القاهرة- تثير التدفقات الدولارية على القاهرة التساؤل عن مدى قدرة الحكومة على استغلالها بشكل جيد على أرض الواقع، وعن إمكانية إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية التي تؤرق شريحة كبيرة من المصريين، خوفا من أن تظل مجرد سيولة ناجمة عن بيع أصول وتزايد ديون من شأنها أن تُثقل كاهل الأجيال القادمة وتؤدي إلى المزيد من التعثر واتساع دائرة الفقر.
ومن المتوقع أن تطرق أبواب مصر قرابة 55 مليار دولار في العام الجاري، منها 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة الذي وقعته القاهرة مع دولة الإمارات، و9.2 مليار دولار تمويل من صندوق النقد الدولي وصندوق البيئة، ونحو 12 مليار دولار تمويل مرتقب من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن مصر على أعتاب حزمة مساعدات أوروبية جديدة قد تبلغ قيمتها 7.4 مليار يورو (حوالي 8 مليارات دولار)، تشمل منحًا وقروضًا ميسرة لدعم اقتصاد البلاد والحد من تدفق المهاجرين إلى أوروبا.
ولم تتضح بعدُ كيفية هيكلة حزمة التمويل، وهل ستكون في صورة ضمانات استثمارية أم استثمارات جديدة أم في شكل دعم مباشر للحكومة، لكنها خطوة توحي بالتفاؤل.
وتقوم مؤسسات، مثل البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية وبنك الاستثمار الأوروبي، بتحديد شركات القطاع الخاص ومديري الأصول ومنحهم التمويل اللازم بشكل يضاعف القيمة المضافة للشركات والاقتصاد.
وتعد التدفقات الدولارية التي حصلت أو ستحصل عليها مصر بمثابة تعهدات في إطار الاتفاق مع صندوق النقد، ومُحدد سلفا أوجه صرفها بالاتفاق مع المؤسسات الدولية.
وكشف مصدر اقتصادي لـ”العرب” أن “الاتفاق مع المنظمات المانحة والمقرضة لا يخلو من محاذير تشترط ألا يتم توجيه أموال إلى البنية التحتية التي تشمل أعمال الصرف الصحي وتوصيل مياه الشرب والمشاريع العقارية إلا في حال الاقتراض لهذا الغرض، خاصة في الحالة الأولى”.
وتأتي معضلة تزايد الديون على قائمة أولويات الحكومة، إذ سيتم سداد جزء من الأعباء المستحقة حاليا من التدفقات المرتقب الحصول عليها.
وأعلن وزير المالية محمد معيط أنه سيتم توجيه نحو 50 في المئة من إيرادات برنامج الطروحات لخفض الدين وخدمته بشكل مباشر.
ويعد سداد الديون والأعباء المترتبة عليها من المحاور المهمة التي تركز عليها القاهرة، لأن ذلك يمثل ضغطًا على الدولار، والتخلص منها خطوة مهمة لرفع جزء من العبء عن الاقتصاد والخروج من أزمة سعر الصرف أيضًا.
وأكد المحلل الاقتصادي محمد سعيد أن مصر حددت القنوات التي ستوجه إليها الأموال المرتقبة، وسيكون الجزء الأكبر منها لدعم الاحتياطي النقدي وسداد الديون، وسيوجه جزء منها إلى بعض الأعمال القائمة ضمن مشاريع البنية التحتية، ومن المستحيل أن تبدد السيولة الجديدة في مشاريع عقارية أو بنية تحتية خلال الفترة المقبلة.
ويبدو أن السلطات المصرية تعي هذه الخطوة، وقررت خفضت الاستثمارات العامة في موازنة العام المالي المقبل إلى نحو 20 مليار دولار بعد أن كانت مرشحة للضعف.
وفي تصريح لـ”العرب” حذّر سعيد من الإسراف في إنجاز مشاريع غير منتجة، ولفت إلى أهمية التركيز على سد العجز في الميزان التجاري وعلاج الخلل في استحواذ الواردات عليه، ويتطلب ذلك دعما أكبر للمصدرين وزيادة المشاريع الصناعية.
وأرجأت شركة العاصمة الإدارية للتنمية العمرانية المرحلة الثانية من مدينة العاصمة الإدارية الجديدة إلى مطلع العام المقبل بعد أن كان مقررا لها الربع الثاني أو الثالث من العام الجاري.
55 مليار دولار، حجم الأموال التي ستتدفق على مصر في العام الجاري منها 35 مليار دولار من مشروع رأس الحكمة الذي وقعته القاهرة مع دولة الإمارات
وهناك مراجعات دورية على القروض التي تحصل عليها مصر من الجهات المقرضة على فترات متقاربة، لمعرفة المنافذ التي تُنفق فيها الحكومة التمويلات التي تلقتها.
وطالب محللون بضرورة الاستغلال الأمثل للسيولة الأجنبية عبر رؤية تتضمن وجود قنوات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد وتجاوز المرحلة الراهنة وضمان تحقيق تنمية مستدامة.
وقال خبير الاستثمار المصري إبراهيم الحدودي إن “عضلة قلب الاقتصاد توقفت ثم أنعشتها صفقة رأس الحكمة وتدعمها التدفقات الأجنبية المرتقبة من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد، وينبغي التعامل بحرص مع تلك السيولة كي لا تتبدد”.
وفي تصريح لـ”العرب” أوضح الحدودي “صعوبة توجيه الجزء الأكبر منها إلى السلع الاستهلاكية، حتى لا تنفد وتنشب الأزمة مجددًا، ويجب تنويع القطاعات لتشمل خروج جزء من البضائع في الموانئ لتهدئة الأسعار، وجزء آخر لسداد الديون العاجلة التي يصعب تأخيرها، حتى لا تقع الدولة في دائرة التخلف عن سداد الديون”.
وطالب بتخصيص الجزء الأكبر منها للصناعة وشراء المعدات والآلات التي تضمن تعزيز الإنتاج المحلي والتصدير، وزيادة تدفق العملات الصعبة مع خفض الاستيراد، وهو حل مهم لاستدامة الأموال المتدفقة من الخارج في الوقت الحالي.
ومن المهم أن تعقد الحكومة صفقات في قطاعي الزراعة والصناعة بدلا من الاستثمار السهل في العقارات، لأنهما عصب الاقتصاد، وتقوم بتوفير التنمية المستدامة وعدم التعرض للأزمات الطاحنة.
وعلى الحكومة تحديد قائمة بالسلع المسموح باستيرادها وتلك التي لها بدائل حتى يتم توطين الصناعة والتركيز عليها لتحقيق طفرة في الاقتصاد، وهي خطوة ينبغي للدولة أن تدرك أهميتها مع تدفق الأموال حاليًا، لتتمكن من تخطي الأزمة الراهنة.
العرب