تدهور القدرة الشرائية للتونسيين يفقد مواسم التخفيضات التجارية بريقها

تدهور القدرة الشرائية للتونسيين يفقد مواسم التخفيضات التجارية بريقها

امتزج تذمر التجار في تونس بعزوف المستهلكين عن التسوق أثناء موسم التخفيضات الشتوية لهذا العام بالنظر إلى تدهور قدرتهم الشرائية جراء الأزمة الاقتصادية، مع تزايد ضغوطهم على السلطات لتعديل القوانين بهدف جعلها تواكب تحديات الغلاء والتسوق الرقمي.

تونس – لاحظت الأوساط الاقتصادية أن زخم تفاعل التونسيين مع موسم التخفيضات تراجع كثيرا في الأعوام الأخيرة بالنظر إلى الصعوبة المعيشية تأثرا بالأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد، وسط دعوات لتعديل القوانين المنظمة لهذا النشاط.

وعادة ما تجلب التخفيضات معها نشاطا على أسواق العاصمة تونس والبعض من المدن الكبرى، ويعم الاكتظاظ المحلات، لكن التشكي يبقى سيد الموقف دوما، فلا التجار يرضيهم مستوى إقبال المستهلكين، ولا الزبائن ترضيهم الأسعار التي يرونها مرتفعة.

وخلص المتابعون بعد انتهاء موسم التخفيضات الشتوي (الصولد) لدورة 2024 الجمعة الماضي بعد شهر ونصف الشهر من النشاط، أنه لم يحقق خلالها الإضافة المرجوة، بل أخفق في مستوى تنشيط الحركة التجارية ولم ينل اهتمام المواطنين.

وبغض النظر عن الركود، الذي بات مهيمنا على موسم التخفيضات كل سنة، يشكل اتجاه المستهلكين إلى التسوق الإلكتروني وخاصة عبر الشبكات الاجتماعية أحد العوامل الرئيسية التي تجعل من الضروري اعتماد لوائح تنظيمية جديدة لتعزيز نشاط “الصولد” مستقبلا.

ويجمع التجار على أن فترة الصولد، التي انطلقت في الأول من فبراير الماضي، سجلت عزوفا كبيرا جدا من المستهلكين، الذين اشتكوا بدورهم من المنتجات المعروضة ومن نسب التخفيضات المتداولة، التي يرى كثيرون منهم أنها ليست حقيقية.

ويلزم قانون صدر في العام 1998 المنظم لطريقة البيع والإشهار التجاري اعتماد نسبة دنيا بنحو 20 في المئة على السلع المعروضة بالمقارنة مع السعر المرجعي، وأن مشاركة التجار ليست إجبارية.

وتظهر دراسة أعدها المعهد الوطني للاستهلاك قبل سنوات قليلة أن التجار يحققون حوالي 40 في المئة من رقم معاملاتهم خلال موسم التخفيضات الدورية.

وفي مسوحات يجريها المعهد بانتظام قبل مواسم التخفيضات، يتبين أن 8 في المئة من ثلاثة ملايين أسرة تخصص ميزانية خاصة بهذا النشاط، فيما يعمل 25 في المئة من الأسر على رصد العروض التجارية قبل عملية الصولد.

وأكد رئيس الغرفة الوطنية لتجار الملابس الجاهزة بمنظمة الأعراف، محسن بن ساسي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن “الصولد شهد عزوفا كبيرا من عموم المواطنين ولم يحقق الإضافة المرجوة منه”.

وقال إن “جل التجار المشاركين في موسم التخفيضات الدورية عاينوا حالة الركود وتواضع حجم المبيعات مقارنة بالسنوات الماضية”.

وبرر بن ساسي عزوف المواطنين عن الإقبال على شراء الملابس والأحذية خلال فترة التخفيضات “بتراجع قدرتهم الشرائية بسبب الوضع الاقتصادي العام بالبلاد وخاصة قرب قدوم موعد شهر رمضان”.

وقال “تخير الأسر تخصيص ميزانية للتزود بالمواد الغذائية لشهر رمضان عوض شراء ملابس في فترة الصولد”، نافيا تمديده لمدة أسبوعين، حيث أن “التجار يعدون حاليا لسلاسل جديدة من الملابس والأحذية بمناسبة عيد الفطر”.

وتشارك، كما جرت العادة أهم القطاعات في موسم التخفيضات الشتوي أو الصيفي، وهي تلك المتعلقة بالملابس الجاهزة والأحذية التي تستأثر بأكثر من 90 في المئة، مع مشاركة متواضعة لمحلات بيع العطورات والنظارات الشمسية والهدايا.

وبالنظر إلى الركود الذي بات أحد السمات الطاغية على مواسم التخفيضات منذ سنوات وتفاقم عقب وباء كورونا، تمارس غرفة الملابس الجاهزة ضغوطا على وزارة التجارة للإسراع في إدخال تعديلات على قانون الصولد.

ويرى بن ساسي أنه من الضروري والعاجل أن تقوم وزارة التجارة بتنقيح النصوص القانونية المنظمة لموسم التخفيضات لاسيما وأن القانون مر عليه أكثر من 26 عاما ولم يقع تنقيحه ولو مرة واحدة.

واستغرب من وجود مشروع لتعديل القانون الذي تضمن مقترحات وصفها بـ”الجيدة والإيجابية” لإعطاء دفع جديد لموسم التخفيضات الدورية في تونس، لكن الوزارة، عبر مصالحها المعنية، لم تسرع في إحالة المشروع على الحكومة.

وقال إنه “تم التشاور مع المهنة في شأنه وعقد العديد من جلسات العمل في الغرض”.

وتظهر الإحصائيات الصادرة عن وزارة التجارة أن عدد التجار المنخرطين في الموسم الشتوي هذا العام تراجع بواقع 7 في المئة على أساس سنوي ليبلغ العدد فقط 941 محلا تجاريا.

في المقابل، ارتفع عدد نقاط البيع المشاركة في موسم التخفيضات الشتوية لهذا العام بنحو 9 في المئة بمقارنة سنوية ليصل إلى 2111 نقطة.

وتوزعت نقاط البيع المشاركة على 1201 مخصصة لبيع الملابس الجاهزة بنسبة 61 في المئة، وأيضا 386 نقطة بيع للأحذية بنسبة 24 في المئة، فضلا عن حوالي 524 نقطة بيع ببقية القطاعات وتشمل العطورات والأثاث والنظارات.

وبالنسبة للتوزيع الجغرافي، فقد استأثر إقليم تونس الكبرى بالمشاركة الأكبر بنسبة 55 من حيث التصاريح ومحلات البيع، و24 في المئة بالنسبة لإقليم الجنوب، وحل إقليم الوسط والساحل ثالثا بنحو 11 في المئة وأخيرا إقليم الشمال الغربي بواقع 10 في المئة.

وتقر وزارة التجارة وتنمية الصادرات بأن الحركية التجارية خلال موسم التخفيضات الشتوي لهذه السنة تعد ضعيفة، حيث لا يوجد إقبال ملحوظ من قبل المستهلكين.

وأكدت مديرة الأسعار والمنافسة بوزارة التجارة وتنمية الصادرات، نوال الخالدي، أن مشروع تعديل قانون الصولد بالفعل مطروح في الوزارة وتم العمل عليه منذ قرابة العامين بالتعاون مع المهنة التي أرسلت بدورها مقترحاتها في الغرض.

وشددت أن تعديل القانون المتعلق بالتخفيضات التجارية سيكون في صدارة القوانين ذات الأولوية للاشتغال عليها على مستوى الوزارة في السنة الحالية.

وفسرت الخالدي في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية أن التمشي، الذي اعتمدته الوزارة يتمثل في الاشتغال على مجموعة من القوانين ذات العلاقة بالاستهلاك.

وأشارت إلى أن التفكير أيضا منصب في إطلاق مجلة للاستهلاك تجمع كل النصوص القانونية ذات العلاقة بالاستهلاك، بما فيها الصولد وإدراج بعض الظواهر والممارسات الجديدة التي ظهرت في تونس في السنوات الأخيرة.

وأكدت أن هذه الممارسات الجديدة تتعلق بتطور طرق البيع في البلاد من ذلك البيع عبر مختلف الوسائط ووسائل التواصل الاجتماعي مع بروز أنشطة من شأنها أن تحث المستهلك على الاستهلاك من دون ضمان حقوقه أو ضمان حقه في الاختيار.

العرب