ناحية أخرى، فمن المهم أن نواصل الجهود لتحقيق هذا الهدف، حتى لو كنا نعلم أننا لن نصل إليه”.
وذكرت الهيئة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي في تقرير حديث لها، أن درجات الحرارة العالمية على سطح الأرض، يمكن أن تتأثر ليس فقط بعوامل التغير المناخي التي يتسبب فيها الإنسان، ولكن أيضا بالعوامل المناخية الطبيعية مثل ظاهرة النينو، التي ترفع حرارة سطح المياه في المناطق المدارية الشرقية من المحيط الهادئ، والطقس العشوائي، وهو ما يمكن أن يرفع لفترة قصيرة درجات الحرارة الشهرية وحتى السنوية فوق عتبة 5.1 درجة مئوية.
وقال تقرير الهيئة “لكي نعلم متى تخطت الأرض هذه العتبة، علينا أن ننظر إلى نطاقات زمنية أطول”.
والأمر الواضح، مع ذلك، أنه ستكون لكل درجة إضافية في الحرارة أو حتى عشر درجة، آثار تفوق ما يحدث حاليا بما في ذلك زيادة معدلات موت الأشجار وفقدان التنوع البيوليوجي، وتفاقم حرائق الغابات وحدوث موجات أطول من الحر، وغزارة في الأمطار وكثافة في الفيضانات.
وأصدرت اللجنة الحكومية المعنية بالتغير المناخي التابعة للأمم المتحدة، تقريرا خاصا عام 2018، حول عتبة 1.5 درجة مئوية التي يفضل عدم تجاوزها، وحدد التقرير عددا من التوقعات المستقبلية، استنادا إلى مستويات مختلفة من خفض الانبعاثات الغازية وما ينتج عنها من حرارة.
ويشير أحد السيناريوهات المعتدلة إلى أن تأخير العمل في الحد من الانبعاثات، يؤدي إلى أن يشهد كوكب الأرض عقدا أكثر حرارة، خلال فترة العشرينات من القرن الواحد والعشرين، قبل أن تبلغ الحرارة الذروة عند درجتين مئويتين قرابة منتصف القرن، ثم تبدأ الحرارة في الانخفاض نتيجة تحسن الجهود الدولية والتطورات التكنولوجية.
وفي هذا السيناريو، من المرجح أن تضرب موجات من الحرارة القاتلة المدن الكبرى مثل شيكاغو، بينما تجتاح موجات الجفاف جنوب أوروبا والجنوب الأفريقي وإقليم الأمازون وفقا للتقرير. وسيؤدي دمار الأنظمة البيئية الرئيسية بما فيها الشعب المرجانية، والغابات الاستوائية وأشجار المانجروف وحشائش قاع البحر، إلى تقلص مستويات الدفاع الساحلية أمام العواصف والرياح والأمواج، وستتعرض آسيا وأماكن أخرى إلى سيول عارمة.
ويتكهن هذا السيناريو أيضا بأن يؤدي ارتفاع مستويات مياه البحار باطراد، وزيادة الضغوط على المياه العذبة وتراجع إنتاج المحاصيل، إلى ارتفاع الأسعار العالمية للغذاء، إلى جانب ظهور مجاعات تستمر لفترات طويلة في بعض الدول الأفريقية، كما سيشهد العالم معدلات متزايدة من عدم الاستقرار المجتمعي والسياسي.
وترى العالمة داهل أن مثل هذه الاحتمالات تلقي الضوء على ضرورة القيام بعمل عاجل.
وتحذر داهل من أن ذوبان الصفائح الجليدية في القارة القطبية الجنوبية، سيمثل “نقطة تحول في النظام المناخي للأرض، وسيكون من الصعب التعافي منها”.
ويشير تقرير منفصل لمجموعة “كاربون بريف” ومقرها بريطانيا، والتي جمعت بيانات من عشرات الدراسات، إلى أن من بين التداعيات الأخرى للتغير المناخي، تعرض ملايين آخرين من البشر، لارتفاع منسوب مياه البحار وموجات الحرارة وشح المياه العذبة.
وفي نوفمبر الماضي، اجتمع قادة العالم في دبي للمشاركة في قمة البيئة المعروفة باسم “كوب 28”، وهو نفس المؤتمر السنوي المعني بالحفاظ على المناخ، الذي تم فيه إقرار اتفاقية باريس عام 2015، وفي دبي اتفقت قرابة 200 دولة لأول مرة على اتخاذ خطوات للابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري المتهم بالتسبب في ارتفاع درجة الحرارة على الأرض.
الارتفاع الكبير في درجة الحرارة الذي شهده العالم في العام الماضي، يوضح أن تحقيق مؤشر 1.5 درجة مئوية في طريقه لأن يصبح بعيد المنال
وعلقت العالمة البارزة داهل على نتائج مؤتمر دبي بقولها، إنه خطوة إلى الأمام، وأضافت أنه إلى جانب ذلك لم يعد من المهم بالضرورة المكان الذي تأتي منه تخفيضات الانبعاثات. فمع ضرورة أن تقوم كل دولة بدورها في هذا المجال، فإنه يمكن تعزيز الدول التي تتأخر في تنفيذ التخفيضات، بدعم من المناطق التي تنجح في تنفيذ تخفيضات كبيرة مثل ولاية كاليفورنيا.
وفي عام 2021، أكد تقرير للأمم المتحدة حول المناخ أن التغيرات المناخية أصبحت سريعة ومكثفة وواسعة الانتشار.
وستواصل هذه التغيرات منحاها التصاعدي في المستقبل لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة.
وأشار التقرير إلى أن مستوى الانبعاثات المستقبلية للغازات المسببة للدفيئة بسبب الأنشطة البشرية، سيحدد مدى الارتفاع في درجة الحرارة وشدة تغير المناخ في المستقبل والمخاطر المرتبطة به في المستقبل.
ولا يقتصر الأمر على زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي للأرض، بل يشمل أيضا تسارع معدل هذه الزيادة. ويوضح التقرير أن هذه الانبعاثات مسؤولة عن حوالي 1.1 درجة مئوية من الاحترار مقارنة بالفترة ما بين عامي 1850 و1900 (يُشار إليها غالبا باسم فترة ما قبل الصناعة)، وستتجاوز هذه الزيادة 1.5 درجة مئوية في المتوسط قبل نهاية العقدين القادمين.
ولفت القرير إلى أن هذا الارتفاع إذا تواصل فإن تداعياته على دورة الماء الطبيعية وعلى الغطاء النباتي والمحيطات ستكون كارثية من خلال ارتفاع وتيرة ذوبان الثلوج وارتفاع مستوى البحر وموجات الحرارة الشديدة والجفاف والأمطار الغزيرة والأعاصير المدارية والفيضانات.
العرب